تطوير القضاء من أين يبدأ؟ «1»

كتبت كثيرا عن هذا الموضوع، وسبق أن شاركت في دراسة تطوير القضاء المقدمة إلى منتدى الرياض الاقتصادي، وقمت كذلك بتقديمها آنذاك، وأود أن أوجز أهم النقاط الملحة حول تطوير القضاء.
أي تطوير للجهاز القضائي يجب أن يقوم على خمس ركائز أساسية وهي بداية من تأهيل واختيار القضاة ومعاونيهم، الوضع التشريعي للقضاء وأنظمته، هيكلة الجهاز القضائي، حوكمة القضاء وتعزيز الشفافية والرقابة وكل مبادئ الحوكمة، وأخيرا الإدارة القضائية الحديثة والكفاءة. وسأتحدث عن هذه الركائز الخمس من خلال سلسلة مقالات ـــ بإذن الله ــــ.
وعندما أود الحديث عن الركيزة الأولى، وهي تأهيل واختيار الكوادر القضائية فإنه يجب التأكيد على أن الكوادر البشرية هي في النهاية من تقوم بالعمل وتؤديه، وعدم التركيز على هذا الجانب يؤدي بلا شك إلى إهمال أحد أهم عوامل التحديث.
السؤال: ما الآلية التي من خلالها يتم اختيار القاضي؟ وهل هي شفافة ومعروفة لجميع المتقدمين؟ وهل هناك جهة مستقلة مسؤولة عن هذا العمل المهم؟ كل هذه الأسئلة يجب أن تتحقق لضمان أن يكون الاختيار كفئا وفعالا وعادلا، كما أن التأهيل الذي ينص عليه نظام القضاء أصبح اليوم قديما، فلم يعد كافيا التأهيل الذي يحصل عليه خريجو الشريعة فقط كافيا، فاليوم أصبحت البيئة النظامية أكثر تطورا وتعقيدا، ما يوجب أن يكون القاضي ملما بقواعد القانون الحديثة التي من خلالها يمكن التعامل مع الأنظمة وتفسيرها وتطبيقها، بينما نجد أنه لا يدرس خريج الشريعة حتى مجرد مقدمة عن النظام الأساسي للحكم حتى، فضلا عن غيره من الأنظمة والأبواب القانونية.
لم يعد مقبولا اليوم إطلاقا تجاهل أهمية دراسة القانون للقاضي، فهي أهم أداة يستخدمها لفهم الأنظمة وتفسيرها، ولم يعد مقبولا أن يفسر ويحكم في قضايا تجارية معقدة ومركبة من جملة قواعد قانونية بحتة (لا تخالف الشريعة بالتأكيد) بينما لم يدرس أساسيات القانون التجاري والمدني وقواعده بشكل واف، ولا شك لدي أن كثيرا من القضاة درسوا ذلك إما في دراسات عليا وإما باجتهادات شخصية؛ إلا أن هذا لا يكفي إطلاقا، فوجود فرد واحد دون تأهيل متخصص يكفي للاهتمام بإغلاق هذه النقطة ومعالجتها.
أعود للجهة التي ترشح وتختار القضاة، وقد كتبت الأسبوع الماضي عن هذا الأمر، وأؤكد أن مثل هذه الجهات يجب أن تكون مستقلة عن الجهاز القضائي مع تمثيل له فيها بالتأكيد، وذلك لضمان تطبيق مبادئ الحوكمة القضائية من الشفافية والكفاءة والمساواة وعدم تنازع المصالح وغيرها، كما أنه يجب الإفصاح عن المعايير التفصيلية لتأهيل القاضي واختياره، وأن يفتح التقديم لكل مواطن تنطبق عليه الشروط بكل شفافية وإفصاح. كما يجب التأكيد على ضرورة اعتماد اختبار مهني عملي لكل متقدم قبل ترشيحه للقضاء، ويكون هذا الاختبار شفافا وبمعايير عالمية تختبر الكفاءة والقدرة وليس مجرد حفظ المعلومات. كل هذه الأمور مهمة ويجب أن تكون من ضمن جدول تطوير القضاء.
وأخيرا؛ يجب أن أذكر أنه لا شك لدي أن هناك جهودا كبيرة من وزارة العدل نحو التطوير وأشكر لهم ذلك وأدعو لهم بالتوفيق، وأعتبر هذه مشاركة أرجو أنها مخلصة نحو خدمة الوطن.

المزيد من مقالات الرأي