وصفة مجانية للمستثمر: منظور المستقبل في مسح ماضي السوق

وصفة مجانية للمستثمر: منظور المستقبل في مسح ماضي السوق

كثير من مديري الأصول يباشرون الآن عملية جرد لسنة غريبة اسمها عام 2017. إذا كانوا يشعرون بسعة الأفق، فربما يكون بعضهم الآن يتأمل في قصة العقد الذي انقضى منذ الانهيار المالي العظيم.
إذا كنتَ تريد أن تحصل على منظور مثير للتفكر حقا بشأن أداء المَحافظ – أو مجرد إثارة بعض المحادثات خلال العطلة – نصيحتي لك هي أن توسع العدسة إلى مسافة أبعد حتى من ذلك، وتذهب بنظرك إلى السنوات الـ 145 الماضية، أو نحو ذلك.
نعم. الرقم هو 145 سنة. هذا الأسبوع نشرت مجموعة من الاقتصاديين في أمريكا وألمانيا نتائج دراسة ضخمة ومفصلة لتحليل الأرقام، من أجل دراسة أداء جميع فئات الأصول القابلة للاستثمار الكبيرة، مثل السندات، وأذون الخزانة، والأسهم، والمساكن، في 16 بلدا غربيا متقدما، من 1870 إلى 2015.
الدراسة نشرت في تقرير بعنوان "معدل العائد على كل شيء 1870 – 2015"، وهي من تأليف أوسكار يوردا، وكاثرينا كنول، وديميتري كوفشينكوف، وموريتز شولاريك، وآلان تايلور.
ليس الهدف من الدراسة أغراض الاستثمار الضيقة؛ إذ إن كل رجاء المؤلفين هو أن يسهموا في النقاشات الأكاديمية التي تستعر الآن، بشأن ما إذا كان الركود طويل الأمد – أي التراجع الهيكلي طويل الأجل في إجمالي الطلب، الذي حدده وزير المالية الأمريكي السابق لورنس سَمَرْز وآخرون من شاكلة الزميل مارتن وولف – موجود فعلا، وما إذا كان الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي محقا في المجادلة بأن العوائد على رأس المال، تتجاوز النمو دائما.
من هذا الباب فإن النتائج مثيرة للتفكر، وإن كانت غير قطعية. مجموعة البيانات تُظهِر أن العوائد على الأصول يغلب عليها فعلا أن تتجاوز النمو على المدى الطويل، كما يجادل البروفيسور بيكيتي.
بيد أن هناك بعض التقلبات القوية المثيرة للتحير. بلغة بسيطة، هذا يعني أن الأغنياء الذين يقتنون الأصول يغلب عليهم أن يزدادوا غنى على نحو أسرع من نمو الاقتصاد، الأمر الذي يثير عدم المساواة.
هذا نمط انقلابي متقلب الأطوار إلى درجة أن الاقتصاديين يشيرون إلى أنه لا تزال هناك "أحجية" حول السبب في وجوده.
الأمر الذي سيعتبره معظم المستثمرين أنه مثير للاهتمام أكثر من الحجج الاقتصادية هو أن مجموعة البيانات المذكورة – التي يبدو أنها أكبر مجموعة من نوعها، تم تجميعها من التاريخ – تكشف أيضا ثلاث نقاط على الأقل حول الأصول القابلة للاستثمار:
أولا، الأسهم والمساكن لديها مستويات مختلفة تماما من الارتباط. من منظور طويل الأمد (للغاية)، أنتجت كل فئة أصول من هاتين الفئتين عوائد مماثلة منذ عام 1870، بمتوسط يبلغ 7 في المائة سنوية عبر البلدان الـ 16.
أسواق الأسهم في مختلف أنحاء العالم مترابطة بصورة وثيقة ببعضها بعضا: التحركات المشتركة بين البلدان ارتفعت من 0.4 في منتصف القرن الماضي إلى 0.8 خلال العقد الحالي.
في المقابل، فإن أسواق العقارات غير مترابطة: التحركات المشتركة بين البلدان ظلت تراوح بين 0-0.2 على مدى السنوات الـ50 الماضية.
فضلا عن ذلك، فإن العقارات مرتبطة أيضا بصورة خفيفة فقط بدورات الأعمال وفئات الأصول الأخرى. وهذا يشير إلى أنه إذا أراد مستثمر أن ينوع محفظته فعلا، فيجدر به أن ينظر إلى ما وراء الأوراق المالية: شراء عقار في أي مكان من مانهاتن إلى منغوليا، كان تحوطا أفضل خلال القرن العشرين.
هناك مضمون مثير ثان، وهو أن عالم أسعار الفائدة المتدنية تماما في الوقت الحاضر لن يبدو غريبا إلا إذا اتخذت نظرة معدَّلة للتاريخ. صحيح أن أسعار الفائدة الحقيقية متدنية تماما في الوقت الحاضر مقارنة بسنوات السلم في القرن العشرين.
على أن العوائد الحقيقية على السندات وأذون الخزانة كانت أدنى من ذلك بكثير خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث انهارت إلى نحو سالب 4 في المائة (مقارنة بـ3 في المائة للسندات عام 2015 و0 بالنسبة لأذون الخزانة). العوائد على الأصول المأمونة كانت أيضا متدنية في أعقاب الحربين العالميتين، وقد تراجعت أواخر القرن التاسع عشر أيضا. بالتالي يقترح المؤلفون أنه بدلا من السؤال البسيط عن السبب في تدني أسعار الفائدة الحقيقية تماما في الوقت الحاضر، ربما يجدر بنا أن نسأل عما السبب في الاطمئنان الزائد إلى العوائد من الأصول للغاية في منتصف الثمانينيات". ربما كانت أواخر القرن العشرين في وضع شاذ أكثر من الوضع الحالي.
وهذا تبرِز نقطة ثالثة مهمة: الفرق ما بين العوائد على الأصول الخطرة والمأمونة كان متقلبا بصورة مثيرة للاستغراب خلال السنوات الـ 145 الماضية. السبب في ذلك لا يعود إلى سلوك الأصول الخطرة – إذ يغلب على هذه العوائد أن تتحرك ضمن دورات مستهلكة إلى درجة لا بأس بها.
بدلا من ذلك، فإن الأمر اللافت للنظر أكثر من ذلك هو سلوك الأصول التي يفترَض أنها مأمونة: على الرغم من أن هذه العوائد مستقرة في الغالب، إلا أنها تُظهِر بشكل دوري تقلبات هائلة غير متوقعة (عادة إما بسبب اندلاع حرب أو صدمة مالية فجأة، فتنقلب الأصول "المأمونة" حتى تبدو غير مأمونة على الإطلاق). يجدر بنا الآن أن نتفكر في هذا الدرس الأخير. هذا العام أُخِذ معظم المستثمرين بالأسعار العالية للأصول الخطرة، مثل الأسهم الأمريكية. على أن الحقيقة هي أن بقاء أسعار السندات التي يفترَض أنها مأمونة، عالية تماما هي حقيقة غريبة أيضا، خاصة بالنظر إلى المستويات العالية تماما من الديون، وتحوُّل دورة أسعار الفائدة الأمريكية.
هناك فرصة لا بأس بها في أن هذا النمط سيستمر عام 2018، ما لم تعمل البنوك المركزية فجأة على تسريع دورة تشديد أسعار الفائدة. ويبقى أننا إذا ما استرشدنا بالسنوات الـ 145 الماضية لتكون دليلنا إلى المستقبل، فإننا نرتكب خطأ خطيرا حين نفترض أن الأصول "المأمونة" ستظل دائما متبلدة على الأمد الطويل، ناهيك من أن تكون تحوطا موثوقا ضد أي مخاطر في أي بلد. إذا نسي المستثمرون هذه الحقيقة، فإنهم يعرضون أنفسهم للمخاطر، خاصة في عالم القرن الحادي والعشرين، حيث تتصاعد التوترات الجيوسياسية – إلى جانب تصاعد مستوى الديون.