الأسهم .. مخاطر الانهيار تطل مع الذكرى الـ30 لـ«الإثنين الأسود»

الأسهم .. مخاطر الانهيار تطل مع الذكرى الـ30 لـ«الإثنين الأسود»

يتذكر آرت كاشين الأجواء المحمومة التي هيمنت على بورصة نيويورك خلال معظم عام 1987. بعد خمسة أو ستة أيام متتالية من الارتفاع في السوق، كان كبار الشركاء في مكاتب التداول التابع لشركات الوساطة يرشدون الشركاء الصغار (المتداولين) إلى "التخفيف بعض الشيء"، بحسب كاشين. "عندما فعلوا ذلك، ذهبت السوق إلى أعلى من قبل".
يقول كاشين، مدير عمليات قاعة التداول في شركة يو بي إس للخدمات المالية في بورصة نيويورك، الذي بدأ العمل في "قاعة التداول" موظفا مكتبيا مساعدا في عام 1959، مباشرة من المدرسة الثانوية: "كانت السوق في عام 1987 بلا رحمة. مع الأسف هناك بعض أوجه التشابه (مع الوضع الحالي). ويذكرني هذا قليلا بما رأيناه هذا العام".
لم يكن لدى مخضرمي السوق، مثل كاشين، أي نقص في حكايات المعارك في وول ستريت، لكنها لا تعد شيئا قياسا بأحداث 19 تشرين الأول (أكتوبر) 1987، عندما هوت الأسهم الأمريكية أكثر من 20 في المائة - أكبر انهيار لها على الإطلاق في يوم واحد – ما أدى إلى ولادة الحدث الذي أصبح يعرف باسم "الإثنين الأسود".
لكن مع حلول الذكرى الـ 30 يوم الخميس الماضي، المقارنات مع السوق اليوم هي أكثر من مجرد فضول. مع تسجيل الأسهم الأمريكية ارتفاعات متواصلة تقريبا لأكثر من ثماني سنوات، معززة بفيضان من المال الرخيص، فإن احتمال حدوث مفاجأة سيئة أخرى يخيم على السوق.
يقول كاشين: "يواصل الناس فقط شراء الأسهم المنخفضة وتتبع المال. عندما تفعل هذا لأكثر من 50 عاما، وعندما ترى تلك التشابهات، تقول حين حدث هذا آخر مرة النتيجة كانت سيئة".
لا توجد حقبتان متشابهتان في السوق، لكن عقلية "الشراء عند انخفاض الأسعار" - وهو شيء أقوى من أي وقت مضى في وول ستريت هذا العام - هو واحد فقط من عدد من أوجه التشابه اللافتة للنظر مع عام 1987. مع بلوغ سلسلة من الأرقام القياسية الجديدة في كل وقت، باتت التقييمات الآن فوق مستوياتها الحقيقية.
الآن، كما في ذلك الوقت، الولايات المتحدة منخرطة في قعقعة السيوف مع أعداء أجانب، بما في ذلك إيران. ويمكن أن تؤدي استراتيجيات التداول المصممة لحماية المستثمرين إلى تفاقم أي تصحيح، تماما مثلما حدث في عام 1987، في حين أن الأجهزة التنظيمية قد تكون في وضع غير مؤهل لمراقبة المخاطر، مثلما كان حالها في ذلك الزمان.
يقول روب أرنوت، من "ريسيرتش أفيلييتس" والخبير الاستراتيجي العالمي للأسهم في "سالومون براذرز" في عام 1987: "هناك أوجه تشابه. الكثير منها"، على الرغم من أنه لا يتوقع حدوث اضطراب حاد في السوق في المستقبل القريب.
أكبر النذر التي توحي بالخطر وأكثرها وضوحا هي أن الأسهم الأمريكية تبدو مكلفة تاريخيا. نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة دوريا، بحسب روبرت شيلر، أستاذ الاقتصاد في جامعة ييل، بلغت مستويات لم تتجاوزها إلا مستويات الذروة قبل انفجار فقاعة الدوت كوم في عام 2000 والانهيار الاقتصادي الكبير في عام 1929.
يقول أرنوت: "نحن في صحبة أمور تبعث على القلق ولا نرتاح لأن تكون معنا".

تفاقم الانهيار

يوم "الإثنين الأسود" لم يدر فقط حول التقييمات. بل إنه حتى لم يكن بداية لسوق هابطة. فعلى عكس انهياري 1929 و2000، الأسهم انتعشت بعد أكثر من عام بقليل.
بدلا من ذلك رأى كثير من المراقبين أنه حادث فني عنيف. ويعتمد التفسير الأكثر شعبية على "تأمين المحافظ" التي استخدمت مبيعات العقود الآجلة في محاولة للحد من الأضرار التي لحقت بمحافظ المستثمرين في عملية البيع المكثف.
استخدمت الاستراتيجية برامج كمبيوتر بدائية سريعة التغير تبيع العقود الآجلة للمؤشرات تلقائيا عندما تتراجع الأسواق، نظريا بهدف حماية الجانب السلبي للصندوق في مقابل قسط متواضع. وعندما انهارت الأسواق في 19 تشرين الأول (أكتوبر)، أدى بيع المزيد والمزيد من العقود الآجلة للمؤشر إلى تحويل الانهيار إلى مجزرة.
في حين أن حجم التراجع في يوم الإثنين الأسود ربما لا يتم تكراره أبدا – توجد الآن ضوابط لإيقاف التداول في أوقات الانخفاض الحاد والتدخل الرسمي محتمل – إلا أن بعض الناس يحذرون من المخاطر الكامنة في استراتيجيات التحوط الحديثة.
وعلى الرغم من أن التطورات في القدرة الحاسوبية تتيح الفرصة لاستراتيجيات اختبارات التداول استنادا إلى البيانات التاريخية، لا يزال من الصعب معرفة ما إذا كانت التحوطات يمكن أن تسهم في حالة تفكك واسعة للتداولات.
مثلا، يمكن لأداة إدارة المخاطر الشائعة على نحو متزايدة التي تسمى "السيطرة على التقلب" أن تحاكي نظريا حلقة التغذية الراجعة التي يسببها التأمين على المحفظة. يقول هاين ليلاند، أستاذ العلوم المالية ورائد في مجال تأمين المحافظ في الثمانينيات: "الاستراتيجيات التي تقوم بالشراء عند ارتفاع قيمة الأسهم في الأسواق، والبيع عند انخفاضها متشابهة في طبيعتها".
وتستهدف هذه الصناديق مستوى معينا من التقلبات للحفاظ على مستوى ثابت من المخاطر - وهو عادة ما يكون سمة مباشرة لمقدار تذبذبها. إذا كانت الأسواق متأرجحة، فإنها ستبيع بشكل منهجي بشكل يخفض الأسعار إلى ما دون هدفها. وقد ظل مؤشر التقلبات "فيكس"، وهو مقياس التقلبات على المدى القصير في بورصة شيكاغو، (المتضمن في أسعار الخيارات في مؤشر ستاندرد آند بورز 500)، يحوم بالقرب من مستويات متدنية في السنوات الأخيرة.
إذا كان هناك ما يكفي من المال في صناديق "السيطرة على التقلبات" - تراوح بين الحسابات السنوية المتغيرة في شركات التأمين وصناديق التحوط المتتبعة للاتجاه – عندها فإن البيع الآلي المدرج في النظام يمكن أن يصب النار على زيت قابل للاشتعال بالأصل.
يقول دين كورنوت، الرئيس التنفيذي لـ "ماكرو ريسك أدفيسرس": "لا أعتقد أنه حادث قيد الانتظار، لكنه شيء يجدر بنا أن نراقبه". ويضيف: "الأمر يتطلب صدمة كبيرة للمزاج العام كي يبدأ في أن يصبح أمرا مهما، لكن لاحظ أن هذه الأمور يمكن أن تتغذى على بعضها بعضا".
من الصعب الحصول على أرقام دقيقة، لكن وفقا لـ "دويتشه بانك" و"جيه بي مورجان"، هناك نحو تريليون دولار من الأموال التي ضمنت نوعا من آلية "التحكم في التقلبات".
ومن الشواغل ذات الصلة، لكن المنفصلة، الاهتمام المتزايد بـ "بيع التقلبات" أو الرهان بأن التقلب سيبقى واهنا - وهو ما ثبت أنه مربح بشكل هائل منذ الأزمة المالية العالمية، ما دفع المال إلى التدفق إلى صناديق الاستثمار المتداولة الشعبية التي توفر للمستثمرين بالتجزئة طريقة نظيفة للمراهنة على الهدوء.
ومع ذلك، يمكن أن يؤدي بيع التقلب إلى خسائر في السوق، مثل صناديق التأمين على الأموال وصناديق التحكم في التقلب. وسيجد المستثمرون أنفسهم عالقين بالطريقة الخاطئة، إذا كان لحالات ارتفاع التقلبات أن تتحوط عن نفسها عن طريق بيع العقود الآجلة للمؤشر، ما يؤدي إلى تفاقم التصحيح ودفع التقلب إلى أعلى مرة أخرى.
يقول ديفيد هاردينج، رئيس "وينتون كابيتال مانجمنت"، وهو صندوق تحوط كمي كبير: "كلما رأيت استراتيجيات منتشرة تبيع تلقائيا في سوق متدنية الأسعار، فإن ذلك تذكرة بتأمين المحافظ". قلة من الناس في سوق اليوم يتذكرون دروس عام 1987. "الناس يتمادون في الإيمان الذاتي وتنقصهم الخبرة".
في هذه الأيام يخشى البروفيسور ليلاند من أن التأمين على المحافظ "يعمل في الخفاء". وقد تدخلت المصارف وصناديق التحوط لبيع منتجات حماية المحافظ إلى السوق.
يقول: "القلق الحقيقي هو أن هذه المصارف تتضافر في التحرك في الاتجاه نفسه"، مضيفا أنه ينبغي نشر الإحصائيات حول التحوط الكلي. ويتابع "الأجهزة التنظيمية تركز على ما إذا كانت المصارف الفردية على ما يرام، بدلا من تأثيرها الجماعي على السوق".
ويتعلق عامل الخطر الآخر بهيكل السوق. سوق اليوم قد تكون أكثر تطورا وأتمتة، لكن لم تختبر العناصر الرئيسية فيها إلى حد كبير مثلما جرى خلال ثلاثة عقود مضت. كما أن فئات جديدة من الأوراق المالية، ولا سيما صناديق الاستثمار المتداولة التي تسيطر الآن على أكثر من أربعة تريليونات دولار من الأصول، تلعب دورا كبيرا على نحو متزايد في التداولات، لكنها لم تمر بعد بأزمة.
وهناك قلق دائم من أن نوبة البيع المحمومة، ولا سيما في صناديق الاستثمار المتداولة المرتبطة بمؤشر سندات أقل سيولة، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم خسائر السوق. وتدعي صناعة صناديق الاستثمار المتداولة أن هذه الأدوات تعكس فقط حالات الارتفاع أو الانخفاض في السوق، بدلا من تحفيزها.
سوق اليوم أيضا مجزأة أكثر بكثير مما كان عليه الحال في السابق. فقد تم تحطيم الاحتكار الذي كان يتمتع به كاشين وغيره من المتداولين في بورصة نيويورك، حيث تتم معظم عمليات التداول بالأسهم إلكترونيا، وفي كثير من الأحيان مع الحد الأدنى من التدخل البشري. ويتم تشغيل السوق الآن من قبل نحو 12 من البورصات الوطنية المسجلة، و40 وسيطا / وكيلا يديرون أماكن التداول وأنظمة التداول الأخرى.
يقول لازلو بيرينيي، مؤسس شركة بيرينيي أسوشييتس، الذي رأى يوم الإثنين الأسود وهو يتكشف أمام عينيه في غرفة التداول في "سالومون براذرز": "قلقي الأكبر عدم وجود سوق مركزية".
ويضيف: "في ذلك الوقت كان الأمر مثيرا للقلق إلى حد مذهل، لكن كان يمكننا أن نرى ما كان يحدث. ما يثير قلقلي اليوم هو أنه في كثير من الأحيان لا يمكننا أن نرى ما يحدث. هناك الكثير من الأماكن، والإبلاغ أكثر صعوبة بكثير. نحن لا نعرف ما يحدث في مجاميع الأموال المعتمة أو في مكاتب التداول الداخلية".

نشوة السوق

مع ذلك هناك أيضا اختلافات كبيرة بين الوضع الحالي وعام 1987، ما يوفر عازلا يقي السوق من حادث آخر. من بين أبرز أوجه التقابل المستوى المنخفض لأسعار الفائدة. قبل أسبوعين من انهيار الأسعار عام 1987، نقل عن جيريمي جرانثام، مؤسس مجموعة GMO لإدارة الصناديق في بوسطن، قوله على غلاف نشرة إعلامية: "شراء السندات بنسبة 10.3 في المائة وبيع الأسهم يكاد يكون شيئا مجانيا".
وهو يلاحظ أن الوضع الآن مع السندات "مختلف بشكل هائل. ما هي المنافسة التي لدينا الآن (للأسهم)؟ ستكون محظوظا إذا كنت تحصل على أي عائد حقيقي في السندات طويلة الأجل".
على عكس العقود الثلاثة الماضية، من غير المرجح أن يشعر المستثمرون الأمريكيون اليوم بالصدمة من الأحداث الحاصلة على الجانب الآخر من العالم. انخفضت السوق الأمريكية إلى أدنى مستوى لها يوم "الإثنين الأسود" بعد بيع كبير في آسيا ومن ثم أوروبا، ما تعد واحدة من أولى عمليات البيع المكثف العالمية. في لندن، حيث هبطت أسعار الأسهم حتى قبل بدء التداول في وول ستريت، ظن كثيرون أن إعصار غريبا ضرب جنوب شرقي إنجلترا يوم الجمعة السابق على ذلك، هو الذي أثار البيع.
صحيح أن الأسواق أكثر ارتباطا الآن، لكن تدفق المعلومات أسرع بكثير. يقول كيني بولكاري، مدير شركة أونيل للأوراق المالية، وكان متداولا حديث العهد عمره 26 عاما في قاعة بورصة نيويورك عام 1987، إنه لم يكن على دراية بإراقة الدماء في جميع أنحاء العالم حتى اتصل به أحد الأصدقاء من داخل قاعة البورصة في الساعة السابعة صباحا.
يقول: "تناولت الصحيفة في ذلك الصباح وكانت فيها أخبار تفيد بما حدث يوم الجمعة. في الوقت نفسه، كان هناك خراب حصل يوم الإثنين في آسيا". الآن يوجد عدد لا يحصى من المواقع الجديدة، أو رسائل البريد الإلكتروني، أو النصوص، أو التنبيهات، أو التغريدات التي تتيح للمستثمرين والمتداولين معرفة ما يحدث، غالبا في الوقت الحقيقي.
حتى المتشككين في السوق، الذين اعتقد كثير منهم أن أسعار الأسهم يمكن أن تبدأ في الانخفاض، يتشككون في أن عملية بيع مكثف أخرى في الأسهم قد تكون وشيكة. ينبع هذا الرأي جزئيا من الاعتقاد بأن الإفراط في الثقة أمر غير موجود حاليا. يقول جرانثام: "لا أعتقد أن السوق تحمل الصفات المعروفة للفقاعة، وهي النشوة. إنها مقارنة غريبة جدا بالنشوة ذات الطراز القديم، حيث يشتري الناس البيوت لأن أسعارها دائما ما ترتفع، أو أسهم شركات التكنولوجيا في عام 2000. لا توجد أي من هذه السمات حاليا". أحد الأسباب قد يكون في أن البشر ربما تعلموا درسا ما من الماضي القريب. معظم المتداولين اليوم على علم بما حدث يوم الإثنين الأسود، وتعرض الكثير منهم للأذى بسبب الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008. على الرغم من أن السوق تواصل اندفاعها، إلا أن من المعتاد أن توصف بأنها أبغض سوق تفاؤلية في التاريخ.
وفقا لتوبياس ليفكوفيتش، كبير الخبراء الاستراتيجيين للأسهم الأمريكية في شركة سيتي للبحوث، وهو مخضرم آخر شهد يوم الإثنين الأسود: "لا توجد تلك المجموعة المتحمسة من الناس الذين يشعرون بأن العالم هو بيتهم الخاص. لا يزال أغلبية المستثمرين مترددون ويشعرون بالحذر من مصدر الخوف المقبل".

الأكثر قراءة