FINANCIAL TIMES

مبررات توخي «الاحتياطي الفيدرالي» الحذر إزاء التشديد

مبررات توخي «الاحتياطي الفيدرالي» الحذر إزاء التشديد

هل ارتفاع التضخم يُشكّل تهديداً كبيراً على الانتعاش المستدام؟ الجواب المحتمل هو: لا. بيد أن الفكرة لم تعد سخيفة كما كانت عندما قال كيفين وارش، مُحافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي في ذلك الحين، أي في آذار (مارس) من عام 2010:"لا أعتقد أننا ينبغي أن نكون متهاونين بشأن مخاطر التضخم". هذا الحُكم الخاطئ يفترض به أن يجعل ترشيحه مستبعَدا.
(وارش مرشح الآن لمنصب رئيس البنك، خلفاً لجانيت يلين).
المهم هو أن الأوقات تغيّرت. هذا يُفسّر التزام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالتشديد التدريجي في السياسة النقدية. البنك المركزي الأوروبي ينوي سحب التحفيز.
السؤال هو ما إذا كانت دورة التشديد هذه ستكون سلسة أم وعرة. التضخم سيكون هو العامل المهم في هذا المقام.
حتى الساعة المعطلة ستكون صحيحة مرتين في اليوم. منذ أعوام والاقتصاديون النمساويون والمتفائلون بالسوق الصاعدة للذهب يحذّرون من ارتفاع وشيك في التضخم. ربما سيكونون على حق، أخيراً.
العواقب ستُحدِث اضطرابا كبيرا. إذا ارتفع التضخم فعلا بسرعة كبيرة، فيجب تشديد السياسة النقدية بشكل كبير.
وهذا من شأنه إثارة مخاوف الركود. علاوة على ذلك، حتى وإن لم ترتفع أسعار الفائدة الحقيقية على المدى الطويل، فإن علاوات الخطر على التضخم، وأسعار الفائدة المتوقعة على المدى القصير في المستقبل، وعوامل اللبس التي تحيط بأسعار الفائدة المتوقعة في المستقبل تلك سترتفع، ما يؤدي إلى زيادة العوائد على السندات التقليدية بشكل لا يستهان به.
كل هذا من شأنه الإضرار بأسواق الأصول المرتفعة وقد يُثير المخاوف بشأن استدامة الديون. في ظل اقتصاد عالمي لا يزال هشاً، النتائج ربما تكون بشعة.
قد يرى المرء حتى عودة إلى الركود التضخمي في السبعينيات، مع تضخم أقل بكثير، لكن هناك أيضاً مديونية أعلى بكثير.
تركيز الاهتمام يقع على الاحتياطي الفيدرالي. الولايات المتحدة لا تزال أهم اقتصاد في العالم ومجلس الاحتياطي الفيدرالي هو أهم بنك مركزي، في العالم.
الولايات المتحدة أيضاً متقدمة في عودتها إلى الظروف الاقتصادية الطبيعية أكثر بكثير من الاقتصادات الأخرى الكبيرة ذات الدخل المرتفع.
في خطاب حديث واضح، طرحت جانيت ييلين هذه القضايا. كما أظهرت أيضاً السبب في كونها، من بين المرشحين المعروفين لمنصب الرئيس التالي، باعتبارها المتفوقة.
لن يختار دونالد ترمب واحدا من الآخرين إلا إذا كان عازماً على تدمير مجلس الاحتياطي الفيدرالي بقدر عزمه على تدمير وزارة الخارجية ووكالات أخرى.
نقطة الانطلاق هي لغز: لماذا التضخم منخفض جداً في حين أن معدل البطالة هو منذ فترة أقل قليلاً من المستوى الذي يعتبره مجلس الاحتياطي الفيدرالي "العمالة الكاملة" (المعدل حيث ينبغي أن يبدأ عنده التضخم بالارتفاع بسرعة).
يُشير تحليل مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن ركود سوق العمل لم يعُد عاملاً نزوليا مهماً، في حين أن سلسلة من الصدمات النزولية المؤقتة أصبحت الآن من الماضي أيضاً. لذلك، يعتقد مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن التضخم سيتحرك نحو هدفه.
لماذا قد تكون وجهة النظر هذه خاطئة؟ أحد الاحتمالات هو أن هناك ركودا في سوق العمل أكثر مما يُشير إليه معدل البطالة.
نسبة التوظيف إلى السكان بالنسبة للذين تتراوح أعمارهم بين 25 و54 عاماً لا تزال أقل بكثير من الذروات الدورية السابقة. معدل العمالة بدوام جزئي مرتفع أيضاً نوعاً ما.
دراسة شاملة أجراها صندوق النقد الدولي في أحدث توقعاته الاقتصادية العالمية تُشير، على نطاق أوسع، إلى أنه "في حين أن العمالة بدوام جزئي غير الطوعية قد تكون ساعدت في دعم المشاركة في القوى العاملة وتسهيل مشاركة أقوى مع مكان العمل من البطالة البديلة، إلا أنه يبدو أيضاً أنها أضعفت نمو الأجور".
معظم المقاييس الأخرى التي تقيس الضغط في سوق العمل عادت إلى مستويات ما قبل الركود. لذلك حتى وإن تم احتواء نمو الأجور في الولايات المتحدة، هذا قد لا يدوم.
هناك عامل آخر هو توقعات التضخم. هذا يؤثر بطريقة إيجابية وسلبية. في الوقت الراهن، تلك التوقعات راسخة تماماً، ومصدر القلق الوحيد هو تراجع توقعات السوق للتضخم (أو مخاطر التضخم) لأكثر من خمسة أعوام من الآن.
مثل هذه التوقعات يمكن أن تنتقل إلى السلوك، ما يولد نبوءة التضخم المنخفض التي تتحقق ذاتياً. هذا من شأنه أن يكون قوة للتوازن مع أعراض ضغط سوق العمل. في مرحلة ما، الأخير يُمكن أن يتحوّل إلى أجور ترتفع بسرعة، ربما بمعدلات أعلى بكثير من تلك التي تتسق مع التضخم المستقر. وقد شهدنا هذا من قبل.
مع ذلك، في الوقت الحاضر، المخاطر لا تبدو كبيرة إلى هذه الدرجة. على أن هذه مسألة تتعلق بإدارة المخاطر.
قد يكون لدينا قليل من الشك في أن زيادة لا يستهان بها في التضخم إلى ما فوق الهدف ستُشكّل خطراً كبيراً.
ويبقى أن رفع الهدف في موقف من هذا القبيل من شأنه بالتأكيد تدمير الثقة بمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
من جهة أخرى، وفي محاولة تحقيق الهدف يُمكن لأسباب ذُكِرت آنفا، أن تكون مُدمّرة، ومن الممكن أن تدفع بالولايات المتحدة إلى ركود سيكون من الصعب الخروج منه. هذا سيكون صحيحا بشكل خاص إذا كان الضرر على آثار أسعار الأصول كبيراً وعاد كثير من الديون السيئة إلى الظهور.
في هذا السيناريو، يجب أن ترتفع أسعار الفائدة على المدى القصير على الأقل بشكل لا يستهان به، ما يمنح مجلس الاحتياطي الفيدرالي مجالاً للتخفيض أكبر مما لديه الآن.
إذا كان من شأن الارتفاع الكبير في التضخم أن يكون مدمرا، ستكون هذه هي حال التشديد السابق لأوانه، أو المفرط.
هذا يُمكن أن يؤدي إلى مزيد من التضخم المنخفض، ما يزيد من زعزعة التوقعات. وهذا قد يُضعف الاقتصاد كثيراً بحيث أنه، بالنظر إلى المجال الذي لا يزال محدوداً لخفض أسعار الفائدة، دون الدخول إلى المنطقة السلبية، سيكون من الصعب استعادة الطلب، دون الدخول إلى المنطقة السلبية.
بالدرجة الأولى، بعد صدمة الركود العظيم الكبيرة والمُزعزعة سياسياً، فترة طويلة من أسواق العمل القوية، ستكون أمراً مرغوباً به إلى حد كبير، بل وحتى شافية.
يجب أن يوازن مجلس الاحتياطي الفيدرالي بين التشديد بسرعة كبيرة فوق الحد وبطء كبير فوق الحد.
لا أحد يُمكن أن يكون متأكداً أنه أمر خاطئ الآن. أغلب ظني هو أن الارتفاع الكبير في التضخم هو أمر مستبعد جداً.
في المقابل، بمقدور مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يتروى مع اختبار قدرة الاقتصاد الأمريكي على توسيع العرض في الوقت نفسه، إلا أن المخاطر حقيقية على كلا الجانبين.
ولربما كان "الاحتياطي الفيدرالي" محقاً في التشديد قليلاً، لكن يجب أن يكون حريصاً على ألا يذهب بعيداً جداً.
لقد استطاع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يكتسب كثيرا من الصدقية بشأن التضخم. وأحيانا يتعين على المرء أن ينفق ما اكتسب. الوقت الحالي هو بالضبط الوقت المناسب لذلك.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES