FINANCIAL TIMES

مخاوف من فقاعة عقارية يُسمع انفجارها خارج الصين

مخاوف من فقاعة عقارية يُسمع انفجارها خارج الصين

جزيرة أوشن فلور هي رؤية للرفاهية على الطراز الصيني. بوصفها أرخبيلا صنعه الإنسان قبالة ساحل الجزيرة المدارية، هاينان، في بحر الصين الجنوبي، ستضم آلاف الشقق، و28 متحفا، و58 فندقا بما فيها فندق سبع نجوم وآخر يتخذ شكل قلعة أوروبية.
هناك تشاهد عربات الجولف المطلية بالذهب ماركة مرسيدس التي تعمل على نقل العملاء المحتملين إلى مركز المبيعات الخاص بالمشروع، حيث تقود المشروع الشركة الصينية المطورة "إيفرجراندي للعقارات". داخل المركز يجلس مستر يو، الرجل الذي يبلغ من العمر 56 عاما ويمتلك شركة للبناء ـ طلب عدم استخدام اسمه بالكامل ـ مرتديا قميصا كتبت عليه الكلمات "بيفرلي هيلز بولو" وهو يحتسي الشاي الأخضر. يو حريص على شراء شقة مساحتها 108 أمتار مربعة في واحدة من تلك الجزر، مضيفا تلك الشقة إلى ثمانية عقارات يمتلكها في أماكن أخرى. يقول "بالتأكيد سترتفع قيمة هذا البيت في المستقبل".
في الوقت الذي كانت فيه نخب الحزب الشيوعي في الصين مجتمعة في بكين الأسبوع الماضي لاختيار كبار الزعماء، استفاد الرئيس تشي جينبينج من الأداء القوي الأخير للاقتصاد الذي يستعد لأول تسارع في النمو على أساس سنوي منذ عام 2010. وأبلغت بكين أخيرا أن الناتج المحلي الإجمالي توسع بنسبة 6.8 في المائة في الربع الثالث، قبيل تحقيقها هدفها للعام ككل.
ويعود الفضل في هذا الانتعاش كثيرا إلى الثقة من قبل مشتري البيوت، مثل يو، وإلى المشاريع التي مثل مشروع جزيرة أوشن فلور. ويبدأ قطاع الإنشاءات وأسعار البيوت في الانتعاش بعد حالة ركود أصابتهما خلال 2014-2015، ما عمل على تعزيز استثمارات الشركات ودفع الطلب على الإنتاج من قطاع التصنيع الضخم في الصين.
بتشجيع من بكين، كانت 38 في المائة من جميع القروض المصرفية الصادرة خلال الـ 12 شهرا المنتهية في آب (أغسطس) هي قروض عقارية، وفقا للبيانات الرسمية، واشترت الحكومات المحلية 18 في المائة من جميع المساحات الأرضية السكنية المبيعة في العام الماضي كجزء من حملة لتوفير مساكن بأسعار معقولة، وفقا لتقديرات معهد بحوث المنازل الإلكترونية في الصين. وكانت النتيجة حدوث طفرة أخرى في قطاع الإنشاءات. لم يتم بناء "روما" خلال يوم واحد، لكنها استنادا إلى المساحات السكنية التي أُنجزِت في العام الماضي، كانت الصين تبني ما يعادل "روما" جديدة كل ستة أسابيع تقريبا.
مع طفرة الازدهار في قطاع الإسكان، أثارت الاستثمارات جولة من التساؤلات حول فقاعة محتملة في السوق والآثار المترتبة على سلامة الاقتصاد الصيني على المدى الطويل.
ويحذر بعض مختصي الاقتصاد والمستثمرين من أن النمو قصير الأجل بعد طفرة الازدهار الأخيرة في قطاع الإنشاءات كان له ثمنه: تضخيم فقاعة عقارات سيتسبب انفجارها في النهاية في إحداث ضرر هائل. وحذر مشرع صيني كبير أخيرا مستخدما مصطلحات صريحة بشكل غير عادي من أن الاقتصاد "اختُطِف" من قبل قطاع العقارات.
يقول آندي تشاي، وهو مختص اقتصادي مستقل ومدير للأصول كان قد حذر من فقاعة العقارات "الحكومة تحافظ على استمرارية هذه السوق. في العام الماضي احتاجوا إلى بداية قوية في سوق العقارات لكي يظهر الاقتصاد في صورة جيدة أمام مؤتمر الحزب. على المدى القصير، هذا ينجح، لكن فقط إن اعتقد الناس أن الحكومة ستوفر لهم الحماية".
لكن يصر آخرون على أن المخاوف من حدوث فقاعة مبالغ فيها. استنادا إلى هذه النظرة، تبرر الأساسيات الاقتصادية الاستثمار الضخم في مجال الإسكان، خاصة في المدن الداخلية حيث لا يزال التطوير متخلفا بشكل كبير عن المناطق الساحلية الثرية. كما يلاحظ هؤلاء المراقبون الأكثر تفاؤلا أن مستويات الأسعار الفاحشة للشقق الصينية مقتصرة بشكل رئيسي على المدن الكبرى، مثل بكين وشنغهاي.
رغم أهميتها، أثبتت سوق العقارات في الصين أنها تتطلب حذقا ومهارة على نحو لا يستطيع معه المختصون والمستثمرون الأجانب فهمها. وقد كانت التوقعات الأليمة الخاصة بفقاعة الإسكان عنصرا أساسيا في تعليقات مختصي الاقتصاد لمدة عقد على الأقل. في عام 2010، جيمز تشانوس، الملياردير الذي يبيع على المكشوف، وصف سوق العقارات في الصين بأنها "دبي مكبَّرة ألف مرة". لكن فيما عدا عددا قليلا من المدن، تعرضت السوق لتصحيحات خفيفة فقط.
الأمور التي على المحك في هذا الجدل مرتفعة. يمكن القول إن قطاع العقارات السكنية الصيني هو أهم سوق للأصول في العالم. حيث يعمل القطاع على دفع أسعار السلع الأساسية عالميا، ما يحدث فرقا ما بين النمو والركود بالنسبة إلى البلدان المصدرة للموارد، مثل أستراليا والبرازيل.
بالنسبة إلى اقتصاد الصين المحلي، الاقتصاد الأكبر في العالم من حيث معادِل القوة الشرائية، أسهم الاستثمار في قطاع العقارات بشكل مباشر بنسبة 10 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016. وعندما يتم إدراج قطاعات التصنيع، كالصلب والأسمنت والزجاج، وقطاعات التجزئة، كالأثاث والأجهزة المنزلية، لا تقل الحصة عن 20 في المائة. وسلامة النظام المصرفي في الصين، الذي هو الآن الأكبر في العالم من حيث الأصول، هي أيضا مرتبطة بشكل عميق بمصير قطاع العقارات.
تُستخدم مشاريع التطوير التي مثل مشروع جزيرة أوشن فلور من قبل جانبي النقاش. بالنسبة إلى بعضهم، هي تجسد تجاوزات السوق التي يقولون إنها تعتمد على الطلب القائم على المضاربة في قطاع يعاني إفراطا في العرض أصلا. مشروع شركة إيفرجراندي واحد من أكثر مشاريع التطوير مديونية في الصين. مع ذلك، تتحدى الشركة حتى الآن المتشككين. البائعون على المكشوف الذين يراهنون على أسهم "إيفرجراندي" في هونج كونج تلقوا ضربة كبيرة هذا العام مع ارتفاع سعر السهم ستة أضعاف. ووفقا لقائمة هورون للأثرياء، هذا العام سيصبح تشو جيايين، رئيس مجلس إدارة "إيفرجراندي"، أغنى رجل في الصين.
يقول لاري هو، المختص الاقتصادي في الصين لدى شركة ماكواري للأوراق المالية في هونج كونج "ليس من الخطأ أبدا الإعراب عن القلق إزاء سوق الإسكان في الصين. لكن من اللافت للنظر (...) أن قطاع الإسكان أصبح مثل مثلث برمودا بالنسبة إلى التوقعات الاقتصادية. وهكذا نجد أن عددا كبيرا من الأشخاص الأذكياء توصلوا إلى توقعات خاطئة حول هذا الموضوع".
الادعاء الرئيسي الذي قدمه الأشخاص المتشائمون في قطاع الإسكان هو أنه خلال طفرة دامت 15 عاما في قطاع الإنشاءات، عملت الصين على بناء معظم المباني السكنية التي تحتاج إليها لتلبية الطلب الأساسي. بناء على ذلك، من يقود السوق الآن هم المستثمرون الذين يضاربون على مكاسب الأسعار، وليس الأسر التي تسعى إلى الحصول على مأوى لها.
يقول نينج تشو، الأستاذ في معهد شنغهاي العالي للتمويل ومؤلف كتاب "فقاعة الصين المضمونة"، "يشتري الناس العقارات ليس لأنهم يحبون العقارات، إنما لأن الأسعار آخذة في الارتفاع. أي أنهم يشعرون بالذعر من أنهم إن لم يشتروا الآن، فلن يكونوا قادرين أبدا على تحمل تكاليف السكن".
هناك نقطة أساسية في هذا السرد وهي مفهوم "المدن الشبحية" - مجاميع ضخمة من الشقق الفارغة حيث لم يتجسد الطلب المتوقع قط. المثال الأكثر تطرفا هو أوردوس في منغوليا الداخلية، حيث توجد مئات من المباني العالية الفارغة منذ سنوات، لكن بدأ شغلها الآن بشكل بطيء. في منتصف العقد الأول من القرن الحالي عمل ارتفاع أسعار الفحم على إحداث طفرة في البناء، لكن عندما تباطأ النمو وتراجعت أسعار الفحم، تعرضت المدينة لأزمة. في قطاع العقارات التجارية، لا تزال منطقة يوجويابو المليئة بناطحات السحاب في مدينة تيانجين، التي توصف بـ "وول ستريت شمال الصين"، فارغة إلى حد كبير.
في الخطاب الذي ألقاه الرئيس تشي خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحزب الشيوعي في الأسبوع الماضي، كرر شعاره المتمثل في أن "المنازل للعيش فيها، وليس للمضاربة". مع ذلك، حتى في المدن الرئيسية تشير الأدلة إلى أن هناك عددا كبيرا من الشقق الفارغة التي يقتنيها أصحابها لأغراض الاستثمار. وتوصلت دراسة استقصائية أجريت من قبل "فاينانشيال تايمز كونفيدنشيال ريسيرش"، وهي شركة لخدمات البحوث مملوكة لـ "فاينانشيال تايمز"، إلى أن 32 في المائة من الأسر تمتلك ما لا يقل عن منزل واحد لا يسكنه أحد.
وما يقدر بـ 50 مليون منزل، أي 22 في المائة من إجمالي المساكن الحضرية، كانت فارغة في عام 2013، وفقا لأحدث البيانات الواردة من "استبيان تمويل الأسر في الصين" الذي أجراه لي جان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تكساس إيه آند إم.
تقول ديانا تشويليفا، كبيرة الاقتصاديين في "إينودو للاقتصاد"، وهي شركة بحوث مستقلة ـ مقرها لندن ـ تركز على الصين، "عندما ننظر إلى العلاقة بين الطلب على الإسكان والطلب على الثلاجات وغيرها من الأجهزة الأخرى، ترى أنها قد انهارت حقا خلال العامين الماضيين. لذلك، من رأيي أنه طلب استثماري".
وأعرب قادة أعمال بارزون أيضا عن مخاوفهم من فقاعة. يعتقد ليفين تشو، ابن رئيس الوزراء الأسبق، تشو رونجي، الذي سبق أن عمل في منصب الرئيس التنفيذي للمصرف الاستثماري "كابيتال إنترناشونال"، أن جميع المباني السكنية الجديدة هي في الأساس فائض في العرض.
وقال في حزيران (يونيو)، "وفقا لمكتب الإحصاءات، إن قمت بجمع أرقام السنوات كلها، إجمالي الطاقة السكنية الحالية للمساكن في الصين تستطيع تزويد مليار شخص بمعدل يصل إلى 30 مترا مربعا لكل شخص. وبعد احتساب الناس الذين يعيشون في البلدات الصغيرة، يصبح في الصين 700 مليون شخص من سكان المناطق الحضرية فقط. هذا يعني أن هناك فائضا في القدرة مقداره 300 مليون".
وما يدعم النظرة التشاؤمية أكثر هو الاعتقاد بأن الطلب الأساسي على المساكن الجديدة آخذ في التضاؤل.
وكان السبب الكامن وراء التحول في اقتصاد الصين على مدى السنوات الـ 40 الماضية هو هجرة الفلاحين إلى المدن. عملية التحضر المذكورة آخذة في التباطؤ الآن لأنه لا يزال هناك عدد قليل نسبيا من الشباب يعيشون في المناطق الريفية من الصين. وفقا لبيانات رسمية، عدد العمال المهاجرين الذين يعيشون خارج موطنهم الأصلي ارتفع بواقع 12 مليون شخص في السنوات الخمس الأخيرة المنتهية في حزيران (يونيو) الماضي، مقارنة بزيادة مقدارها 26 مليون شخص في السنوات الخمس المنتهية في حزيران (يونيو) 2012.
يقول تشي "إذا ذهبتَ إلى القرى، فسترى أنه لم يعد هناك أي شباب أو أشخاص في منتصف العمر يعيشون هناك. من أين يفترض أن تأتي هذه الموجة التالية من القدوم إلى المدن"؟
بالنسبة إلى مراقبي سوق العقارات في الصين منذ فترة طويلة، تبدو مشاعر القلق الكبير بشأن سوق العقارات مألوفة. بعد عامين من انخفاض الأسعار وركود المبيعات، كان المحللون يحذِّرون في مطلع عام 2016 من أن بعض المدن الأصغر حجما لديها مخزون من الشقق يمكن أن يستمر لسنوات.
مع ذلك، بحلول آب (أغسطس) من هذا العام، تصل المخزونات في المدن الـ 80 التي يتابعها معهد بحوث المنازل الإلكترونية في الصين إلى أدنى مستوى لها منذ نحو خمس سنوات.
يقول شوانج دينج، رئيس قسم البحوث الاقتصادية الخاصة بالصين الكبرى لدى "ستاندرد تشارترد" في هونج كونج، "قبل عام كانت وجهة نظري هي أنه كان يتعين فقط على كثير من المدن الأصغر حجما أن تتقبل أن التكاليف التي تكبدتها لا يمكنها استردادها. بعد مضي عام أصبحت القصة مختلفة تماما".
بالتطلع إلى المستقبل، يعتقد دينج أن الطلب الأساسي يمكنه دعم قطاع الإنشاءات بنحو ستة مليارات متر مربع من المساكن حتى عام 2021، ما يعني حدوث نمو بنسبة تصل إلى 5 في المائة سنويا في العقارات السكنية. هذا من شأنه أن يكون أدنى بكثير من المستوى الذي وصلت إليه خلال سنوات الازدهار في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، عندما توسع إجمالي الاستثمار العقاري 25 في المائة سنويا في المتوسط، لكنه يظل يشكل نسبة أقل من النمو الذي قد يجعل تشي والمكتب السياسي الجديد يشعر بالراحة.
التصورات المتعلقة بأسعار المساكن المرتفعة على نحو غير متناسب يبدو أنها تتأثر بشكل غير متناسب بالاتجاهات في مدن الطبقة الأولى؛ بكين وشنغهاي وشنزن. تحتل هذه المدن الثلاث جميعا مكانة ما بين أغلى المدن في العالم من حيث نسبة السعر إلى الدخل.
مع ذلك، من بين المدن الـ 70 المشمولة في استبيان الأسعار الرسمي، شهدت 12 مدينة انخفاضات صريحة في الأسعار خلال السنوات الثلاث المنتهية في آب (أغسطس) الماضي. في المدن الـ 29 الأخرى، ارتفعت الأسعار أقل من 10 في المائة خلال الفترة الزمنية نفسها. في الوقت نفسه، نما متوسط حصة الفرد من الدخل المتاح 28 في المائة في الفترة الزمنية نفسها تقريبا.
رغم المخاوف الرئيسية إزاء ديون الشركات الصينية، لا يزال الاقتراض الأسري متدنيا بحسب المعايير الدولية، إذ يعادل 37 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 79 في المائة في الولايات المتحدة و59 في المائة في منطقة اليورو، وفقا لبنك التسويات الدولية. كما أن مشتري المساكن الصينيين يستخدمون ديونا أقل وحقوق ملكية أكثر من نظرائهم في الولايات المتحدة. مقدار الدفعة الأولى التي قُدِّمت على القروض السكنية الصينية في عام 2016 كان في المتوسط 40 في المائة.
على الرغم من الاختلافات بينهما، إلا أن جانبي النقاش يتفقان في الأغلب على أن الانهيار الصريح لسوق الإسكان أمر غير مرجح. لدى المدخرين الصينيين خيارات قليلة بشأن استثمار أموالهم. سوق البورصة متقلبة، والعوائد على ودائع المصارف ضئيلة، والضوابط على العملات الأجنبية تحول إلى حد كبير دون شراء الأصول الأجنبية. لذلك الإسكان هو أقل الخيارات سوءا من وجهة نظر كثير من المستثمرين.
الجمع بين الضوابط الرأسمالية وسنوات من التحفيز النقدي يضمن من الناحية العملية أن "السيولة الحبيسة" ستذهب عبر فئات أصول مختلفة، ما يوجد أوضاعا شبيهة بالفقاعة، وهي أوضاع إما أن الحكومة تشجعها وإما أنها تعاني في سبيل احتوائها.
مع ذلك، بالنظر إلى الألم الذي يمكن أن ينشأ من حدوث تحول مفاجئ في السياسة، يتوقع المحللون على نطاق واسع أن بكين ستستمر في نهجها الحالي، بحيث يتم تشديد الضوابط حين تشتد وتيرة السوق فوق الحد، وفي الوقت نفسه تزويدها بالسيولة حين تتباطأ بصورة حادة فوق الحد. يقول دينج "عند هذه المرحلة، يدرك الجميع أن الحكومة لا تعتزم في الواقع تشديد القبضة على سوق الإسكان".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES