المشراق

القصيدة الذهبية.. معلقة تشرح حياة البادية

القصيدة الذهبية.. معلقة تشرح حياة البادية

لبيد بن ربيعة شاعر فحل من أصحاب المعلقات، عاش في الجاهلية وكان شريفا جوادا شجاعا وقد أدرك الإسلام وأسلم، وعمر طويلا حتى مات عام 41هـ. وأكثر شعره قاله قبل الإسلام، وهو شاعر بدوي يصف في شعره حياة البادية والصحراء، ولا سيما في معلقته.
وقد حازت معلقته إعجاب النقاد، وانتشرت بين العرب قديما، كما كتبت عنها دراسات عديدة بعدة لغات، ومما كتب عنها كتاب بعنوان "القصيدة الذهبية" للدكتور وليم بولك. وعن الكتاب يقول الدكتور عبدالرحمن السعيد: "هذا كتاب فريد من نوعه، وهو يتعلق بمعلقة لبيد بن ربيعة العامري، ومطلعها:
عفت الديار محلها فمقامها
بمنى تأبد غولها فرجامها
وقصة هذا الكتاب أن "وليم بولك" أستاذ التأريخ في جامعة "هارفرد" الأمريكية أعجب بهذه القصيدة وبصورها البيانية، فعمد إلى كل بيت من أبيات القصيدة ووضعه بخط عريض ومعه ترجمة لمعنى البيت في الأعلى باللغة الإنجليزية، وهناك بعض الشروح وفي الصفحة المقابلة صورة تعبر عن معنى البيت. وهذه الصور باللونين الأبيض والأسود وهي مأخوذة من الجزيرة العربية. وقد حرص على أن تكون الصورة معبرة عن معاني الأبيات؛ لكن هذا المستشرق وقع في بعض الأخطاء المجازية حيث وضع صورا لمعان حسية، والشاعر إنما قصد المعنى المجازي؛ فمن ذلك قول لبيد:
فبنى لنا بيتا رفيعا سمكُهُ
فسما إليه كهلُها وغلامُها
فقد وضع المؤلف صورة سقف بيت يعتمد على جذوع الأثل. والشاعر إنما قصد بيت الرفعة والمنزلة بين الناس. ومن ذلك قول لبيد:
أولم تكن تدري نوارُ بأنني
وَصَّال عقدِ حبائل جَذَّامُها
حيث وضع المؤلف صورة لحبال معقودة. والشاعر إنما قصد أنه قوي مكين فيصل من شاء بقوته، ويترك من شاء بقوته، فهو ليس ضعيفا لا يستطيع الوصال مع الآخرين متى ما شاء، أو ترك الآخرين متى ما شاء. وهذا دليل على أن المعاني المجازية يصعب على غير العربي فمهما إلا بعد طول مراس لهذه اللغة.
كتب المؤلف في مقدمة الكتاب سبب تأليف الكتاب واصفا لبيد بن ربيعة: "وإنما نكرم شاعرا من شعراء الإنسانية". وشكر المؤلف الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، والملك حسين ملك الأردن على ما قدماه من تسهيلات له ولقافلته، وشكر ــ أيضا ــ بعض الأشخاص الذين ساعدوه في الترجمة. ثم بعد ذلك سطر مقدمة عن القصيدة تعرض فيها للشاعر في العصر الجاهلي ومكانته، ثم رصد وصفا للطبيعية الجغرافية للجزيرة العربية، ثم عن طبائع البدوي، ثم عن بعض معارف العرب. ثم تحدث عن القصائد العربية بقوله: "فكل القصائد العربية العظيمة تلتزم نهجا كان قد بلغ درجة عالية من الإحكام قبل نظم أقدم القصائد التي أثرت عن العرب الأقدمين". ثم عرض موجزا لما تضمنته المعلقة من معان وأفكار، ثم تحدث عن مشكلة الترجمة، وعرض لبعض المستشرقين الذين أخطأوا في فهم دلالات الألفاظ، متعرضا إلى بعض خصائص اللغة العربية. وفي المقدمة بعض المغالطات مثل قول المؤلف: "وكان أعلام الشعر أهل حضر، صلتهم بالبادية وسكانها واهية، فكانوا يكادون لا يفهمون حياة أهل البادية ويرونهم همجا جفاة، تشكل وحشيتهم الفظة خطرا يتهدد الحضارة. ومع ذلك كان أهل الحضر يعترفون لأهل البادية بمزية تفردهم. كانوا يعتقدون ــ مخطئين ــ أن البدو يتكلمون العربية الفصحى في صورتها الخالصة. كما اعتقد العلماء المسلمون الطيبون في العصور الوسطى ــ خطأ ــ أن القرآن مكتوب بنفس اللهجة المحلية مثل الشعر الجاهلي". وهذا كلام يصدر من شخص لا يعرف كلام العرب، ولا يعرف أهل العلم بالعربية! فكيف تكون صلتهم بالبادية ضعيفة وأبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، والأصمعي، والمفضل الضبي، وأبو عمرو الشيباني، وغيرهم كثير، أفنوا أعمارهم في صحراء الجزيرة بين العرب يتلقفون عنهم اللغة والشعر؟! ثم إن علماء الإسلام أفهم لمعاني القرآن وألفاظه من مستشرق أمريكي في القرن الـ 21 لا يعرف التفريق بين المعاني الحقيقة والمجازية... يقع الكتاب في 243 صفحة، منها 29 صفحة مقدمة باللغة الإنجليزية، و177 صفحة لنص القصيدة مع الصور، و37 صفحة مقدمة باللغة العربية، تتضمن ترجمة للمقدمة الإنجليزية. والكتاب من منشورات المجمع الثقافي في أبو ظبي، ولم تذكر سنة النشر.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق