ثروات أغنياء بريطانيا تنجو من تأثيرات «بريكست»

ثروات أغنياء بريطانيا تنجو من تأثيرات «بريكست»

نجحت بريطانيا في التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، يمكن بمقتضاه الانتقال إلى المرحلة التالية من محادثات الخروج من النادي الأوروبي، لكن هل يمكن الجزم بأن اللبنات الأولى لخروج بريطاني سلس من عضوية النادي الأوروبي قد تحققت، وهل يظهر نور في نهاية نفق المفاوضات الشائكة التي تواصلت لشهور بين الطرفين، بحيث يمكن الجزم بشكل قاطع بأن صفقة الخروج على أعتاب التحقق؟ أم أنه من المبكر إظهار تفاؤل بهذا الشأن، وأن المرحلة التالية قد تسفر عن نسف ما تحقق حتى الآن؟ والأهم هل فعلا ما تم التوصل إليه بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من نتائج يمثل "إهانة" للندن كما يقول بعض كبار ساسة اليمين البريطاني؟ أم أن رئيسة الوزراء تيريزا ماي أكثر مصداقية عندما وصفت ما حدث بأنه تنازلات متبادلة بين الجانبين؟
قبل التطرق إلى تفاصيل الاتفاق وما سيستتبعه من تحديات، فإنه بات في حكم المؤكد أن أغنى أغنياء بريطانيا وثرواتهم التي تقدر بمليارات لن تتأثر بالخروج من الاتحاد الأوروبي، سواء حدث ذلك عبر تخطيط دقيق من الحكومة البريطانية التي أخذت في الحسبان وضع أصحاب الملايين والمليارات خلال التفاوض مع خصومها في الاتحاد الأوروبي، أو أن ذلك وقع من قبيل الصدفة المحضة، فإن أصحاب المليارات سيواصلون جني الأموال، وأن مخاوفهم من تداعيات سلبية على ثرواتهم نتيجة الخروج من النادي الأوروبي قد ذهبت أدراج الرياح.
ويقول لـ "الاقتصادية"، إيان جورج المحلل المالي في بورصة لندن، "إن التحسن الذي تشهده الأسهم في بورصة لندن، أسهم في ضمان وضع إيجابي لأغنى أغنياء المجتمع البريطاني، خاصة أن جزءا كبيرا من هؤلاء الأثرياء من أنصار الخروج من عضوية النادي الأوروبي".
لكن بعيدا عن أرباح الأثرياء التي لم تتضرر، فإن السؤال عن جردة الحساب الأولية للاتفاق المبرم وهل تصب في مصلحة بريطانيا أم خصومها يعد سؤال الساعة بلا منازع.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور فال فوكس أستاذ الاقتصاد البريطاني معتقدا أن تقييم الاتفاق الأخير يتطلب معرفة مجموعة من الحقائق ثم تقييمها كل واحدة منها على حدة.
ويضيف قائلا "النقطة الأولى والمثيرة للجدل هي قيمة المبلغ الذي ستدفعه بريطانيا للخروج من الاتحاد، فالحكومة تقول إنه سيراوح بين 35 و39 مليار جنيه استرليني، وهذا المبلغ أقل مما كان بعض قادة الاتحاد الأوروبي يطالبون به وهو 60 مليار استرليني، بل وأقل من بعض التصريحات الإعلامية لمسؤولين في الحكومة البريطانية بأنهم على استعداد لدفع 49 مليار استرليني تعويضا للطلاق من الاتحاد الأوروبي".
ويشير فوكس إلى أن الجانب الثاني الإيجابي في الاتفاق هو أن "مواطني الطرفين لن يتأثروا بالانفصال، فحقوق مواطني المملكة المتحدة الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي ستبقى كما هي، كما أن الإجراءات الإدارية الخاصة بالأطراف المعنية ستكون رخيصة وبسيطة، كما أن الاتفاق سيضمن حقوق ثلاثة ملايين مواطن من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة، وهي حقوق منصوص عليها في قانون المملكة المتحدة ومطبقة من قبل القضاء البريطاني".
ويستدرك قائلا "لكن القضية الخلافية الكبرى وهي الحدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، فإنه تم الاتفاق عليها بشكل عام والتفاصيل تبدو مربكة وغامضة، لكن يمكن القول إن المرحلة الأولى كللت بالنجاح رغم ما تضمنته من بعض جوانب النقص، ومهدت الطريق للمرحلة الثانية من المفاوضات، وهي أكثر تعقيدا وستتضمن نقاشات تفصيلية للغاية بشأن التجارة بين الطرفين، وهناك اختلافات كبيرة في رؤية لندن وبروكسل بهذا الشأن، ويحق للطرفين أن يبتسما، لكن لا يحق لهما أن يفرحا بعد".
لكن تلك النظرة التي تحمل كثيرا من الإيجابية بشأن الاتفاق المبرم، أوجدت حالة من الانقسام بين اليمين البريطاني، فبينما دافعت حكومة حزب المحافظين وهي حكومة يمينية عن التوجه بالاتفاق، فإن بعض كبار قادة اليمين البريطاني الذين قاموا بدور رئيسي في إقناع الناخب البريطاني بالتصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، أظهروا امتعاضهم من الاتفاق، واعتبروه مهينا ويمثل تنازلا لمصلحة التكتل.
وتؤكد لـ "الاقتصادية"، سو فيبراين من حزب الاستقلال البريطاني وأحد المعارضين للاتفاق، أنه "لم يتحقق إلا الخذلان، فقد دفعنا مبلغا ماليا كبيرا للغاية للاتحاد الأوروبي بلا مبرر، ولا يمكن القول إنه اتفاق. إنه استسلام للاتحاد الأوروبي، وسمحنا للمحاكم الأجنبية وأعني القضاء الأوروبي بأن يكون له تأثير فينا، وسنخضع في كثير من الأحيان للإجراءات التنظيمية الأوروبية، وهذا يجعل صناعتنا وقدرتنا التجارية غير قادرة على المنافسة، وكل هذا مقابل لا شيء باستثناء وعود بأن يجري معنا الأوروبيون مفاوضات تجارية لن تقود بالضرورة إلى نتيجة ملموسة".
إلا أن هذا الاتجاه يبدو من نظر عدد كبير من المصرفيين ورجال الأعمال مفرطا في تشدده في التعامل مع واقع التوازنات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، فيكتور دين الاستشاري في اتحاد المصارف البريطانية "في الوقت الحالي وبعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، تبدو الأعصاب أكثر استرخاء لدى كبار المصرفيين البريطانيين، فالمخاوف التي انتابت الكثير منهم بأن يسفر الفشل في التوصل إلى اتفاق عن طلاق عنيف بين الطرفين، وما سيليه من تحديات كبيرة خاصة للقطاع المصرفي البريطاني، وبما يهدد مركز لندن المالي لمصلحة بروز مراكز مالية أوروبية في ألمانيا وإسبانيا، يبدو مستبعدا في الوقت الحاضر".
ويضيف فيكتور دين "لكن علينا أن نتذكر نحن حاليا في المرحلة الأولى، والفشل في التوصل إلى اتفاق تجاري ربما يعيد بشكل أو بآخر التهديدات مجددا لمركز لندن المالي على مستوى القارة الأوروبية والعالم".
ومع هذا، فقد أعرب الرئيس التنفيذي لخامس أكبر المصارف البريطانية بنك "ستاندرد تشارترد" في حديث لوسائل الاعلام البريطانية، عن قلقه من أن يفشل الاتفاق في وضع حد لتراجع جاذبية العاصمة البريطانية في جذب الكفاءات الدولية المطلوبة للعمل في النظام المصرفي، معربا عن يقينه بأن عددا من المصارف التعاونية سيغادر بريطانيا لتعيد تموضعها في الأسواق الأوروبية مستقبلا.
لكن أيا كانت الملاحظات السلبية على الاتفاق البريطاني الأوروبي الراهن الذي سمح بالانتقال إلى المرحلة الثانية من المفاوضات، فإن رئيسة الوزراء تريزا ماي يمكنها أن تلتقط بعض الأنفاس بعد الضغط المكثف الذي تعرضت له، حتى من قبل وزراء في حكومتها قاموا بدور رئيسي لإقناع الناخب البريطاني بالتصويت في استفتاء عام 2016 لمصلحة الخروج الأوروبي، إذ أشاد هؤلاء الوزراء وفي مقدمتهم وزير الخارجية بوريس جونسون أحد أبرز قادة التيار الرافض لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بما توصلت إليه رئيسة الوزراء من اتفاق مع الأوروبيين.
وفي السياق ذاته، أكد ديفيد ديفيز وزير شؤون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي أمس أن بلاده لن تسدد للاتحاد فاتورة "بريكست" إذا تعذر إبرام اتفاق تجاري مع بروكسل، مضيفا أن "لندن تهدف إلى إبرام اتفاقية شاملة للتجارة الحرة مع بروكسل، وتريد توقيعها بعد وقت قصير من مغادرتها التكتل في 2019".
وبحسب "رويترز"، فقد وصف ديفيز تعهد الدولة بمنع أي عودة لترتيبات حدودية صارمة مع إيرلندا بعد أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأنه "إعلان نوايا" وليس خطوة ملزمة قانونيا.
وأبرمت بريطانيا اتفاقا أوليا لنقل محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى مرحلة ثانية الأسبوع الماضي بموافقتها على شروط بشأن الأموال التي يتعين عليها سدادها للخروج من الاتحاد وعلى حقوق المواطنين والمسألة الشائكة المتعلقة بالحدود بين إيرلندا الشمالية مع إيرلندا.
من ناحية أخرى، قال جيمس بروكنشاير الوزير المختص بشؤون إيرلندا الشمالية أمس "إن أمام بريطانيا خيارين لتأمين حدود دون احتكاكات مع إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي هما شراكة جديدة في الجمارك أو اتباع نهج مبسط للغاية للتعامل مع الجمارك".
وأضاف بروكنشاير لشبكة تلفزيون سكاي نيوز "عرضنا اقتراحين فيما يتعلق بكيفية تعاملنا مع مسألة التعريفات الجمركية وكيفية تعاملنا مع تلك العناصر المتعلقة بالجمارك سواء أن تكون شراكة جمركية جديدة حيث نطبق فعليا نظاما جمركيا مماثلا لما يطبقه الاتحاد الأوروبي حاليا على البضائع التي تدخل أراضيه أو أن يكون أسلوبا مبسطا للغاية يشمل إعفاءات فعلية تطبق على الشركات الصغيرة".

الأكثر قراءة