زوكربيرج لا يخاف على «فيسبوك» إلا من «فيسبوك»

زوكربيرج لا يخاف على «فيسبوك» إلا من «فيسبوك»

عبارة "صديق على فيسبوك" أصبحت تعني شخصا بعيدا عن حياتك، الذي لا يعرف مشاعرك الأعمق. يريد الآن مارك زوكربيرج أن يقربنا أكثر.
المؤسس والرئيس التنفيذي لأكبر شبكة اجتماعية في العالم عمد بشكل عجيب إلى تغيير طبيعة تغذية الأخبار المنشورة على التطبيق، وهو المكان الذي يرى فيه المستخدمون مشاركات من الأصدقاء والعائلات، وبشكل متزايد في الآونة الأخيرة، مشاركات ناشرين وعلامات تجارية ومعلنين و"الأخبار الوهمية".
سيعطي هذا العرض المجدد الأولوية "للتفاعلات المفيدة" مع الأصدقاء والعائلة، من خلال البحث عبر مواضيع الأخبار وأشرطة الفيديو المختصرة المحوسبة.
استجاب زوكربيرج لمخاوف من أن مستخدمي المنصة الذين يزيد عددهم على ملياري نسمة، كانوا يقضون كثيرا من الوقت فوق الحد تحت طوفان من الأخبار الوهمية، والدعاية الروسية والعناصر الثقافية المختلفة (من صور ومقاطع فيديو ونصوص) طائشة أو مدمرة عقليا. بالنسبة للمنتقدين، أصبح الموقع يرمز إلى معظم الأمور الخاطئة التي تحيط بشركات التكنولوجيا الكبيرة.
حذر زوكربيرج المساهمين من أن التغييرات - التي يقول إنها الخطوة الأولى لجعل الوقت الذي يقضيه المستخدمون على موقع فيسبوك "أكثر قيمة" - ستشهد انخفاضا في الوقت الذي يقضيه الناس على هذه المنصة، لكنه يأمل أن التعديلات يمكن أن تعمل في نهاية المطاف على إنقاذ فيسبوك من نفسها.
وكتب في مشاركة له "أريد أن أكون واضحا: من خلال إجراء هذه التغييرات، أتوقع أن الوقت الذي يقضيه الناس على موقع فيسبوك، وبعض مقاييس الانخراط سوف ينخفض. إذا فعلنا الشيء الصحيح، أعتقد أن ذلك سيكون جيدا لمجتمعنا ولأعمالنا على المدى الطويل أيضا".
انخفضت أسهم شركة فيسبوك 3.6 في المائة في وقت مبكر من بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، في نيويورك.
عندما يسجل المستخدمون الدخول إلى تطبيقات فيسبوك في نهاية هذا الأسبوع، سيشاهد البعض مشاركات من الأصدقاء والعائلة تزاحم المعلومات من العلامات التجارية ووسائل الإعلام.
هناك المزيد من التغييرات في الطريق، بحسب ما يقوله أشخاص على إحاطة بالخطط، في الوقت الذي تحاول فيه الشركة إيجاد وسيلة لتحديد أولويات المحتوى "الجدير بالثقة" حول الأخبار الوهمية.
يقول ديفيد كيركباتريك، مؤلف كتاب "تأثير فيسبوك": "المشكلة التي تواجهها شركة فيسبوك أكثر جوهرية بالنسبة لحضورها الاجتماعي ونطاقها وحجمها.
ويضيف: "المشكلة ليست روسيا أو الأخبار المزيفة أو أي من هذه الأمور - المشكلة هي أن "فيسبوك" منصة التوزيع مركزية لمحتوى المجتمع في أماكن كثيرة".
يضيف كيركباتريك أن الأمر الذي يبعث على "الضيق الشديد" لزوكربيرج هو أن يرى أن شبكة فيسبوك تمارس تأثيرا سلبيا في المستخدمين.
ويستطرد: "سوف يتخذ كل الإجراءات التي يجب اتخاذها لجعل نفسه ومستخدمي موقع فيسبوك يشعرون بأن ما يفعلونه هو جيد للعالم".
هيمنة زوكربيرج على حقوق التصويت في فيسبوك تعني أنه يمكن أن يتخذ إجراءات عجيبة دون أن يشعر بالقلق بشأن تمرد المساهمين. وحذر في آخر مكالمة أرباح في شركة فيسبوك في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، من أن استثمار الشركة في توظيف المشرفين على مراقبة الموقع من أجل الأخبار المزيفة والمحتوى الإرهابي، سيؤثر في الهوامش.
ناتاشا لامب، مستثمرة ناشطة تعمل في شركة أرجونا كابيتال للاستثمار الاجتماعي، ضغطت على شركة فيسبوك لمكافحة الأخبار المزيفة والتحرش الجنسي على المنصة، تقول إن زوكربيرج كان يصغي إلى المخاوف من أن "أكبر إنجاز للمنصة هو أيضا أكبر سقوط لها".
وتردف قائلة: "المنصة من الناحية العملية تسيطر على المحادثة. وهذا أمر رائع بالنسبة لإيرادات الإعلانات، ولكن ليس بالنسبة للمستخدمين الذين يتلقون تغذية من التيار المضلل من الجهات الفاعلة السيئة التي تسعى إلى التلاعب بالمنصة".
تشير البيانات المستمدة من تقييمات المحتوى الرقمي من نيلسن إلى أن مستخدمي شبكة فيسبوك، ربما كانوا في الأصل يخفضون من الوقت الذي يقضونه على المنصة بنسبة تراوح بين 5 و7 في المائة في آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) الماضيين.
قال براين ويزر المحلل في "بيفوتال ريسيرتش" في مذكرة إن شركة فيسبوك اضطرت للتصرف. وكتب: "كانت الشركة (على نحو مفهوم) تركز على زيادة نمو المستخدمين على مر السنين، على الرغم من أن التنفيذيين السابقين فيها وصفوا أخيرا وجود تأثيرات سلبية في المستهلكين من تلك الجهود"، مشيرا بذلك إلى تصريحات من اثنين من التنفيذيين السابقين لدى شركة فيسبوك، شون باركر وتشاماث باليهابيتيا، اللذين شعرا بالقلق من تأثير وسائل الإعلام الاجتماعية في حياة المستخدمين.
وأضاف ويزر أنه في حين أن التغييرات قد تضر بالنمو على المدى القصير، إلا أنها قد تكون "مفيدة" على المدى الطويل.
وقدر محللون في بنك باركليز أن هذا التحول قد يؤدي إلى انخفاضات بأرقام قليلة من خانة واحدة في توقعات المصرف لنمو العائدات بنسبة 39 في المائة على أساس سنوي - إذا كان الناس يقضون وقتا أقل على الشبكة الاجتماعية، فستكون هناك فرصة أقل للشركة لتقديم الإعلانات إليهم.
وأضافوا أن هناك كثيرا من الأماكن الأخرى التي يمكن فيها لشركة فيسبوك أن تضع الإعلانات، بما في ذلك منصة تبادل الصور إنستاجرام وفيسبوك ماسنجر، تطبيق الرسائل التابع لها.
يشار إلى أن حصة الشركة في السوق إلى جانب جوجل – تشير التقديرات إلى أن الشركتين كانت تمثلان ما نسبته 84 في المائة من الإنفاق الإعلاني الرقمي في عام 2017، وفقا لما ذكرته وكالة شراء وسائل الإعلام GroupM - قد تسمح لها أيضا بزيادة الأسعار.
في حين أن الأعمال في شركة فيسبوك يمكن أن تصمد في وجه التغيير، إلا أن كثيرا من الناشرين قلقون من أن إيراداتهم وأرباحهم أصبحت تعتمد كثيرا فوق الحد على الشبكة الاجتماعية. يحصل نحو 45 في المائة من جميع الأمريكيين على أخبارهم من موقع فيسبوك، وفقا لمركز أبحاث بيو.
يقول ديفيد تشافيرن، الرئيس والمدير التنفيذي لتحالف وسائل الإعلام الإخبارية، الذي يمثل نحو 2000 ناشر في أمريكا الشمالية، إن الأخبار ستبقى شائعة في موقع فيسبوك.
ويضيف: "هذا التغيير يسلط الضوء على قوة شركة فيسبوك لتقرر (وتغير) أنواع المعلومات التي يتعرض لها الناس. إنها قوة لا تصدق، وهي قوة تحمل مسؤوليات لا تصدق. مطالبنا الأساسية من شركة فيسبوك - بما في ذلك نموذج الاشتراك - لا تزال هي نفسها".
الناشرون الذين يعتمدون على موقع فيسبوك كمنصة لإرسال القراء إلى مواضيعهم وأشرطة الفيديو التي لديهم، كانوا يستعدون للتغيير. البيانات من مزود التحليلات Parse.ly تظهر أن حركة الإحالة من موقع فيسبوك بدأت في التراجع منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، واستمرت في الانخفاض.
يقول أحد التنفيذيين في واحدة من كبريات شركات النشر: "هذا الأمر كان يتجمع منذ فترة"، مضيفا أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت التغييرات ستؤدي إلى "تقليص واسع لأولويات" الأخبار.
يرغب كثير من الناشرين في الحصول على مزيد من التفاصيل حول ما يعنيه هذا بالنسبة لأعمالهم، على أمل أن يتم إعفاؤهم على اعتبار أنهم وسائل إعلام جديرة بالثقة، أو أن ينظر إلى محتواهم على أنه يعزز المشاركة الفعالة.
وسيبحث آخرون عن المزيد من الطرق للانتقال مباشرة إلى قرائهم. يشير جيف سوندرمان، نائب المدير التنفيذي لمعهد الصحافة الأمريكي، إلى أن تحذير الأتباع من أنهم قد يرون كميات أقل من صفحة الناشر في خلاصتهم، وتشجيعهم على النقر من أجل "الاطلاع على المشاركات أولا في خلاصة الأخبار" أو الاشتراك في نشرة إخبارية بالبريد الإلكتروني.
إحدى الطرق التي قد يتعرض فيها الناشرون للضغط تتركز حول الإعلانات الأصلية.
في مواجهة انخفاض أسعار الإعلانات الرقمية، تحول كثير من شركات وسائل الإعلام إلى إنشاء محتوى للعلامات التجارية التي توزعها عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، بما في ذلك منصة فيسبوك. إذا تم تقليل إمكانية الوصول إلى المحتوى الذي يحمل علامة تجارية على موقع فيسبوك، فقد يؤدي ذلك إلى جعل المعلنين أقل استعدادا لدفع ثمن ذلك.
بدأت BuzzFeed، وهي مجموعة وسائل الإعلام التي بنت أعمالها على الإعلانات الأصلية، تبذل جهودا للحد من اعتمادها على تيار الإيرادات المذكور.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أعلن الموقع إعادة تنظيم تهدف إلى زيادة مصادر أخرى للمبيعات، بما في ذلك التجارة الإلكترونية وأشرطة الفيديو والترخيص.
وقالت المتحدثة باسم BuzzFeed إن الشركة تركز منذ فترة طويلة على محتوى "ذي مغزى" قابل للمشاركة.
وأضافت: "نتوقع أن نستمر في تنفيذ تلك المهمة، وأن نتجاوز هذه التغييرات في تغذية الأخبار، التي تؤكد الاتجاهات التي شاهدناها على المنصة في الأشهر الأخيرة، وقد اتخذنا بالفعل خطوات للتطور جنبا إلى جنب مع ذلك".
بالنسبة للمستخدمين، قد تعني التغييرات أن يصبح "فيسبوك" أشبه بجمع من الأصدقاء والعائلة.
قرار زوكربيرج هو دلالة على بحوث الشركة بأن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأفضل للمستخدمين عندما يكونون على اتصال فعال، بدلا من التجول السلبي عبر بحر من المعلومات.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، طالب المساهمون شركة أبل بفعل المزيد من أجل الحؤول دون الإدمان على الهواتف الذكية – وينظر إلى وسائل الإعلام الاجتماعية بشكل متزايد على أنها تنطوي على إمكانية التسبب في الإدمان على الهاتف الذكي.
هذا التغيير يمكن أن يحل مشكلة الإدمان، أو يعمل حتى على إنشاء المزيد من فقاعات التصفية.
جين توينج، مؤلفة كتاب جيل الإنترنت: لماذا يصبح أطفال اليوم المتصلون دائما بالإنترنت أقل تمردا وأكثر تقبلا وأقل سعادة – وغير مستعدين نهائيا للبلوغ"، تقول إن هذا يمكن أن يجعل من السهل على البالغين "قراءة التحديثات من الأصدقاء والعائلة ثم مغادرة الموقع".
ربما لن ينجح الأمر إذا كانت هذه التحديثات مملوءة بالرفاق الذين يتباهون حول حياتهم. وتقول: "هذا لن يحل أمورا أخرى مثل المقارنة الاجتماعية – على سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات حول استخدام "فيسبوك"، أنه حين يقارن الناس أنفسهم بحياة أصدقائهم على منصة فيسبوك التي تبدو مثالية، فهم يشعرون بالاكتئاب".

الأكثر قراءة