Author

قراءة لتقرير الربع الثالث للميزانية

|

كنا على موعد هذا الأسبوع مع تقرير أداء الميزانية العامة السعودية للربع الثالث، الذي جاء ليؤكد النتائج التي يحققها الاقتصاد في رحلته التحديثية، التي يشكل الإعلان الربعي جزءا لا يتجزأ منها، فبعد أن كانت بيانات الميزانية تنتظر من العام إلى العام، أصبحت أكثر وفرة لتوضيح المسار الاقتصادي. فأسلوب طرح التقرير سهل من عملية وضع المقارنات بين السنوات السابقة والميزانية التقديرية، بل حتى الربع المماثل من العام السابق، بشكل يماثل إعلانات ميزانيات الشركات المساهمة المتداولة. ومع مرور الوقت وتراكم البيانات الربعية، فإن نماذج التحليلات الاقتصادية ستصبح أكثر قدرة على التوقع والاستنباط، بشكل يسهل قراءة المشهد الاقتصادي وتوجهاته. فتتمكن الجهات المختصة والمهتمة، خصوصا الأجنبية منها، من بناء قراراتها الاستثمارية بناء على هذه المعطيات.
فيما يخص أداء الميزانية، فأهم رقم يهم كل مواطن هو حجم ما تحقق من إيرادات. إجمالي الإيرادات حتى نهاية الربع الثالث من 2017 وصل إلى 450 مليار ريال، بنسبة 65 في المائة من إجمالي الإيرادات المقدرة. الإيرادات النفطية في الفترة نفسها حققت 64 في المائة من التقديرات بينما الإيرادات غير النفطية سجلت نسبة أعلى من 67 في المائة. قد يكون من المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 75 في المائة، ولكن لكل ربع خصائصه، فضلا عن تغير السياسات النفطية التي أدت إلى استمرار خفض الإنتاج، وكذلك تأخير رفع الدعم وزيادة بعض الرسوم. المهم في الصورة التي يرسمها التقرير هو ربط أداء الإيراد بأداء النفقات. فعلى الجانب الآخر من الميزانية، وصل إجمالي المصروفات للفترة نفسها إلى 571 مليار ريال، بنسبة 64 في المائة من المصروفات المقدرة. وهو رقم يتماشى مع ما تم تحقيقه على جانب الإيرادات، ما يعكس انضباطا عاليا في الموازنة والتزامها بالتقديرات.
بعض البنود التفصيلية كانت لافتة بشكل أكبر، مثل الضرائب على السلع والخدمات. فالقفزة التي تحققت للأشهر التسعة بنسبة 35 في المائة لا تتماشى مع انخفاض عوائد النفط، ولا يمكن تفسير هذا الارتفاع بشكل كلي كنتيجة لضريبة السلع الانتقائية على المنتجات الضارة. ولذلك فإن استثنينا هذا البند من إجمالي العوائد غير النفطية، فإن إجمالي الإيرادات غير النفطية بالكاد يسجل ارتفاعا بأقل من 1 في المائة، الأمر الذي يعكس حال التباطؤ والتضخم السلبي الذي يمر به الاقتصاد. على الجانب الآخر نجد النمو في الأصول الرأسمالية يسجل 0.1 في المائة فقط، وهو ما يعكس تشدد السياسة المالية للحكومة. قد يكون الوقت قد حان لمراجعة السياسة المالية لدعم وتحفيز الاقتصاد، فهو ما زال يعتمد بشكل أساسي على الإنفاق الحكومي.
تبقى الإشارة إلى أن المرحلة القادمة للاقتصاد السعودي ستشهد إنفاقا حكوميا من نوع مختلف يقوده صندوق الاستثمارات العامة. وهي نفقات قد لا تعكس بالضرورة في بنود المصروفات. ولذلك فمن الضروري أن يشمل التقرير بنودا خارج الميزانية توضح الاستثمارات والعطاءات التي تم ضخها وإرساؤها من قبل مختلف الهيئات والجهات الحكومية التي لا تحصل على اعتماداتها من وزارة المالية. بذلك سيتسنى رسم صورة أوضح وأدق لحال وأداء الاقتصاد السعودي من ربع لآخر.

إنشرها