السياسة النقدية تتصدر الاهتمامات قبل هبوط الأسواق السنوي

السياسة النقدية تتصدر الاهتمامات قبل هبوط الأسواق السنوي

الشهر الأخير من العام يومئ للمستثمرين الذين شهدوا كثيرا من الأسواق وهي تسجل أداء يجلب الدوار. المستثمرون الذين ينظرون بِعَين إلى عام 2018، لا يزال عليهم التعامل مع سلسلة من الأحداث قبل أن تعاني أحجام التداول هبوطها المعهود مع وصول موسم العطلات.
ويأتي الاحتياطي الفيدرالي ومنحنى العوائد بين الأمور التي ستحظى بمراقبة المستثمرين خلال الأسابيع الأخيرة من عام 2017. ويتوقع على نطاق واسع أن يرفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية حين يجتمع في 13 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، لكن سيكون المستثمرون تواقين لرؤية إلى مدى يعتزم البنك تشديد السياسة النقدية أكثر في عام 2018. ومن الممكن أن تحدد التوقعات النغمة بالنسبة للأسواق العالمية خلال الفترة الممتدة إلى نهاية العام.
توقعات الاحتياطي الفيدرالي في أيلول (سبتمبر) أشارت إلى أن معظم صناع السياسة يتوقعون أن يعملوا على رفع أسعار الفائدة ثلاث مرات أخرى في عام 2018، لكن العقود الآجلة للأموال الفيدرالية (التي تودعها المصارف لدى البنك المركزي) تشير إلى أن المستثمرين يعتقدون أن هناك فرصة تقل عن 20 في المائة لحدوث ذلك. ويعتقد بعض الاقتصاديين أن هذا الرقم يدل على تهاون كبير فوق الحد – جون نورماند، من جيه بي مورجان، يعتقد أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يرفع تكاليف الاقتراض لليلة واحدة أربع مرات في 2018 – وإذا كرر الإعلان عن خططه فإن رد فعل الأسواق يمكن أن يكون ضعيفا.
أحد المؤشرات التي ينبغي مراقبتها من أجل استكناه أفكار المستثمرين بشأن خطط الاحتياطي الفيدرالي – وما إذا كانت فكرة جيدة – هو "منحنى العوائد"، أي المنحنى الذي تشكله العوائد على سندات الخزانة لتواريخ استحقاق مختلفة. كان المنحنى في حالة استواء حاد هذا العام ـ علامة على توقعات السوق بآفاق أضعف للاقتصاد وتضخم ضعيف. ويظل العائد على السندات لأجل عشر سنوات عند النقطة التي بدأ بها العام الحالي؛ في حدود 2.40 في المائة.
الموافقة على مشروع الجمهوريين للتخفيضات الضريبية مهمة بالنسبة لأسواق السندات والأسهم. ورغم أن كثيرا من المستثمرين يشعرون بالتشكك من قدرة هذه التخفيضات على فعل أي شيء لتعزيز النمو كما يُفهم من العائد الحالي على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات، إلا أن من شأن التخفيضات الضريبية أن تعزز أرباح الشركات التي هي أصلا في وضع جيد، وتعطي الأسهم دَفعة أخرى أثناء دخولها في عام 2018.
أمر آخر يلقى الاهتمام، هو تقليص الرفع المالي في الصين والتشديد من الأجهزة التنظيمية في البلاد. وكان تشديد الصين قبضتها على النمو السريع للديون وإصلاحاتها في قطاع مصرفية الظل قد أثارتا تقلبات في أسواق الأسهم الصينية، ما أدى إلى هبوط مؤشر سي إس آي 300 للأسهم المدرجة في البر الصيني أكثر من 5 في المائة منذ 22 تشرين الثاني (نوفمبر).
ويلاحظ مستثمرون إن الإصلاحات ظلت مخمية بثقلها على الأسواق خلال كانون الأول (ديسمبر).
يقول نيكولاس تشوي، من "أبردين إنترناشونال فند مانيجرز": "إضافة إلى تقليص الرفع المالي نشهد الآن بعض الإصلاحات على منتجات إدارة الثروات في نقطة عالية من الأسواق. بالتالي هذه التقلبات ستستمر خلال كانون الأول (ديسمبر)، لأن الإصلاحات تحتاج إلى وقت".
الخطط الحكومية الرامية إلى تعزيز سوق الإيجارات، واقتران ذلك بفائض في عرض المساكن، تهدد بإلقاء ثقلها على الطلب على المعادن، ويمكن أن تؤذي أسواق السلع الأساسية والأرباح بالنسبة لشركات التعدين العالمية في السنة المقبلة. ويقول المحللون لدى "كريدي سويس" إن الاتجاه العام للصين يشير إلى أن "النحاس قطع شوطا فوق الحد على المدى القصير" ومن المرجح أن يتباطأ الزخم.
تشديد القبضة على الإفراط في الاقتراض، وتنظيم منتجات إدارة الثروات، وكثير منها يستثمر في الدخل الثابت، دفع بالمنحنى على عوائد السندات الحكومية الصينية لأجل عشر سنوات نحو 4 في المائة.
يقول مانو جورج، وهو مدير صناديق السندات لدى شرودرز، إن المنحنى الحالي جذاب لكنه لا يستبق "اندفاعا قويا" خلال فترة قريبة، وذكر أن المشاركين في الأسواق سيتخذون موقفا حذرا من أية إجراءات تشديد أخرى يمكن إدخالها من قبل بنك الشعب الصيني.
بريطانيا، استعاد الاسترليني مستوى 1.35 دولار للمرة الأولى منذ شهرين، وارتفعت العوائد على السندات الحكومية البريطانية في أعقاب تقارير عن تقدم في المحادثات حول فاتورة انفصال بريطانيا عن أوروبا. الجنيه القوي ألقى بثقله على الشركات البريطانية الكبيرة التي تعتمد على الإيرادات من البلدان الأجنبية، وأقفل مؤشر فايننشال تايمز 100 شهر تشرين الثاني (نوفمبر) على هبوط نسبته 2.2 في المائة.
ويتوقع محللون الآن اتفاقية انتقالية، يمكن أن تزود الشركات بمزيد من اليقين، وتقلص مخاطر انتخابات مبكرة، وتعطي بنك إنجلترا مسارا أوضح بشأن دورة أسعار الفائدة. السندات الحكومية البريطانية لأجل سنتين، الحساسة لأسعار الفائدة، صامدة فوق مستوى سعر الفائدة الأساسي البالغ 0.5 في المائة، في الوقت الذي تعمل فيه توقعات السوق بحدوث انتعاش في الاقتصاد على تمهيد الطريق أمام نغمة أكثر حزما من البنك المركزي. بدوره هذا يعطي مزيدا من التأييد للجنيه، حيث يعتبر سعر 1.36 دولار هدفا معقولا، وتراجع اليورو إلى ما دون 88 بنسا. ولأن موضوع الحدود مع إيرلندا لا يزال عالقا، ربما يبدأ المستثمرون في التساؤل عما إذا كانت فاتورة الانفصال هي الجزء السهل. والأسبوعان المقبلان سيوضحان بالضبط مدى ارتباط وضع الجنيه بالأخبار حول الخروج من الاتحاد الأوروبي – إذا سارت المفاوضات بشكل سلس، فمن الممكن أن يرتفع الجنيه. لكن انهيار المحادثات سيدفع به مرة أخرى باتجاه 1.30 دولار.
على صعيد الأسواق الناشئة شهد عام 2017 وضعا قويا لأسعار الأصول التي استندت إلى انتعاش التجارة العالمية، وتحسن الأساسيات، وتراجع الدولار. لكن هذا يواجه الآن خطر التفكك عند هذه المرحلة المتأخرة. ولا بد للمستثمرين من أن يفكروا في عواقب زيادة أخرى على أسعار الفائدة الأمريكية، والانتقال الاقتصادي في الصين، والنتائج المترتبة على اجتماع أوبك الخاص بالحد من الإنتاج خلال كامل عام 2018، ومشاعر القلق الأوسع في السوق.
وتتجه أنظار المحللين إلى تطبيع أسعار الفائدة في 2018 الذي سيقلص من السيولة العالمية. ويتوقع مصرف نومورا "المزيد من تقلبات السوق" ويرى أنه يجدر بالمستثمرين تقليص تعاملاتهم في الأجزاء ذات المخاطر الأعلى في الأسواق الناشئة. هذا من شأنه أن يعني مزيدا من المشاكل بالنسبة للبلدان المتباطئة في الأسواق الناشئة، خصوصا تركيا وجنوب إفريقيا. هناك اختبار مهم بالنسبة لتركيا، وهو ما إذا كان البنك المركزي التركي سيقرر في 14 من الشهر الجاري تأكيد استقلاله ويرفع أسعار الفائدة، ويقف في وجه معارضة رجب طيب إردوغان القوية لهذه الفكرة. ورغم أن هناك علامات تدل على أن الرئيس يرغب الآن في الإذعان، إلا أن المستثمرين يظلون متشككين، ما يضع المزيد من الضغط النزولي على الليرة التركية.
في الجانب الأوروبي ستكون أنظار أسواق السندات متركزة على تقليص الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي. ويعد كانون الأول (ديسمبر) الشهر الأخير الذي يشتري فيه البنك المركزي الأوروبي ما قيمته 60 مليار يورو من السندات ـ اعتبارا من كانون الثاني (يناير) تنخفض المشتريات بمقدار النصف.
وتراجعت العوائد واندفعت الأسعار هذا الخريف بعد أن أعلن البنك أنه سيمدد برنامجه للتسهيل الكمي حتى أيلول (سبتمبر) 2018، لكن في الفترة الأخيرة عكست الأسواق هذا النمط.
وعلى الرغم من ذلك، تخشى البنوك المركزية أن التحول نحو تطبيع السياسة النقدية لم يتم احتسابه تماما في الأسعار من قبل المستثمرين. وقد حذر المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي من "مخاطر إعادة التسعير السريع في الأسواق العالمية".

الأكثر قراءة