ثقافة وفنون

«الجبال بيننا» .. وغريزتان فقط من أجل البقاء

«الجبال بيننا» .. وغريزتان فقط من أجل البقاء

«الجبال بيننا» .. وغريزتان فقط من أجل البقاء

لم يتوانَ المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد الذي سبق له تقديم عدد من الأعمال المميزة منها فيلم omar وفيلم paradise now، عن إظهار حبكة مشوقة منذ اللحظة الأولى لفيلمه الجديدThe Mountain Between Us الذي انطلق به من على سفوح أحد الجبال الشاهقة البعيدة عن ضوضاء المدينة، والمنقطعة في التواصل عن الكائنات البشرية.
من على تلك القمة الناصعة البياض يعيش كل من الممثل إدريس إلبا والممثلة كيت وينسلت مغامرة صعبة، يتصديان فيها للصعاب ويكسران من خلالها حاجز الغرباء، وتتوالى عليهما النكسات ليثبتا للمشاهد في نهاية الأمر ان إصرار البقاء على قيد الحياة هو غريزة تحدث تلقائيا أثناء مواجهة الموت.

تشويق اللحظات الأولى
في اللحظات الأولى من بداية الفيلم، ظهرت الممثلة كيث وينسلت في دور أليكس مارتن بشخصيتها المتحمسة المندفعة، التي لا تستسلم بسهولة، جامعة في ذلك بين سماتها الشخصية الفطرية وبين تأثرها بعملها في مجال الصحافة، في حين ظهر إدريس إلبا بشخصية بن باس، الذي يعمل كجراح في الأعصاب، وهو مستعد للمغامرة بالسفر في ظروف استثنائية لإنقاذ مريضه ذي الأعوام العشرة، يلتقيان في مطار سولت ليك، حيث يتم إلغاء رحلتهما بسبب سوء الأحوال الجوية، ولأنّ كلا منهما لديه سبب طارئ يجبره على إتمام الرحلة، فيتوافقان على استئجار طائرة خاصة تقلهما إلى وجهتهما، إلا أنّ تلك الطائرة تتعرض لحادث في منتصف الرحلة، حيث يصاب الطيار الخاص، الذي يلعب دوره الصغير بو بريدجس، بذبحة صدرية في منتصف الرحلة ما يتسبب في تحطم الطائرة، وعندما يستيقظان يكتشفان أنهما عالقين على سفح الجبال الثلجية غير المأهولة، مع قليل جداً من الطعام الذي عليهما أن يتشاركاه.

نضال البقاء
تبدأ في هذه الأوقات غريزة البقاء على قيد الحياة في الظهور خاصة عند أليكس التي حاولت ابتكار كثير من الطرق البارعة لتخليص نفسها والوصول إلى أقرب نقطة سكانية، رغم أنها كانت مصابة في رجلها، إلا أن إصرارها كان أقوى من الألم، ويظهر المخرج كيف أن الإنسان القديم كان يعيش في الطبيعة بمختلف تقلباتها، فالأكل الذي معهما لا يكفي إلا لثلاثة أيام لكنهما اصطادا أسدا وأصبح لديهما طعام يكفيهما لعشرة أيام على الأقل، أما الماء فكان الثلج كافيا، لإذابته وإرواء عطشهما.

علاقة رومانسية
يسير بن وأليكس متحديين كافة العوامل الطبيعية الصعبة واضعين نصب أعينهما أنهما متوجهان إلى الحياة، ولقد أضاف الانسجام بين الشخصيتين كثيرا من التشويق في الفيلم، وكانا بارعين في تقديم أدوارهما بمهنية عالية مع وجود تعابير تدل على انسجامهما، وفي الجزء الثاني من الفيلم بدأت العلاقة الرومانسية في التبلور، حيث وقعا في حب بعضهما البعض وأصبحت النجاة ضرورة ليس لحياتهما فقط بل لحبهما أيضا.

تطور العلاقة
لقد برع المخرج في التسلسل الدرامي للفيلم حيث كانت النقلة بين اثنين يصارعان للبقاء إلى عاشقين سلسة جدا، وتطور العلاقة كان مقنعا، استمرا في السير بين هضبات الجبال، يفترشان ليلا تحت أغصان الشجر وينامان على نار هادئة تدفئهما قليلا حتى بزوغ الفجر لينهضا ويكملا طريقهما، وفي أكثر من مرة يتعرضان للانزلاقات إلا أنهما يتمسكان ببعضهما البعض ويكملان، وفي كل مرحلة صعبة يقصان القليل من حياتهما الشخصية، فبن كان غامضا في حياته، وهذا ما دفع حشرية أليكس إلى التنقيب عن أي شيء في أغراضه يعطي معلومات عنه، وفعلا كشفت تسجيلا من زوجته، الذي تبين فيما بعد أنه تسجيل لها قبل وفاتها بقليل، وهذا الشيء الذي جعل منه إنسانا غامضا لا يحب التكلم عن نفسه، في حين شخصية أليكس كانت النقيض تماما فهي تسافر كل هذه المسافات وتتحدى كل هذه الصعاب لتلتقي حبيبها وتتزوجه، لقد كان موعد زفافها بعد يوم من وقوع الطائرة واستمرت طيلة الوقت في الحديث عن خطيبها، وإذا ما كان يبحث عنها.

تصوير جذاب
وصلت أليكس برفقة بن إلى منزل مهجور، جلسا فيه لبعض الوقت قبل أن يلتقيا شاحنة كبيرة تقلهما إلى المدينة وتعود بهما إلى حياتهما الطبيعية، فأليكس استقبلها خطيبها، وبن عاد إلى حياته العملية كطبيب، لكن هل بعد كل التحدي الذي عاشاه هل سيرضخان للقدر ويفترقان؟!
الفيلم مأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الأمريكي تشارلز مارتن، لا تضم إلا شخصيتين، واستطاع كاتب السيناريو كريس ويتز مع المخرج هاني أبو أسعد شد انتباه المشاهد نحو ساعتين في بقعة جغرافية واحدة يوجد فيها فقط أليكس وبن، وهنا برزت براعة الإخراج والتصوير في كيفية الحفاظ على عنصر التشويق في مشاهد درامية تخلو من المؤثرات البصرية التي تمت الاستعاضة عنها بلقطات تظهر الجبال البيضاء كلوحة فنية من الطبيعة، كما أسهمت الكادرات الواسعة في التعبير عن معاناة البطلين من خلال استعراض البيئة القاسية المحيطة بهما، وكذلك كانت اللقطات متنوعةً ما بين الكادرات البانورامية الراصدة للعالم الذي تدور فيه الأحداث، وبين الكادرات القريبة التي أبرزت مشاعر الشخصيات المتضاربة دائمة التحول ما بين الأمل والخوف والحب واليأس.

تركيز على الأبطال
استطاع أسلوب التصوير أيضا أن يُوحد المشاهد مع البطلين منذ اللقطة الأولى، حيث بدأ الفيلم بتتبع مسار شخصية أليكس إلى داخل المطار، مستعرضًا الأجواء المحيطة من منظورها، ثم تكرر الأمر نفسه مع الظهور الأول لشخصية بن، وفي اللقطات التالية داخل المطار تم استخدام تأثير Out of Focus في الخلفية لتبقى الشخصيتان الرئيسيتان هما الأكثر وضوحًا، وكأنّ العالم لا يوجد فيه سواهما. بلغ الأمر روعته في مشهد السقوط الذي جاء شديد البساطة والعمق، حيث صوره المخرج كاملا من داخل مقصورة الطائرة، مستغنيًا عن استعراض حادث السقوط لمصلحة التركيز على مشاعر الشخصيات وانفعالاتهم، ومراحل تصاعدها ابتداءً من الترنح حتى التحطم التام.

تقييمات خجولة
حقق الفيلم إيرادات فى شباك التذاكر حول العالم وصلت إلى 46 مليون دولار أمريكى، كما وحصل على 42 في المائة في موقع Rotten Tomatoes، ويعتبر هذا التقييم من أقل التقييمات التي نالتها أفلام هاني أبو أسعد، فعلى سبيل المثال حصل فيلم Omar على تقييم 90 في المائة، فيما بلغ تقييم فيلم Paradise Now على الموقع نفسه 89 في المائة، مع الوضع في الاعتبار أن عدد المصوتين على بعض الأفلام متقاربا.
تجدر الإشارة إلى أن القائمين على العمل بدأوا بإنتاج فيلمThe Mountain Between Us في عام 2012، حيث أعلنوا أن الممثل الألماني البريطاني مايكل فاسبيندر والممثلة الأستراليّة مارجوت روبي سيلعبان دوري البطولة في الفيلم الجديد.
إلا أنّهما خرجا من فريق العمل في عام 2014 بعد أن حل مكانهما كل من الممثل البريطاني تشارلي هونام والممثلة البريطانيّة روزموند بيك.
هذا الحال لم يستمر طويلاً هو الآخر، وذلك بعد الاتفاق مع الممثل البريطاني إدريس إيلبا والممثلة البريطانية كيت وينسليت في عام 2016، حيث بدأ التّصوير الرسمي للفيلم في 5 ديسمبر من العام الماضي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون