حمى «بيتكوين»

تستمر حمى الـ"بيتكوين" في التفاقم مع تسجيلها أسعارا عليا جديدة يوما بعد يوم. فحتى كتابة هذا المقال، كان أعلى سعر سجلته العملة الرقمية مقابل الدولار هو 12.810 لكل بيتكوين، ومن المحتمل أن يكسر الـ"بيتكوين" هذا السعر مع نشر المقال. فالسرعة التي يتبعها مسار سعر الـ"بيتكوين" منذ تخطيه حاجز ثمانية آلاف دولار لم تكن متوقعة ولا حتى لأكثر المتحمسين للعملة الرقمية المشفرة، الذين تكهنوا بوصولها إلى عتبات عشرة آلاف دولار بنهاية العام الجاري. هذه الارتفاعات لن تنهي الجدل القائم حول ما إذا كانت فقاعة أم لا، ولا الجدل بين المتحمسين لها والمحذرين منها، بل إنها تعمل على تعميق الانقسام حول الـ"بيتكوين". الشيء الوحيد المؤكد هو أن الجميع بات يتحدث عن الـ"بيتكوين"، من "وول ستريت" إلى سائق التاكسي. الارتفاعات الأخيرة تعود في الأساس إلى قرب بدء تداول الـ"بيتكوين" في عدد من البورصات العالمية، في أمريكا واليابان، وهو أمر متوقع الحدوث، فمتى ما فُتح المجال أمام مزيد من الناس للاشتراك في اقتصادات العملة المشفرة، زاد الطلب عليها. ونظرا لأن العملات الرقمية بقيت حتى اليوم خارج الأسواق العالمية، فإنها رغم وصول قيمتها السوقية إلى ما يفوق 200 مليار دولار، فإن سوقها ليست ذات عمق. بمعنى أن لكميات التداول المحدودة أثرا أساسيا في التحركات السعرية العنيفة للعملة، ولكن بعد بدء التعامل بالعقود الآجلة للـ"بيتكوين" في البورصات العالمية، وبعد استيعاب الداخلين الجدد إلى سوقها، فإن آليات البورصات من مشتقات مالية وبيع على المكشوف ستسهم في زيادة حجم التداول بشكل يحد من التقلبات السعرية الحادة التي يحبها المضاربون. السؤال هو: هل تمر الـ"بيتكوين" بطور الفقاعة؟ أعتقد ذلك، ولكن هذا لا يعني أنها ستنفجر قريبا مهما كانت حدة هذه الفقاعة. فالأسواق يمكنها البقاء غير منطقية مدة طويلة قبل أن تعود السيولة إلى الخضوع للمنطق. وذلك يعني أن العملة المشفرة يمكن أن تتضاعف مرة أو مرتين في العام المقبل، ولكن ذلك لن يعني أن الأسعار ستعبر عن القيمة الحقيقية للعملة. الأمر الذي يؤكد وجود الفقاعة هو أن العملة الرقمية بدأت تحيد عن الهدف الأساس الذي صُممت لأجله، وهو أن تكون وسيلة للتبادل ونقل القيمة. فعدد العمليات المنفذة على الـ"بيتكوين" مستقر منذ بداية العام بغض النظر عن سعرها. إضافة إلى ذلك، فإن تكلفة كل عملية ما زالت آخذة في الارتفاع. من زاوية أخرى، فإن العملات الرقمية المشفرة تعتمد على رواجها بين المتحمسين لها والمضاربين فيها، ولا توجد لديها أساسيات اقتصادية أخرى تعتمد عليها للتبادل التجاري كسلع مقومة بهذه العملات، إلا إذا تم أخذ الاقتصاد الأسود في الاعتبار. كما لا يمكن اعتبارها كفئة من الأصول المستقلة؛ لأنها لا تولد عوائد، بغض النظر عن التعريف القانوني لهذه العملات، وبالتالي لا يمكن تقييمها على هذا الأساس. ولذلك فإن الأسلوب الأمثل لتقييم الـ"بيتكوين" يجب أن يكون مضاربيا في المقام الأول، وأن يأخذ في الاعتبار أن هذا التقييم ليس تسعيرا حقيقيا، إنما هو محاولة لقراءة مدى عدم منطقية السوق فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي