Author

هل ضريبة القيمة المضافة تخفض الأسعار أم تزيدها؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

لنبدأ بتوضيح عملية الفرض أو الاحتساب. تتم في كل مرحلة من مراحل سلسلة التزويد أو الإمداد بالسلعة أو الخدمة، ابتداء من الاستيراد أو الإنتاج ومرورا بالتوزيع حتى مرحلة البيع النهائي للسلعة أو الخدمة. وطبعا لا تفرض تراكميا، بل تدفع عن كل مرحلة بما يخصها وحسب الإضافة في تلك المرحلة. وهنا مثال مبسط:
اشترى تاجر تجزئة من تاجر جملة سلعة سعرها بالجملة قبل احتساب الضريبة 100 ريال؛ أي أن على تاجر التجزئة دفع 105 ريالات لتاجر الجملة، منها خمسة ريالات ضريبة القيمة المضافة، سيدفعها تاجر الجملة للدولة. ونفترض أن تاجر التجزئة يبيع السلعة بـ150 ريالا قبل إضافة الضريبة. فسيدفع المشتري 157.5 ريال، منها سبعة ريالات ونصف الريال ضريبة، وتساوي 5 في المائة من الـ 150. لكن الدولة لا تأخذ كل هذه السبعة ونصف من تاجر التجزئة، بل تتسلم منه ريالين ونصف الريال؛ لأنه دفع خمسة ريالات ضريبة عندما اشترى السلعة من تاجر الجملة.

تأثيرها في أسعار السلع والخدمات غير المسعرة حكوميا
مثلها مثل أي تكلفة؛ أي أنها تزيد تكاليف البيع، وتبعا. وهنا يبدو لي وجود خلاف في معنى سعر: هل المقصود من السعر قبل احتساب الضريبة، أم بعد احتسابها، وهو المبلغ الذي سيدفعه المشتري؟
متوقع ابتداء أن تزيد الضريبة المبلغ الذي سيدفعه المشتري مقارنة بعدم وجود الضريبة. والكلام نفسه ينطبق على كل ضريبة تفرض على كل سلعة أو خدمة تقبل الاستحداث. والاستحداث يعني الإنتاج والتخزين والتلف أو الامتناع عن الإنتاج.
لنسمِّ ما يدفعه المشتري السعر النهائي. السؤال: هل هذا النهائي يساوي السعر قبل الفرض زائد مبلغ الضريبة؟ ليس بالضرورة، خاصة على المدى البعيد، حيث يتأثر العرض والطلب لتغير الأسعار.
تنطلق أهم أساسيات العرض والطلب من مبدأ أن الله خلق البشر محبين للمال ومتع الدنيا، وهذا يعني بالنسبة إلى البائع أن زيادة التكاليف تدفعه إلى محاولة الحفاظ على مستوى ربحه، ما يعني محاولة الإبقاء على السعر قبل الضريبة كما هو، ويعني ذلك تحميل كامل الضريبة على المشتري، ولكن رد فعل المشتري يتجه إلى تقليل الشراء أو الاستهلاك، طالما أن دخله؛ أي المشتري، والعوامل الأخرى المؤثرة في قرار الشراء لم تتغير.
تعارض المصالح بين الطرفين يتبعها تفاعل في السوق بين البائعين والمشترين ينتهي في العادة إلى أسعار توازنية جديدة يقبل بها الطرفان: البائعون والمشترون. وأساس هذا التوازن أن يقلل كل طرف من طمعه: البائع يقلل من تطلعاته في الأرباح، والمشتري يقلل من تطلعاته فيما يشتريه بفلوسه. وإذا لم يحصل التوازن يحجم البائع أو المشتري أو كلاهما عن إتمام العملية. ومع الوقت تضغط الظروف بمختلف أشكالها وألوانها على الأسواق لمحاولة دفعها إلى نقاط توازن جديدة. وهذا ما يحدث بالضبط عند ارتفاع التكاليف بسبب الضرائب مثلا.

مثالا رقميا
لنفترض وجود توازن في سوق سلعة من السلع ولنسمها السلعة "س"، على أساس أن البائع يبيع بسعر 40 ريالا للوحدة أو الحبة، ويربح خمسة ريالات في الحبة، قبل تطبيق الضريبة. مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة ستزيد عليه التكلفة بمقدار ريالين. قد يحاول إبقاء سعر الـ40 ريالا كما هو، حيث يبقى ربحه في الحبة دون تغيير، ويضيف عليه الضريبة. ماذا سيحصل؟ ستقل الكمية المشتراة منه، إذا لم تزد دخول الناس، وهذا يعني أنهم مجبرون على خفض الكمية المشتراة من السلعة "س"؛ لأنهم إن لم يفعلوا فسيجبرون على خفض ما ينفقونه على سلع أخرى حتى يتمكنوا من شراء الكمية نفسها من السلعة "س"؛ حيث زاد ما يدفعونه مقابل الحصول عليها، أو الاستدانة، ولكن حتى الاستدانة لها حدود. ما نسبة تقليل الشراء؟ يعتمد على عوامل كثيرة، تختصر بما يسمى مرونة الطلب.
لكن توجه المشترين إلى تقليل ما يشترون يحمل البائعين على خفض أرباحهم أو تكاليفهم أو كمية ما يبيعون أو خليط من الثلاثة. كيف؟ يعتمد من ضمن ما يعتمد على عوامل كثيرة، تختصر بما يسمى مرونة العرض. والغالب أن السعر شاملا الضريبة سيكون في مثالنا أعلى من 40 وبما لا يتجاوز طبعا 42؛ بما يعني احتمال خفض في السعر الأساس قبل الضريبة يراوح بين أقل من ريالين إلى صفر خفض.

تنبيه
كل ما سبق خاص بتأثير الضريبة، بمعزل أو دون نظر إلى تأثير عوامل أخرى. ومعروف أنه مع مرور الوقت، فإن العوامل الأخرى المؤثرة في الأسعار والعرض والطلب تتغير. ومن ثم يصبح الأمر كيف نفصل تأثير الضريبة عن تأثير غيرها، ولا يخلو ذلك من صعوبة.

إنشرها