Author

رأس المال .. والمجازفة

|
أستاذ جامعي ـ السويد

هناك مقولة شائعة ترِد كثيرا عند الكتابة حول الاستثمار وريادة الأعمال، مفادها بأن "رأس المال جبان". وقد اقتبس العرب المقولة هذه من الإنكليزية حيث ترد Capital is a coward. ويقال إن عمر هذه المقولة لا يتجاوز قرنا ونيفا. ربما كان للمقولة بعض الوقع في زمانها. أما اليوم فأغلب الاستثمار فيه شيء من المجازفة؛ لأن العالم الذي نعيشه فيه كثير من المخاطر، وأغلب شعوبه ودوله تفتقر إلى الاستقرار. وفي الغرب أو ربما أي مكان آخر، تحث بعض المصارف وبيوت الصيرفة والاستثمار أصحاب رؤوس الأموال على المجازفة والدخول في أسواق وصناعات واقتصادات فيها بعض أو كثير من الخطورة والمجازفة. وهناك تصاميم ونماذج خاصة جرت أخيرا برمجتها من خلال الحاسوب تقدر أو تخمن للمستثمر عامل المجازفة والخطورة، ومعها ما قد يحصل عليه من أرباح، أو ما قد يواجهه من مأزق وخسارة. وبصورة عامة، تستند هذه التصاميم إلى نظرية مفادها بأنه كلما زاد عامل الخطورة، زادت إمكانية الربح أو الخسارة؛ وكلما قل أو اضمحل عامل الخطورة، قل الربح واضمحلت إمكانية الربح والخسارة. وهناك أناس، بطبيعة الحال، يهربون من المجازفة ولا يقحمون أنفسهم في أي نسبة من عامل الخطورة. هؤلاء، رغم حبهم المال، إلا أن الخوف أو الجبن يجعلهم يقنعون ويرضون بفتات من الربح، أو أحيانا فقط الحفاظ على ما لديهم من مال دون زيادة أو نقصان، من خلال استثمارات يكون عامل الخطورة فيها صفرا. والعملة بصورة عامة عرضة للتقلبات، وأكثر الخاسرين من أصحاب الأموال في الغالب هم الذين يكنزون الثروة من خلال تكديس الأرصدة في المصارف. وتعد أسعار العقارات أفضل مثال للخسارة التي قد تنتاب أصحاب الأرصدة، أو الناس الذين يخشون الدخول في أي استثمار مهما كان عامل المجازفة والخطورة فيه متدنيا. في عام 2004، اشترى زميل لي في الجامعة بيتا بنحو 100 ألف دولار، دفع 25 ألفا منها من حسابه الخاص، والباقي حصل عليه من خلال قرض مصرفي. اليوم بيته يساوي أكثر من مليون دولار. لماذا تقاعس الآخرون عن مجاراته، بينما كان بإمكانهم فعل ذلك؟ السبب لأنهم كانوا يخشون على أرصدتهم في المصرف، وكذلك يخشون أنه قد لا يمكنهم التعامل مع تبعات الرهن من أقساط وفوائد. لو كان زميلي أبقى رصيده في المصرف خشية عليه، لربما ما كان بإمكانه اليوم شراء سيارة مستعملة. ومن ثم، المصارف لم تعد تدفع فوائد عن الأرصدة في السويد في السنوات الأخيرة؛ لأن البنك المركزي خفض معدل الفائدة الرئيسة سلبيا إلى ناقص صفر. والأنكى، هناك تقارير أن المصارف السويدية قد تبدأ باستقطاع نسبة مئوية من الودائع التي لديها كعمولة للحفاظ عليها إن لم يرفع البنك المركزي سعر الفائدة إلى معدلات إيجابية. صفقة شراء كالتي عقدها زميلي في الجامعة في استثماره العقاري، رغم أن زملاء له رأوا فيها مجازفة، وسياسات مثل التي ينتهجها البنك المركزي السويدي قد حولت أغلب الناس في هذا البلد إلى مجازفين ومقامرين. وصار السويديون مثلا من أكثر الناس مجازفة في عقد الصفقات والولوج في استثمارات يكون عامل المجازفة فيها عاليا. ولا غرو أن ترى السويديين وهم يتهافتون على الدخول من أوسع الأبواب في عالم العملة الافتراضية مثل "بيتكوين". وهناك تقارير تقول إن السويد من أكثر دول العالم استثمارا في العملة الرقمية هذه رغم عامل الخطورة والمجازفة الكبيرة الذي ينتابها. ولكن إن علمنا أن أسعار عملة "بيتكوين" قفزت أخيرا إلى أرقام قياسية؛ حيث كادت تخترق حاجز 11 ألف دولار؛ أي أن سعرها زاد أكثر من عشرة أضعاف قيمتها هذا العام، صار جليا مقدار السعادة التي يشعر بها السويديون المجازفون أحفاد الفايكنج الغزاة المغامرين. وعملة "بيتكوين" وما أدراك ما عملة "بتكوين". ولخطورتها وأهميتها في آن واحد، أعد قرائي الكرام بالعودة إليها في الأسبوع القادم، بعون الله.

إنشرها