«عبي بـ 10 كهربا»

خلال الفترة الأخيرة احتل موضوع السيارات الكهربائية حيزا كبيرا في وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي. الحقيقة أن هذا الزخم الإعلامي الكبير والمركز جذب انتباهي بشدة وأجبرني على متابعة هذا الموضوع وأبعاده المختلفة باستفاضة. جاء اهتمامي بهذا الموضوع لثلاثة أسباب رئيسة؛ أولها أنني من دولة يشكل النفط جل إيراداتها، ثانيها أنني مواطن قضى سنوات من عمره بين آبار النفط، حيث أصبح بيني وبين هذا النفط علاقة تواشجية وانتماء عاطفي يحول بيني وبين تقبل أي منافس له. السبب الثالث سؤال "مستفز" جاء في إحدى الصحف الأمريكية نصه "هل تهوي ثورة السيارات الكهربائية بأسعار النفط لمستوى عشرة دولارات للبرميل؟".
بما أن العاطفة غير مجدية، فتحكيم العقل واستشراف المستقبل اعتمادا على لغة الأرقام هو السبيل الأجدى والأنفع فيما يخص موضوع السيارات الكهربائية وأثرها المحتمل في مستقبل الطلب على النفط وأسعاره. بدأت رحلتي الاستكشافية في البحث عن عدد المركبات المتوقع في العالم بحلول عام 2040 فوجدت، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أنها من المتوقع أن تصل إلى ملياري مركبة. ووجدت أن عدد السيارات الكهربائية في العالم في عام 2016 وصل إلى مليوني سيارة مقارنة بما يقارب 1.3 مليون سيارة في عام 2015. يأتي ذلك بزيادة 700 ألف سيارة أو ما يعادل 53.84 في المائة‏ على عددها في عام 2015. لا شك أنها قفزة كبيرة في إنتاج السيارات الكهربائية بين هذين العامين خصوصا إذا ما علمنا أن عدد السيارات الكهربائية في عام 2011 لم يصل إلى 100 ألف سيارة! وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أيضا أن مبيعات السيارات الكهربائية في جميع دول العالم باستثناء دول منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي لن تتجاوز 5 في المائة من مجمل المبيعات في عام 2040. حيث تشكل المركبات التي تعمل بالبنزين والديزل نحو 75 في المائة من المبيعات في العام ذاته. التوقع الذي فاجأني وقد يفاجئ غيري أنه حتى في دول منظمة التعاون والتنمية ستشكل مبيعات المركبات التي تعمل بالبنزين والديزل في عام 2040 نحو 62 في المائة من مجمل المبيعات!
إضافة إلى ما سبق من أرقام، لفت انتباهي أيضا خبر إحدى الشركات الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية التي سرحت المئات من موظفيها بسبب ضعف الأداء وعدم تحقيق العدد المطلوب مما خططت الشركة لإنتاجه. هذا مؤشر واضح أن هناك تحديات كبيرة تواجه وستواجه هذه الصناعة ونموها والحديث يطول في ذلك. أعتقد من وجهة نظر شخصية أن هناك مبالغة كبيرة حول هذه الصناعة تشبه إلى حد كبير المبالغة والزخم الإعلامي الذي صاحب صناعة النفط الصخري. لكن كما ذكرت سابقا هذا لا يعني أن نهمشهما وننكر وجودهما نهائيا، بل يجب أن نتابع من كثب التطور التقني وتطور كفاءة الإنتاج اللذين سيصاحبانهما بدقة وبنظرة "سعودية" لمعرفة الآثار الناتجة عن ذلك وانعكاساتها على الطلب النفطي ليتم التعامل معهما بمرونة وبلا مفاجآت.
ختاما، وبعد رحلة الأرقام السابقة، لا أخفيكم أنني تنفست الصعداء واطمأننت "نوعا ما" على مستقبل الطلب على النفط على المديين القصير والمتوسط على أقل تقدير، وأظن والعلم عند الله أننا لن نستخدم عبارة "صديق عبي بـ10 كهربا" خلال 25 سنة قادمة كأقل تقدير توصلت إلى أن هناك مبالغة أيضا من كثير من شركات تصنيع السيارات وأنها ستتوقف نهائيا عن تصنيع السيارات التي تعمل بالوقود قريبا! وكما قيل أن الشيء بالشيء يذكر، أتمنى في المقابل أن نتوقف قريبا عن استخدام عبارة "صديق عبي بـ10 بنزين" بحيث تصبح محطات الوقود لدينا ذاتية الخدمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي