ثقافة وفنون

الكتاب المسموع بديل أسهل .. لكن هل هو الأفضل؟

الكتاب المسموع بديل أسهل .. لكن هل هو الأفضل؟

تحولت عادة القراءة قبل النوم عند بعض القراء إلى إنصات إلى تسجيل رقمي، تتدفق من هذا التسجيل كلمات الكتاب بصوت القارئ عبر سماعة صغيرة في أذنك، يقرأ الكتاب لك، ويخلصك بذلك من عناء الجهد البصري في القراءة قبل النوم، ومن إزعاج التحرك من مكانك لإطفاء الضوء بعد الانتهاء من القراءة. فالكتاب الصوتي سهل المتناول للمتعلم والأميّ، البالغ والطفل، يوفر الوقت والجهد، ولا يحتاج إلى مكان مخصص أو إضاءة مناسبة. وهو الحل الأمثل للذين يعانون مشكلات في النظر أو مشكلات العسر القرائي. وقد تزامن انتشار الكتاب المسموع مع التطور الرقمي. ويعدُّ الكتاب الصوتي تحولاً جديداً للقراءة في العالم الرقمي المعاصر؛ فالكتاب المسموع تمكن قراءته بدون قراءة؛ بمعنى أن الاستماع اليوم يمكن أن يكون نوعا من أنواع القراءة. وهنا نسأل: هل يكون الكتاب الصوتي بديلا للكتاب المطبوع؟

أنواع الكتب الصوتية

توجد عشرات المواقع التي تقدم الكتاب العربي المسموع مجانا على الإنترنت، ومتاجر إلكترونية خاصة لبيع الكتب المسموعة، وقنوات خاصة على الشبكات الاجتماعية. ويمكننا تصنيف المحتوى المنتشر اليوم من الكتب المسموعة إلى أربعة أنواع. أولها: كتاب مسموع يُقرأ فيه الكتاب بالكامل بصوت بشري من البداية إلى النهاية دون تدخل أو أي إضافات، وثانيها: ملخص كتاب مسموع؛ أي مجرد نسخة صوتية مختصرة من الكتاب. وثالثها: ملخص فكرة عن موضوع ما من أكثر من كتاب، وهو أشبه بفكرة الورقة العلمية الموجزة لكنها صوتية. وكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة يقدم في تسجيل صوتي بدون مؤثرات، أو مصاحبة لمحتوى مرئي في مقاطع فيديو رسومية، وأحيانا أخرى تكون في مشهد تمثيلي تعليمي أو ما يشبه المحاضرات المسجلة. وأخيرا: القراءة الآلية للكتاب المطبوع، وعادة ما تكون هذه خدمة إضافية في متاجر الكتب الرقمية. والقارئ الآلي المتوفر على المكتبات الرقمية في الوقت الحالي لا يعطي قراءة سليمة؛ لأنه لا يستطيع الكشف بين حدود الكلمات عند قراءتها. ولا يميّز بين بداية الكلمة ونهايتها، ولا بين بداية الجملة ونهايتها. فيغيب التقسيم في سلسلة الجمل المتوالية في أمواج صوتية آلية متتابعة في شريط صوتي متصل دون مسافات صمت بين الجمل، فتغدو أشبه بالطلاسم المتتابعة غير المفهومة.

كتب الأطفال الصوتية

تنتشر متاجر الكتاب الصوتي المسموع عبر التطبيقات الذكية. وهناك مواقع تتيح لك شراء الكتاب الصوتي كاملا، أو استعارة مؤقتة بسعر أرخص. ويمثل الكتاب الصوتي سوقا مهمة جدا للأطفال والناشئة تحديدا. إذْ تساعد الكتب الصوتية على قراءة القصص للأطفال وتحسّن عادات القراءة لديهم. ويعدّ التوجه العربي لإنتاج ونشر الكتاب الصوتي محدودا مقارنةً بنظيره الإنجليزي، حيث تكثر متاجر الكتاب الصوتي المصنفة حسب نوع الكتاب والفئة المستهدفة بالكتاب. وإن كانت هذه المتاجر تحدد الكتب المناسبة للأطفال الصغار، لكنها لا تصنف الكتب التي لا تناسب إلا من هم فوق سن 16. قد نتجاهل أهمية تحديد العمر المناسب لنوع الكتاب في الكتاب المطبوع، لكن لا يمكن تجاهل ذلك الجانب في الكتاب الصوتي. لأن الكتاب الصوتي أسهل في التناول من الكتاب المطبوع، وبذلك قد يقع تحت سمع الطفل أو المراهق كتاب لا يناسب عمره. أما الكتاب المطبوع على الأغلب لن تصل له إلا أيدي البالغين الكبار الذين أتقنوا مهارة القراءة وصاروا خبيرين بها، وبالتالي؛ ربما لا يشكل محتوى الكتاب خطرا عليهم.

الإدراك القرائي

إن القراءة عملية معرفية معقدة ومتشابكة تعتمد على تفكيك الرموز اللغوية وفهم دلالتها، وبالتالي تعتبر مصدرا مهما من مصادر المعرفة وأداة أساسية من أدوات التعليم والتعلّم. والإنسان بطبيعته يتعلم عن طريق الحواس إذْ هي المصدر الذي يدرك من خلاله الأشياء من حوله. وكل فرد يختلف عن الآخر في طريقة التعلم المفضلة. فبعضهم يفضّل التعلم عن طريق حاسة السمع، والآخر يفضّل التعلم عن طريق اللمس أو الشم، وبعضهم عن طريق حاسة البصر. وتعتبر كل حاسّة عند الإنسان قناة إدراكية للتعلّم. وتختلف حاسة السمع عن البصر أنها لا يمكن التحكم فيها بينما يمكن التحكم في حاسة البصر بإغماض العين. تعد الكتب المسموعة موردا مفضلا للتعلم للأشخاص السمعيين. إلا أن المعلومات التي تُستقبل من الثقافة السمعية في ملخصات الكتب الصوتية ربما تشوّش على المعلومات التي لا بد أن يستقيها القارئ من مصدرها بصريا. والتشويش هذا ينتج عن توجيه مقدّم محتوى الكتاب السمعي بطريقة مقصودة أو غير مقصودة نحو الرأي الذي يتبناه حول الفكرة أو حول الكتاب، حين يستقبل "السامع" إضافة إلى آراء المؤلف حول الموضوع آراء مقدم الكتاب المسموع، وخبراته السابقة، وعواطفه وميوله، وحالته المزاجية، واتجاهاته، وقيمه، والعوامل الثقافية المختلفة التي تؤثر فيه. حتى لو لم يزد مقدّم الكتاب المسموع أيّ كلمة إضافية على الكلمات الموجودة في الكتاب، لكنه رغما عن نفسه سينتقي الأجزاء التي تتوافق مع رؤيته أنها الأهم. وسيرتبها بالطريقة التي يرى أنها الأفضل. ونستثني من ذلك الكتاب المسموع الذي يُقرأ من أول صفحة إلى آخر صفحة دون تلخيص.

في التعليم

الكتاب الصوتي عامل مساعد ومساند للكتاب المطبوع، والاعتماد على الكتاب الصوتي بشكل كليّ لا ينمي مهارة الكتابة. ولا يساعد على إتقان مهارات الإملاء والتركيب. فالاعتماد على الكتاب الصوتي فقط في التعليم تحديدا خيار غير جيد، لأن القراءة من الكتاب المطبوع تساعد على التركيز على المحتوى الثابت أمام البصر على صفحة الكتاب، في حين يسهل تشتت وضياع المعلومات عند الاقتصار على سماعها من الكتاب الصوتي. فالكتاب الصوتي جيد ومفيد لكن لا يمكن الاعتماد عليه في استيعاب المعلومات. إن القراءة من الكتاب المطبوع التزام بالزمان والمكان والكيفية، على عكس الاستماع الذي لا يتطلب أيا من هذه الاشتراطات، وبالتالي الاهتمام والتركيز نحو المادة المسموعة يكون أقلّ. ثم إن العودة إلى أجزاء الكتاب أو صفحة مهمة منه في الكتاب المطبوع أسهل من العودة إلى جزء من التسجيل الصوتي لاسترجاع معلومة ما، أو التركيز عليها لفهمها وربطها ببقية أجزاء الكتاب.

عودة إلى الخلف

يتزامن مع الكتاب الصوتي اليوم أيضا تحول صوتي للكتابة في المحادثات والرسائل وإصدار الأوامر في الأجهزة الذكية، وذلك جانب آخر يسهم في ضمور مهارات الكتابة والقراءة. والتراجع مرة أخرى إلى المهارات البدائية في الاعتماد على الثقافة الشفهية. وذلك يجعلنا نتوجس خيفة من اقتصار مهارات الكتابة والقراءة مستقبلا على فئة محدودة من الناس. إذْ إن الإدراك بالسماع أسهل من الإدراك البصري في فك ترميز اللغة المكتوبة. فالإنسان يميل غريزيا إلى التحدث والاستماع، لكن ليس لديه ميل غريزي إلى الكتابة والقراءة؛ بل هما مهارتان يكتسبهما الفرد عن طريق التعلّم المقصود. فالمعالجة الصوتية تحدث بشكل تلقائي على المستوى الفطري الغريزي. من جهة أخرى تتطلب القراءة إدراك الحروف الأبجدية في الكلمات المكتوبة التي تتوافق مع الأصوات التي اكتسبها واستوعبها الفرد بشكل تلقائي.

بديل أسهل

تتطلب القراءة وقتا مخصصا ومكانا مناسبا، وتشكل الكتب الصوتية البديل المناسب لتسهيل مهمة الاطلاع على المؤلفات بشكل مستمر دون التقيد باشتراطات الزمان والمكان التي تفرضها القراءة. وتتميز الكتب الصوتية عن الكتب المطبوعة بإمكانية الاستماع لها في ذات الوقت الذي يمكنك فيه الاشتغال على شيء آخر، مثل قيادة السيارة، ورحلات السفر الطويلة، أو حين القيام بالأعمال اليدوية بشكل عام. وأخيرا نعود مرة أخرى إلى طرح السؤال: هل يمكن أن يحلّ الكتاب الصوتي محل الكتاب المطبوع؟ هل يمكن أن يوجد الكتاب الصوتي دون الاستناد إلى الكتاب المطبوع في الأساس؟ هل الكتاب الصوتي داعم للكتاب المطبوع، أم هو بديل عصريّ عن الكتاب المطبوع؟
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون