اقتصادات بناءة لمواجهة المتغيرات

مع التراجع الهائل لأسعار النفط الخام قبل ثلاث سنوات تقريبا، أقدمت بلدان مجلس التعاون الخليجي على سلسلة من الإصلاحات، ليس فقط لمواجهة تداعيات هذا التراجع، بل أيضا لإطلاق مخططات تأخرت في إطلاقها بالفعل، تسهم في الإصلاح الاقتصادي.
بعض البلدان الخليجية، وفي مقدمتها المملكة، مضت في مسيرة البناء الاقتصادي، والإصلاح المشار إليه، ليس أقل من تنويع مصادر الدخل الوطني. وبمعنى آخر، إخراج البلدان من حالة الاقتصادات الريعية، إلى الاقتصادات المنتجة التي تصنع نموا وازدهارا يحاكي المتطلبات. ولا شك أن تراجع أسعار النفط كان حافزا آخر للمضي قدما نحو التغيير الاقتصادي. بل ربما قدم خدمة حقيقية للبلدان المعنية أنه آن الأوان لهذا التغيير من أجل الأجيال القادمة.
المؤسسات الاقتصادية الدولية حاولت في السنوات الماضية توجيه النصائح لدول مجلس التعاون الخليجي بالفعل على التنويع، أو بالأحرى التخلص شيئا فشيئا من حالة الاقتصاد الريعي. وبالفعل اتخذت الدول المشار إليها خطوات عملية في هذا الاتجاه، بما في ذلك الاتفاق على فرض ضريبة القيمة المضافة اعتبارا من مطلع العام المقبل، وخفض الدعم لبعض السلع المطروحة بما فيها الوقود، وإطلاق مشاريع استثمارية كبيرة بهدف تحقيق أكبر معدل للنمو، وإيجاد فرص عمل للمواطنين، ولا سيما مع وجود نسبة لا بأس بها من العاطلين عن العمل فيها. كان لا بد من التحرك من أجل البناء الاقتصادي الجديد، دون حدوث أي هزات خلال عمليات التغيير. ولذلك كانت كل خطوة مدروسة في هذا الاتجاه، وتأخذ في الاعتبار كل المعطيات.
معهد أكسفورد الدولي لدراسات الطاقة أشار أخيرا إلى هذا التحول الكبير، بل مضى أبعد من ذلك في التأكيد على أن دول مجلس التعاون نجحت بالفعل في التغلب على تداعيات التراجع الحاد لأسعار النفط. المعهد المذكور، شدد على أن الإصلاحات مطلوبة بصورة مستمرة، من أجل الوصول إلى الصيغة الاقتصادية الأمثل. وفي الواقع تقوم الحكومات بكل ما تملك من أجل إتمام عمليات التغيير. وتكفي الإشارة هنا إلى المملكة التي اعتمدت "رؤية" ترسم بوضوح الشكل الاقتصادي العام لها، كما أنها تتضمن مخططات تتجاوز الإصلاحات إلى البناء. واعتمدت بصورة مختلفة على الاستثمارات المحلية والأجنبية، من خلال سلسلة من التشريعات الجديدة المساعدة.
لن تتوقف حكومات مجلس التعاون الخليجي عن مسيرتها الاقتصادية هذه. فقد بدأتها لكي تكملها إلى آخر مدى، خصوصا أن المستجدات والاستحقاقات تحتم عليها ألا تتهاون في عملية التغيير الاقتصادي. وفي المرحلة المقبلة، ستكون هناك أوضاع اقتصادية خليجية مختلفة، تستند بصورة أساسية إلى مفهوم الاقتصاد الكلي. كما تقوم على الاستدامة، مع وجود إمكانات حقيقية بالفعل على ساحاتها، بما في ذلك نجاحها في مواجهة التراجع الهائل لأسعار النفط دون أن يحدث أي انهيار، أو حتى هشاشة في وضعيتها الاقتصادية. صحيح أن بعض البلدان الأقل ثراء تأثرت بصورة أكبر من غيرها، إلا أنها تمضي هي الأخرى نحو البناء الاقتصادي الجديد، لأنه لا توجد خيارات أخرى في الواقع غير ذلك. فالإصلاحات الاقتصادية تمثل حاجة ماسة حتى للدول الأكثر رسوخا اقتصاديا، فكيف الحال ببلدان تقوم ببناء اقتصادات لمواجهة كل المتغيرات؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي