Author

كراسي البحث الخارجية ينبغي ألا تنسى

|
بادرت حكومة المملكة العربية السعودية ورجال الأعمال السعوديون منذ سنوات طويلة بدعم البحث العلمي في الجامعات العريقة في مجالات علمية متنوعة، مع تركيز واضح على الدراسات الإسلامية والتاريخ، ما كان له الأثر الكبير في فهم الإسلام وتشجيع الدراسات المقارنة في مجال الأديان. وقد استطاع بعض الكراسي تحقيق نجاح ملحوظ في مجال البحث العلمي، وكذلك في مجال إدارة موارده المالية، لضمان استدامتها واستمرار نشاط الكرسي البحثي لسنوات طويلة. وعلى الرغم من ذلك كله، كانت أنشطة الكراسي البحثية في الخارج غير معروفة لدى كثير من الباحثين في المملكة أو حتى المسؤولين في وزارة التعليم، خاصة مع ضعف التنسيق فيما بينها من جهة، والجهات المعنية في المملكة من جهة أخرى. وغياب التنسيق والتواصل مع هذه الكراسي جعل كثيرا منها بعيدا عن القضايا التي تعانيها المنطقة، وبعضها دعم بمبلغ معين، وأصبحت طي النسيان من قبل الداعمين، وكذلك من جانب وزارة التعليم، التي يفترض أن تكون المسؤول الأول عنها. ولحل هذه المسألة، بادرت جامعة الملك سعود من خلال كرسي "الملك سلمان لدراسة تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها" تحت إشراف الدكتور عبدالله السبيعي، بتنظيم ملتقى "الكراسي والمراكز العلمية الممولة سعوديا في الخارج"، وذلك لتعزيز التواصل العلمي فيما بين الكراسي البحثية في الخارج والداخل، وتبادل الخبرات المتنوعة. شارك في هذا الملتقى لهذا العام، خلال الأسبوع الماضي، 22 كرسيا ومركزا بحثيا من مختلف دول العالم، خاصة من أوروبا وأمريكا، مثل: كرسي الملك عبدالعزيز للدراسات الإسلامية في جامعة كاليفورنيا "سانتا باربرا"، وكرسي الملك فيصل للفكر والثقافة الإسلامية في جامعة جنوب كاليفورنيا، ومركز الملك فهد للدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة أركانساس، ومركز الوليد بن طلال للدراسات الإسلامية في جامعة هارفارد، وكرسي ناصر الرشيد للهندسة المدنية في جامعة تكساس، ومركز صالح كامل لدراسات القانون والحضارة الإسلامية في جامعة ييل، وكرسي الملك عبدالعزيز للدراسات الإسلامية في جامعة بولونيا، ومركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد، وغيرها. وأرجو أن يسهم هذا الملتقى في تعزيز التعاون البحثي بين الكراسي والمراكز العلمية الممولة من قبل حكومة المملكة أو رجال الأعمال السعوديين من جهة وبين الجامعات ومراكز البحوث والكراسي البحثية في المملكة من جهة أخرى، خاصة أن الجامعات السعودية تحتضن عددا كبيرا من الكراسي البحثية المميزة. فهناك عديد من سبل التعاون المؤسسي بين الكراسي البحثية في الخارج والجامعات السعودية أو الكراسي البحثية السعودية لإنجاز بحوث نوعية ودراسات متخصصة تعود بالنفع على المجتمع والإنسانية أو تقديم برامج تدريبية للباحثين في مجالات اختصاص الكراسي البحثية. وينبغي أن تظهر وزارة التعليم اهتماما أكبر بهذه الكراسي وإنتاجها العلمي، من خلال وضع روابط لها على موقعها على شبكة الإنترنت وربط الأكاديميين السعوديين بها، خاصة أن الكراسي في الخارج في حاجة ماسة إلى المتخصصين السعوديين لأنهم أقرب إلى القضايا الدينية، وأكثر فهما لتاريخ المنطقة، لذلك ينبغي تمكين الباحثين السعوديين من زيارة هذه الكراسي والاستفادة منها. ولا يقل عن ذلك أهمية الحاجة الماسة إلى الاستفادة من الممارسات العلمية والإدارية في بعض الكراسي الناجحة، خاصة أنها استطاعت تنمية مواردها الذاتية وتحقيق استدامتها. ومع تأكيد أهمية الاستمرار في تمويل الكراسي البحثية في الخارج، لأنها تشجع الاهتمام بالدراسات الإسلامية، وتقدم الفهم الصحيح للدين الإسلامي في الخارج من جهة، وتظهر حرص السعودية ــ حكومة ورجال أعمال ــ على البحث العلمي الذي يخدم الإنسانية من جهة أخرى، فإنني أتمنى أن يؤسس رجال الأعمال الذين يمولون الكراسي في الخارج كراسي مماثلة في الجامعات السعودية، ويعملون على بناء جسور فيما بينها. وأخيرا فإنني إذ أقدم الشكر لرجال الأعمال الداعمين للبحث العلمي، لأدعو الآخرين إلى استشعار أهمية البحث العلمي ودوره في تقدم الشعوب، وخدمة الأولويات التنموية الوطنية، ومن ثم تقديم الدعم المناسب كجزء من المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمعات التي تقدم لهم الكثير.
إنشرها