Author

محركات «الرؤية» .. والخطط المهنية الشخصية

|
"نيوم"، وجزر البحر الأحمر، والقدية، ومدن الطاقة الشمسية، القائمة طويلة، والقادم أكثر إبهارا. السؤال المصيري لن يكون عن نجاح هذه المشاريع ولا عن القادم من مثيلاتها وإنما عن استعدادنا الشخصي لمواءمة هذه التطورات. كما يستشرف الاستراتيجيون مستقبل التنمية، فالفرد مسؤول كذلك عن استشراف مستقبله المهني. وهذا يعني إعداد خطة مهنية شخصية ملائمة لهذه التغيرات. بل إن الاستعداد الشخصي محدد رئيس لنجاح هذه المشاريع العملاقة. وليس هناك أكثر وضوحا من عبارات ولي العهد نحو: "أنا واحد من 20 مليونا.. بهم سننجح". تقاعس الأفراد عن تجهيز وتعديل خططهم المهنية بمتطلبات التغيير التنموي الحاصل من أكبر تحديات تنفيذ وإدارة المشاريع الكبرى. يتم التغلب على هذا التحدي بزيادة عدد الخطط الشخصية المتفقة مع الظروف من حولها، وتحسين جودتها. كيف إذا لم تتم المواءمة بين الخطط المهنية الشخصية وبين محركات الرؤية؟ أعتقد أن هناك عددا من الخطوات التي تتأثر بمصدرين رئيسين للفهم، الأول، استيعابنا للاحتياجات المهنية القادمة في البرامج التنموية، والآخر، قدرتنا على القيام بالتخطيط المهني بشكل سليم. سأذكر بعض الأمثلة. بمتابعة خطة البرامج المعلنة لأحد أهم محركات "الرؤية" وهو صندوق الاستثمارات العامة في ثوبه الجديد، نجد أن الصندوق يعلن عن استراتيجيته بشكل واضح، ومن ذلك استهدافه المعلن لتأسيس شركات لإطلاق القطاعات الجديدة وتنميتها. وبالفعل بدأ العمل في تسعة قطاعات تشمل الصناعات العسكرية والتحول الصناعي والترفيه والتجارة الإلكترونية والتمويل العقاري وإعادة التدوير وكفاءة الطاقة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة والسفر والسياحة. ونحن هنا لا نتحدث عن اختيار الطالب لتخصصه في مجال مقارب فقط، وإنما العمل على استيعاب خصوصيات ما نختار من هذه المجالات بالحصول على خبرة مناسبة وتعليم جيد وبناء مدروس للمهارات وفق خطة شخصية تمكن من تعظيم النتائج حين تتجسد الفرص. وبالنظر إلى محفظة الصندوق المحلية التي تشكل فيها على سبيل المثال شركات الاتصالات والبتروكيماويات ما يقارب 60 في المائة، نجد أن الصندوق يحدد مكامن الفرص في هذه الاستثمارات، مثل التوسع في إنتاج المشتقات والاستفادة من المواد الخام البديل كالغاز المسال. وفي الاتصالات تحويل السعودية إلى مركز للتقنية والابتكار من خلال توطين التقنية والمعرفة والقدرات في قطاعات مثل الخدمات السحابية وتحليلات البيانات والأمن الإلكتروني. ومعلومات مثل هذه تجدد الثقة في تخصصات ظن البعض أنها ركدت خلال العقدين الأخيرين مثل هندسة الكيمياء والاتصالات، ويبعث النشاط نحو تطبيقات جديدة مثل الإدارة الرشيقة والبيانات الكبرى والتنقيب عن البيانات. ولا يخفى على أحد أن حراكا تنمويا مثل هذا يتطلب ثورة في القدرات المساندة المتخصصة كالاتصالات والتسويق والمحاسبة والقانون، وهذا باب كبير مفتوح على مصراعيه للباحثين عن التميز المهني. وهكذا، يشكل الفهم الجيد للتوجهات الوطنية دافعا واضحا للتحركات الشخصية، وذلك بعكس الاستراتيجيات الكبرى في الخطط الشخصية. بعد أن يستوعب الفرد سياق التطور من حوله يتوجب عليه العمل على خطته المهنية. وهنا يعود إلى محركه الشخصي فيكتشف ذاته ويحدد أهدافه ويتعرف إلى خياراته ويقرر ويبدأ في العمل ثم يراجع ويحسن. يستهين البعض بقيمة هذه الخطوات البسيطة فيتجاوزها معتقدا أنه يعرف نفسه، ولاحقا يكتشف أنه لا يعرفها حين تزعجه تناقضات المعايشة والنتائج إذا بدأ في العمل. بعضنا يعتقد أن شغفه مجرد سر يبحث عنه لكنه لا يجده، ولا يعلم أن الشغف قد يكون اهتماما يبدأ بإعجاب وينتهي بتمسك وتماسك وارتباطات إيجابية تعمل وكأنها تحفز نفسها بنفسها. تخدمنا خطة العمل وتحسن أداءنا في جانبين مهمين: الابتعاد عن العشوائية والصدف، والاستفادة من السياقات والفرص. خطة العمل مجرد أداة قابلة للتطوير وليست دستورا يصعب تعديله إلا أن قيمتها استثنائية، إذ تعظم من فرص النجاح والارتباط الإيجابي بشكل عظيم. عندما يتمكن الفرد من التنسيق والمواءمة بين محركات النمو من حوله ومحركاته الشخصية، تنطلق الحركة بشكل إيجابي ويتحقق الأداء المطلوب ـــ بإذن الله.
إنشرها