أسواق الأصول .. رهان على مستقبل محفوف بالمخاطر

أسواق الأصول .. رهان على مستقبل محفوف بالمخاطر

إن ذهبتَ إلى معرض بورتلاند اليوم، لا تهتم بأخذ محفظتك معك. المعرض الموجود في لندن على وشك عرض لوحات ساحرة تماما للرسام الموهوب، جاري بانت، ولن يسمح لك بشراء أي منها. حتى وإن كنت أول الواصلين إلى هناك.
لماذا؟ لأن بانت يحظى بشعبية كبيرة إلى درجة الهوس بحيث إن شراء إحدى لوحاته يلزم منك أولا إقناع المعرض بإدراج اسمك ضمن "قائمة المعاينة المسبقة" لأعمال هذا الفنان. هذا الامتياز يُمنح فقط إلى "نسبة ضئيلة" من الأشخاص الذين يعربون عن اهتمامهم بشراء اللوحات. لكن إدراج اسمك ضمن القائمة لا يمنحك في الواقع الحق في شراء أي من اللوحات. كل ما في الأمر أنه يسمح لك بإعلام المعرض عن اللوحات التي تروق لك. ومن ثم تدخل في عملية اقتراع لاختيار أي منها.
إن فاز اسمك، يُسمح لك بدخول المعرض، واستعراض اللوحة وشرائها. هذه العملية ستكلفك مبلغا يراوح بين ثلاثة آلاف و23 ألف جنيه استرليني. (هناك 75 لوحة، لذلك سيحظى بانت بعيد ميلاد سعيد جدا).
إذن، هذه هي العملية. مراهنة على لوحة للفنان بانت. هي مضاربة، وتسير وفق حصص. وهي أمر أكثر شعبية مما يمكن أن يتوقعه أي أحد بشكل معقول، نظرا لحالة الغموض المتعلقة بقيمتها طويلة الأجل. (لم يسبق أن سمعتُ قط بمثل هذا النوع من نظام الفن بالاقتراع). ولشراء اللوحة، يتعين عليك أن تسير وفق سلسلة من المراحل التي إلى حد ما تتطلب حذقا ومهارة. حين تجمع كل شيء سوف تحصل على ما يمكن أن يكون الرمز المثالي للعصر الاستثماري الذي نعيش فيه. ربما العملة المشفرة لعالم الفن.
أصبحت أسواق عام 2017 أماكن غريبة. الآن من المعقول تماما الاستثمار في أصول لا تبشر بتحقيق أي عائدات الآن بل تمنحك فرصة الحصول على عائدات ضخمة في المستقبل. ليس من المعقول بصفة خاصة أن ندفع أسعارا عالية للغاية لنيل تلك الفرصة – علينا ألا ننسى أن المستقبل مكان محفوف بالمخاطر. لكن انظر إلى الأسعار التي يدفعها الناس اليوم وسيبدو الأمر أن ليس كل شخص يوافق على أن المستقبل مكان محفوف بالمخاطر. على العكس تماما من ذلك.
لدفع الأسعار التي يدفعها المستثمرون مقابل أسهم كثير من شركات التكنولوجيا، يجب عليهم أن يأخذوا في الحسبان أن الأرباح التي سيحصلون عليها بعد عشر سنوات، أو 15، أو 20 سنة ليست أمرا متوقعا، بل هي مؤكدة بلا أدنى شك. حين يتدافعون من أجل شراء أصول رقمية من الواضح أن أسعارها في حالة تضخم جامح، لا بد أنهم يفترضون أن الطلب على تلك العملات سيستمر في التزايد وبشكل سريع جدا، وأن العرض لن يسير بالوتيرة نفسها. وحين يسيرون في المتاهة غير المنطقية المتمثلة في الاقتراع من أجل شراء لوحة، لا بد أنهم سمحوا لأنفسهم بالاقتناع بأن قيمتها طويلة الأجل ليست موضع شك. وحين يقتتلون من أجل الحصول على سندات ستتسبب في خسارتهم للأموال النقدية بالقيمة الحقيقية في كل عام، لا بد أنهم يصدِّقون أن مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة أمر لا يكاد يذكر - أو أن المخاطر السياسية لم يعد لها وجود.
هذا الشهر أصدرت مجموعة المياه "فيوليا" سندات بقيمة 500 مليون جنيه بعائدات سلبية نسبتها 0.026 في المائة. من الناحية العملية هذا يعني أنه يتعين عليك أن تدفع المال مقابل اقتناء تلك السندات. وكانت نسبة الاكتتاب أعلى بأربع مرات. ربما هي أقل شعبية من إحدى لوحات بانت، لكن معرض ذلك الفنان لا يرغمك على الأقل على مواجهة أية خسائر نقدية ربما تتعرض لها مباشرة بعد إبرام الصفقة. يمكن أن ترى وجود ديناميكية مماثلة في الحقيقة التي مفادها أن جامعة أكسفورد على وشك إطلاق سندات لأجل 100 عام، وأن شركة أنجليان للمياه استطاعت إصدار "سندات خضراء" لأجل ثماني سنوات في المملكة المتحدة في آب (أغسطس) بسعر فائدة 1.625 في المائة (مؤشر الأسعار الاستهلاكية في المملكة المتحدة 3 في المائة).
السؤال هو ما إذا كنا نقلل من أهمية المخاطر الكامنة في المستقبل من خلال الأسعار التي ندفعها ثمنا لكل تلك الأصول. على الأرجح نحن كذلك. إليكم قائمة قصيرة ببعض الأمور التي تسبب القلق. بالنسبة لشركات التكنولوجيا هناك منافسة، وهناك تشديد في القوانين التنظيمية، وهناك حالة الكره المعهود للاحتكارات من قبل الدول، وهناك التهديد بإقرار نظم ضريبية جديدة سيئة.
بالنسبة للـ"بيتكوين"، هناك التنظيم والثقة. في مقابل جميع أنواع الفنون، هناك درس نتعلمه من التاريخ: القيمة مسألة متعلقة بالذوق والموضة، وكلاهما متقلبان. وفي مقابل كل نوع من السندات ذات العائدات الحقيقية السلبية هناك التضخم وحقيقة أن دورة الأسعار آخذة في التحول بشكل مؤكد. وكما يذكر المحللون في "جافيكال"، معظم مؤشرات التضخم الآن آخذة في الارتفاع وليس في الهبوط - وكل شيء، بدءا من أسعار النفط والنحاس إلى الشحن "يسير في الاتجاه الصعودي". وهذا يعني أن هناك مخاطر أكبر تتعلق بأسعار الفائدة تفوق ما يمكن أن يشير إليه المشهد الغريب لأربعة من المستثمرين وهم يقتتلون على كل سند مقوم باليورو ويعطي عائدات سلبية من شركة، هي "فيوليا"، ذات التقييم الائتماني BBB. في مرحلة ما، سيرى مستثمرو اليوم كل هذه الأمور بغتة. لن تكون النهاية جيدة - لأنها لا تفعل ذلك أبدا.
البشرى السارة هنا هي أنه من خلال المسارعة إلى شراء الأصول التي يمكن ألا تكسب المال في المستقبل، كان المستثمرون إلى حد ما يتجاهلون بعض الأصول التي ثبتت قيمتها أمامهم. تقول لوكا باوليني، من شركة بيكتِت لإدارة الأصول، إن بريطانيا هي أرخص سوق للأسهم موجودة في البدان المتقدمة، ولديها أيضا أرخص عملة، وهي بالتأكيد ليست محبوبة من قبل المستثمرين. لعلهم حين لا يرون مخاطر تذكر في المستقبل بالنسبة لشركات التكنولوجيا والتضخم، فإنهم يرون أيضا أمورا فوق الحد في "خروج بريطانيا" وإمكانية أن تكون هناك حكومة برئاسة جيرمي كوربين؟
في الحالتين لعل من الأجدى بالنسبة لأي شخص يقتني بضعة "قطع" من البتكوين، من الذين لا يعتزمون إنفاقها مباشرة، أن يبادلها بأموال حقيقية ويحولها إلى صندوق متنوع للأسهم في بريطانيا. تستطيع بطبيعة الحال أن تتوسل من أجل أن تُدرَج في قائمة لأحد الرهانات لشراء إحدى لوحات بانت. لكن تذكر فقط أنه مهما كان الفن جميلا ومهما كان جمال الشعور بأن يكون اسمك على القائمة، من الصعب مواصلة الطلب المحموم. معرض بورتلاند يبيع أيضا لوحات للفنان فيتريانو. وإذا قررتَ فعلا إحضار محفظتك إلى المعرض فإنك تستطيع بالتأكيد شراء واحدة من تلك اللوحات: هناك تسع لوحات معروضة للبيع – ومجموعة أخرى في الطريق إلى المزاد التالي الذي تنظمه شركة ليون آند تيرنبول في أدنبره إذا لم تعجبك اللوحات المعروضة.

الأكثر قراءة