طبيعة السلاح النووي في منظومة التوازن

تدرك إيران الميزة الردعية للسلاح النووي، حيث إنه يكسب مزايا عديدة واستقلالية في صنع القرار الخارجي، وكأنه نوع من النضج السياسي أو بطاقة الجلوس على طاولة الكبار، وبالتالي تصبح إيران لاعبا لا يمكن تجاوزه على المستوى الإقليمي، ولا يمكن إنكاره على المستوى الدولي، ويوفر ضمان البقاء الأساسي جنبا إلى جنب مع الخلايا المسلحة التي تدعمها إيران وتشكل فاعلين ما دون الدولة. وبالتالي فالقوة النووية، وهنا لا يقصد فقط القنبلة بل المعرفة والتطبيقات بحد ذاتها، ستجعل الدول الأخرى تفكر مرارا قبل مهاجمة دولة تمتلك أسلحة نووية، وقد يستند إطلاق الدولة برنامجا نوويا إلى عدة أسباب، من ضمنها:
• غياب ضمانات أمنية فعالة.
• الحاجة إلى تأكيد الهوية الوطنية.
• توفير خبرات ورؤوس أموال كبيرة.
• وجود تهديد أو إدراك وجود تهديد خطير.
• دور أكبر في المحيطين الإقليمي والدولي.
وعلاوة على الطبيعة الردعية للسلاح النووي فإن إيران تستخدم عددا من التكتيكات الأخرى، التي تسهم في دفع نفوذها في المنطقة.
ما المنظومات التي تساعد استراتيجيات إيران ورفع ثقلها في توازن المنطقة؟
تقوم إيران باستخدام وسائل تعزز من مكانتها في الإقليم وتزيد من نفوذها ويمكن سردها على شكل نقاط كالتالي:
تكتيك التكلفة القليلة والتأثير العالي: يظهر ذلك جليا في الاستفادة من التطويرات البسيطة على القوارب الصغيرة البسيطة التي تتميز بتكلفتها الزهيدة، وتقوم بضرب القوات البحرية لدول الخليج الأمر الذي يكلف الأخيرة مبالغ ضخمة في عمليات الإصلاح.
تكتيك منهجية المظلومية: حيث تقوم إيران والجماعات التابعة لها، بتكوين منهجية للحشد عبر مفهوم المظلومية، والشهداء، وتضخيم الحدث، وإنشاء المحتوى وزيادة التأثير ثم تضخيم الأثر الانعكاسي داخل الوعي المجتمعي بالثأر، وهو ما يمكن تسميته تكتيك منهجية المظلومية.
منهجيات التغيير الديموغرافي: ويمكن ضرب مثال لها على القوة الصلبة، والمثال الموجود في سورية والعراق، عبر القتل المباشر والتهديد بالقتل من أجل التهجير القسري وعمليات النزوح القسرية من قبل الميليشيات التابعة لإيران. والمثل الآخر على الوجه الناعم، وذلك بدعم الزيادة العددية للأسر الشيعية في دول الخليج، ويمكن ضرب مثال في البحرين وما حدث من تغير ديموغرافي ناتج عن الدعم والترويج للأسر والزيادة الطبيعية.
تكتيكات الاستدامة المالية: ويمكن الحديث عن "الخمس" وإدارته ضمن الخلايا والمجموعات خارج إطار الدولة، والتصرف في تلك الأموال بشكل مستمر يضمن نوعا من الاستقلالية.
الفاعلون من غير الحكومة: ويمكن ضرب مثال واضح عبر انخراط بعض الأحزاب التابعة لإيران مثل «حزب الله» في جزء من عمل سياسي وآخر مسلح، وآخر يتبع أو يمول الجرائم العابرة للحدود.
تكتيك الذهاب لأقصى مدى: وذلك عن طريق التوجه للدول البعيدة مثل دول أمريكا اللاتينية، واليابان، وكوريا الشمالية والجنوبية.
تكتيك هياكل الظل: وذلك عن طريق تكوين مجموعات غير حكومية وتدريبهم سياسيا وإعلاميا وخطابيا، وتكوين صفوف ثانية في الدولة ذاتها متخطية وكاسرة بذلك السيادة الوطنية والاستقلالية.

الموقف الأمريكي وأثره في التوازن الإقليمي
لا شك أن موقف الولايات المتحدة مهم جدا، حيث أشار الباحث مارك دوبويتز في مقاله الذي نُشر في موقع "فورين بوليسي" عن الإدارة الأمريكية السابقة، ويشير إلى الأحداث الغريبة المتعلقة بمسألة الأموال التي نُقلت إلى إيران في ذلك الوقت، حيث يتساءل الباحث:
هل تعمد البيت الأبيض تحويل عشرات المليارات من الدولارات إلى قوات الحرس الثوري الإيرانيّ و«حزب الله» في لبنان لتمويل الإرهاب في الشرق الأوسط؟
قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما السابق ووزير الخارجية جون كيري بتمويل مشهد الرعب السوري بشكل مباشر وكذلك الإرهابيين على قوائم المراقبة الأمريكية. ومنذ التوصُّل إلى اتفاق مع إيران، وخلال المفاوضات النووية رفضت الإدارة الأمريكية بشدة مخاوف الكونجرس بأن تخفيف العقوبات سيمول انتهاكات إيران في المنطقة. أما في عهد الرئيس ترمب فإن الوضع قد اختلف ولا سيما بعد التوافق بين الرياض وترمب تحديدا، ولذا يجب هنا التفرقة في النظر للولايات المتحدة حاليا بين مؤسساتها وتصريحات الرئيس الأمريكي، وبين كل ما يسمى السياسة الخارجية والسلوك السياسي. فقد اعتبرت الإدارة الأمريكية الحالية أن الإيرانيين ينتهكون "روح" الاتفاق الموقع عام 2015 لأن الاتفاق كان هدفه تشجيع الاستقرار والأمن في المنطقة. والانتقاد الأول يستهدف البرنامج الباليستي الإيراني غير المحظور بموجب اتفاق فيينا رغم أن القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي صادق بموجبه على الاتفاق، يطالب طهران بعدم تطوير صواريخ أعدت لتحمل رؤوسا نووية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي