أخبار اقتصادية- عالمية

1.4 تريليون دولار فاتورة استيراد الأغذية حول العالم .. رقم مرعب

 1.4 تريليون دولار فاتورة استيراد الأغذية حول العالم .. رقم مرعب

حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" من أن تكلفة استيراد الأغذية هذا العام سترتفع بنسبة 6 في المائة مقارنة بالعام الماضي، لتصل إلى 1.413 تريليون دولار، وهو ما يعد ثاني أعلى رقم قياسي مسجل.
ولا شك أن تقدير منظمة دولية بحجم "فاو" لقيمة فاتورة الغذاء العالمي، وبلوغها أرقام فلكية، يدق ناقوس الخطر في عديد من بلدان العالم الثالث، وحتى في الاقتصادات الناشئة التي تقوم باستيراد احتياجاتها الغذائية، إذ يعني ارتفاع تكلفة استيراد الطعام التهامه جزءا كبيرا من الفوائض المالية المحققة.
وتعد قضية توفير الاحتياجات الغذائية للمواطنين، في مقدمة أولويات الحكومات أيا كانت توجهاتها السياسية، فتوفير الغذاء يدخل في صلب مفهوم الأمن القومي بمعناه الشامل، ويعد شرط أساسي لتحقيق الاستقرار الداخلي، وركيزة أساسية لضمان مواصلة المواطنين حياتهم وأعمالهم.
وفي هذا الإطار، تعتبر المتابعة اللصيقة والوثيقة لتطورات السوق العالمي للغذاء، سواء من حيث توفر الكميات أو مستويات الأسعار، نشاط شبه يومي لكل دولة العالم، أيا كان مستوى تطورها الاقتصادي، أو مدى قدرتها على توفير المواد الغذائية لمواطنيها من الإنتاج المحلي من عدمه.
ولا شك أن ضمان توفر الاحتياجات الأساسية من السلع الغذائية في الأسواق المحلية، وبأسعار في متناول الأغلبية الساحقة من المواطنين، يعد صمام الأمان لتفادي ما لا تحمد عقباه.
لكن قضية توفير إمدادات دائمة من المواد الغذائية للمواطنين، ورغم أهمية تلك القضية وحيويتها، فإنها قضية شائكة شديد الصعوبة والتعقيد والتكلفة، خاصة بالنسبة للبلدان النامية والفقيرة، وتحديدا التي تعتمد على استيراد معظم احتياجاتها الغذائية من الخارج، فارتفاع اسعار المواد الغذائية المستوردة يلقي بثقله على كاهل الميزانية العامة للدولة ويزيد من عجزها، بل يدفع في كثير من الأحيان إلى زيادة معدلات الاستدانة من الخارج، ليس لتمويل العملية التنموية، وإنما لضمان امتلاك القدرة على سداد فاتورة الغذاء المستورد، وهو ما يجعل تلك الدول تقع فريسة لما يعرف في علم الاقتصاد بالدائرة المغلقة، حيث يوجه الجزء الأكبر من ناتجها المحلي لسداد مديوناتها الخارجية، نتيجة فاتورة استيراد الغذاء المتصاعدة، ما يفقد المسؤولين أي قدرة حقيقية على توجيه نسبة أكبر من الناتج المحلي لعملية التنمية وإنتاج الغذاء محليا.
الدكتور وليم فرانك الاستشاري في منظمة فاو يرى أنه على الرغم من أن أغلب التوقعات تشير إلى تحسن الإنتاج العالمي من المواد الغذائية في جميع القطاعات، ووفرة المخزون، إلا أننا نشاهد زيادة في فاتورة الغذاء، جراء ارتفاع تكاليف الاستيراد والشحن بدرجة ملحوظة، وهذا ترك تأثيره على الفاتورة الإجمالية لاستيراد الأغذية.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه إذا نظرنا على سبيل المثال للإنتاج العالمي من الحبوب الخشنة مثل الذرة بأنواعها والشعير، فسنجد أن التوقعات تشير إلى أن الإنتاج سيتجاوز 1350 مليون طن، بينما ينمو الاستهلاك بوتيرة أبطأ وسيصل بالكاد إلى 1300 مليون طن، وهذا يعني أن الإمدادات القادمة من البلدان الرئيسية المصدرة وفيرة، ومن ثم نتوقع زيادة في حجم التجارة الدولية من الحبوب لتصل إلى قرابة 184 مليون طن.
وتوقع الاستشاري في منظمة "الفاو"، تراجع إنتاج القمح عن مستوى العام الماضي، ومن ثم فإن الأسعار الدولية ستكون أعلى من المتوسط السعري لعام 2016، أما بالنسبة للأرز فإنه رغم التأثيرات غير الطيبة للتغيرات المناخية هذا العام عليه، إلا أن الإنتاج يتجاوز الكميات المستهلكة، ما يسمح بزيادة المخزون العالمي.
ومع هذا، يرى بعض الخبراء أن ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء عالميا، تكشف خلل كبير في قضية الأمن الغذائي، وتحديدا في نطاق عدم المساوة بين مكونات المجتمع الدولي.
فوفقا لمنظمة الفاو يتطلب تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين في كل دولة توفر ثلاثة عوامل أساسية وهي توافر الغذاء، والقدرة على الوصول إلى الغذاء اقتصاديا وماديا، واستخدام الغذاء وسيلة لتحقيق المستوى المطلوب من السعرات الحرارية اللازمة للحفاظ على البنية الصحية للإنسان.
ويرى مارك إيمرسون الباحث الاقتصادي، أن هناك مجموعة من المشاكل في النظام الغذائي العالمي هي التي ستدفع إلى مزيد من الارتفاع في الفاتورة الغذائية مستقبلا.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن هناك غيابا للمساوة الغذائية بين الدول المختلفة وداخل البلد الواحد، وقد أصبح عدم الوصول للاحتياجات الغذائية قضية كونية، فهناك 795 مليون شخص لديهم نقص مزمن في الغذاء، وفي دولة بثراء الولايات المتحدة 15 في المائة من الأسر الأمريكية تفتقر إلى الغذاء إلى حد ما، و29 مليون أمريكي يعيشون فيما يعرف بالصحاري الغذائية أي لا توجد لديهم محال أو متاجر غذائية على بعد ميل من مقر إقامتهم إذا كانوا من سكان المدن، وعشرة أميال إذا كانوا من سكان القرى.
ويشير إيمرسون إلى أن هذا الوضع من افتقاد القدرة على توفير الاحتياجات الغذائية سواء بسبب افتقاد القدرة المالية أو لعدم توافر منافذ بيع، يترافق مع مشكلة عجز المزارعين على الوصول للأسواق سواء لعدم القدرة على تحمل تكاليف النقل أو غياب بنية أساسية مساعدة.
وأضاف إيمرسون أن إحصاءات الأمم المتحدة تظهر أن 16 في المائة من سكان الريف يفتقرون إلى سهولة الوصول إلى الأسواق، ولا يفلحون إلا في تسويق 40 في المائة من الإنتاج، ويترافق ذلك مع الأولويات المغلوطة في عديد من البلدان التي يمكن أن تكون سلة غذاء العالم، فالبرازيل على سبيل المثال توجه جزء كبير من إنتاجها الزراعي لإنتاج الوقود الحيوي، ورغم أن الدراسات أثبتت مضاره البيئية، لأنه مدمر للنظام الغذائي ويؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ويعتقد إيمرسون أن البلدان المنتجة للوقود الحيوي إذا أصرت على المضي قدما في مخططها بإنتاج 10 في المائة من جميع أنواع وقود النقل من الوقود الحيوي بحلول عام 2050، فإن هذا يعني أن 32 في المائة من الإنتاج العالمي للمحاصيل سيستهلك في هذا الاتجاه، ولكنه لن ينتج سوى 2 في المائة من الطاقة العالمية، وهذا يعني أن فاتورة استيراد الغذاء في العالم ستتجاوز سبعة تريليونات دولار بحلول منتصف القرن.
ولا يبدو أن ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء عالميا من وجهة نظر العديد من الاقتصادين ذات مسار أحادي يمثل عبء على الدول المستوردة، إذ يمكن أن تساهم عملية الاستيراد في نشوء وتطوير مجموعة من الصناعات المرافقة، التي يمكن أن تخفف من وطأة فاتورة الاستيراد، بل تحقق أرباح على المدى الطويل.
فصناعات التعبئة والتغليف أحد أبرز الصناعات التي ستستفيد من اتساع نطاق سوق المواد الغذائية عالميا سواء كانت محلية الصنع أو مستوردة من الخارج.
ويقول لـ "الاقتصادية"، أرون فينسيت المدير التنفيذي للشركة الدولية لتغليف الأطعمة، إن سوق الغذاء والأطعمة العالمي ستبلغ قيمته الإجمالية في عام 2020 ما يقارب 3.03 تريليون دولار، بمعدل نمو سنوي مركب خلال الفترة من 2015-2020 وهو ما يوازي 4.5 في المائة.
ويضيف فينسيت، أن هذا الأمر يفتح آفاقا كبيرة لتعزيز صناعة التعبئة والتغليف في معظم السلع الغذائية خاصة المواد الغذائية للأطفال، نتيجة زيادة الوعي الأسري بأهمية الحفاظ على المواد الغذائية للأطفال بعيدة عن التلوث، ولزيادة معدلات الأسر التي يعمل فيها الأب والأم ما يتطلب منهما الحصول على طعام سريع ومضمون للأطفال.
ورغم أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يحتفظان بالمرتبة الأولى والثانية في مجال صناعة تعبئة وتغليف المواد الغذائية، إلا أن كثيرا من الأبحاث تشير إلى أن زيادة الطلب على الأطعمة المستوردة في البلدان الناشئة، ودول منطقة المحيط الهادئ، يوفر فرصا استثمارية ضخمة لتلك الصناعة في تلك البلدان، حيث يتوقع أن تنمو فيها بنحو 5.4 في المائة خلال الفترة من 2015 إلى 2020، وأن تلعب كل من الصين والهند دورا بارزا في تلك الصناعة، خاصة مع تزايد عمليات الاندماج بين الشركات الكبرى في هذا المجال.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية