السياسات الذكية والاستفادة من إمكانات التكنولوجيا

تستطيع التكنولوجيا تحقيق نمو كبير في الاقتصاد العالمي في العقد المقبل، وهناك حاجة إلى نموذج جديد للتعليم يساعد العمالة على التكيف وأن التغيرات الثقافية والتنظيمية يجب أن تواكب سرعة التغير التكنولوجي.
قال فريق الخبراء في الندوة التي عقدها الصندوق والبنك الدوليين في سياق اجتماعاتهما السنوية في العاصمة واشنطن إن التغير التكنولوجي يمكنه تحويل حياة الناس إلى الأفضل في مختلف أنحاء العالم، ولكن انتهاج السياسات الصحيحة أمر ضروري حتى لا تتسع الفجوة الرقمية. وفي هذا الصدد، قالت كريستين لاجارد، مدير عام الصندوق، في تعليقاتها الافتتاحية في ندوة "التكنولوجيا والابتكار والنمو الاحتوائي" : "سواء كنا نتحدث عن البيانات الضخمة، أو إنترنت الأشياء، أو الرقمنة، أو الطباعة ثلاثية الأبعاد، نجد أن الثورة التكنولوجية بدأت تصل إلى أعماق كل قطاع في اقتصاداتنا". وأضافت أن هذه الثورة "ستترك انعكاسات عميقة على أسلوب حياتنا، وكسبنا للدخل، واستهلاكنا للسلع".
وأوضح الفريق أيضا أن الصندوق ينبغي أن يتعاون مع خبراء التكنولوجيا ليكتسب فهما أعمق لتأثير التغير التكنولوجي في الاقتصادات حول العالم. وكانت هذه الندوة التي تضمنت حوارا عن التكنولوجيا مع قادة الفكر العالمي، خطوة أساسية في بدء هذا الحوار.
وقال جون تشيمبرز، الرئيس التنفيذي لأنظمة سيسكو، إن العصر الرقمي الجديد سيحدث تحولا في حياة الجميع.
فعلى مدار العقد المقبل، يمكن أن يشهد العالم نموا اقتصاديا تراكميا يعادل 19 تريليون دولار أمريكي تقريبا، أو نموا في إجمالي الناتج المحلي يراوح بين 1 و 3 في المائة لكل بلد في العالم. وأضاف أن هذا النمو يمكن أن يؤدي أيضا إلى رفع متوسط الدخول بشكل عام – شريطة استخدام المعادلة الصحيحة. ولكن بينما يرى كثيرون أن مكاسب ضخمة يمكن تحقيقها في هذا السياق، نبهت ليلى جناح، المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة Sama غير الهادفة للربح وعضو فريق الخبراء المشارك في الندوة، أشارت إلى معاناة شرائح المجتمع محدودة الدخل ركودا اقتصاديا قاد إلى وقوع اضطرابات. وقالت: "إذا لم نقم بواجبنا في فهم التحديات التي تواجه هؤلاء الناس، يمكن أن ندفع الثمن غاليا".
وتعين شركة السيدة جناح الكائنة في سيليكون فالي عمالة ممن يعيشون تحت خط الفقر في البلدان النامية للعمل في مؤسسات عالية التكنولوجيا في مراكز الكمبيوتر المحلية. ومن خلال تقسيم المشاريع الكبيرة إلى وحدات عمل صغيرة، تستطيع المؤسسة استخدام أناس بتدريب قليل نسبيا.
وطبقا لجناح، تمثل إتاحة الإنترنت فائق السرعة بتكلفة منخفضة عاملا من أقوى العوامل المساهمة في التحول.
وبالنسبة لهيلدا مورا، مؤسسة شركة Weza Tele الكينية البادئة، كانت التكنولوجيا المتنقلة عاملا أساسيا في التغيير، حيث أحدث الهاتف المتنقل ثورة في الإقراض في إفريقيا حين أتاح التمويل على نطاق لم يكن متصورا قط.
ولكن إذا كانت التكنولوجيا قد أسهمت في التقدم الاقتصادي، فهناك جانب سلبي أيضا بالنسبة لمن يتركهم الركب، حسبما أشار المتحدثون.
وأشار تشيمبرز إلى أن الحقبة الرقمية المقبلة هي فترة "إما أن تعطل فيها الآخرين أو يعطلونك"، محذرا من أن 40 في المائة من الشركات في أمريكا، وآسيا، وأوروبا يمكن أن تختفي في العقد المقبل.
ونظرا لتراجع الوظائف الحتمي، تساءلت لاجارد عما ينبغي أن يفعله الناس للتكيف مع هذه التغيرات. واتفق المتحدثون على أن التعليم عامل أساس. فقال راي كورزويل، المخترع والمؤلف وصاحب الرؤية المستقبلية "إننا نحتاج إلى نموذج جديد للتعليم – فالنموذج الحالي لم يعد يصلح"، وأضاف محذرا أن الأفكار الخلاقة في هذا المجال ضرورة مؤكدة ولا يوجد وقت نضيعه؛ "فعلينا التحرك بسرعة في مجال التعليم، وليس باستخدام النموذج القديم القائم على الفكر الخطي".
من أكثر المهام صعوبة في الحقبة الرقمية تطويع السياسات والحوافز التي تطبقها الحكومة حاليا. ففي حين أن التكنولوجيا تغير حياة الناس بسرعة كبيرة متلاحقة، نجد أن استجابة السياسة العامة يمكن أن تكون بطيئة. ويقول تشيمبرز: "التكنولوجيا هي الجانب السهل. أما الصعوبة فتكمن في الوصول بالشركات والبلدان إلى تغيير ثقافتها وتنظيمها وآليات المكافأة التي تطبقها". وقالت جناح إن الاقتصاد الجديد سيتطلب إعادة النظر في السياسات على مستويات عديدة. "ولأن أجهزة الكمبيوتر تقوم الآن بمهام أكثر بكثير من ذي قبل، ستكون لدينا، للمرة الأولى، أعداد هائلة ممن يمكنهم إعالة أنفسهم دون الحاجة إلى شغل وظيفة". وقالت إن هذا أمر إيجابي ولكن على الحكومة أن تنظر في تحديد دخل أساسي عام لمن يفقدون وظائفهم ويجدون صعوبة في الانتقال إلى وظيفة جديدة.
وقدم الخبراء المشاركون مشورتهم للصندوق في ختام الندوة، وكانت آخر كلمة لمورا فقالت: "استثمر في الشباب ليكونوا جزءا من رؤيتك. فالشباب ينبغي أن يقودوا هذا الاقتصاد لأجيال مقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي