في انتظار التطوير .. المكتبات العامة خاوية على «كتبها»

في انتظار التطوير .. المكتبات العامة خاوية على «كتبها»

"من أرادَ أن يتعظ ويزهد في الدنيا؛ فَلْيَزُر مقبرة أو مكتبة عامة؛ ففيهما تشعر بالوحشة والغربة".. بهذه الكلمات عبّر مثقفون عن حال المكتبات العامة، التي وصفت بأنها "خاوية على كتبها"، تبحث عن قراء يؤنسون مبانيها المقفرة.
ولعل هذا ما دفع وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام أخيراً إلى إطلاق وسم على "تويتر"، يدعو المثقفين إلى إطلاق العنان لمقترحاتهم، في إطار رحلة البحث عن قراء، وإحياء المكتبات العامة في المملكة.

80 ونيف
قيل في المكتبة "هنا حيث تُخفض أصوات الحناجر، وتعلو أصوات العقول"، تقول بيانات وزارة الثقافة والإعلام إن الممكة تحتضن أكثر من 80 مكتبة، العاصمة الرياض تضم أكبر عددٍ من المكتبات العامة، حيث تحتضن 29 مكتبة عامة، أما منطقة مكة المكرمة فتضم خمس مكتبات، ثم منطقة المدينة المنورة بعدد أربع مكتبات، ثم منطقة القصيم سبع مكتبات، فيما تضم المنطقة الشرقية تسع مكتبات عامة، وكذلك تضم منطقة عسير تسع مكتبات، وخمس مكتبات في حائل، وأربع مكتبات عامة في منطقة الجوف، وتحتضن منطقة تبوك ثلاث مكتبات، ومكتبتان في كل من منطقة الحدود الشمالية، جازان ونجران.
لكن بيانات الوزارة على الموقع الإلكتروني، تكشف بيانات أخرى دون أن تشير إلى مدة صدورها، أو حتى الفترة التي شملتها، من بين هذه البيانات عدد زوار المكتبات، الذي يزيد على 750 ألف زائر من طلاب المدارس والجامعات والعاملين في المجال التعليمي وآخرين، فيما يخدم هذه المكتبات أكثر من 1000 موظف، دون أن تكشف عن طبيعة اهتماماتهم، أو عدد الكتب المستعارة سنوياً.

خاوية على "كتبها"
في زيارة خاطفة لـ "الاقتصادية" على عدد من المكتبات العامة، يمكن القول إن المكتبات في غربة حقيقية، في ظل غياب شبه تام للقراء والباحثين والمثقفين.
"الغربة" التي تعيشها المكتبات تتطلب وقفة جادة، والاستفادة من تقنيات العصر الحديث، وإيجاد بيئة جاذبة للطفل، كي تحقق مكتباتنا الوطنية الهدف المنشود.
لكن غياب القراء يعد حالة عامة في العالم، ففي هولندا على وجه التحديد؛ انخفض عدد الكتب المعارة للقراء، حتى بلغ 68 مليون كتاب فقط، في بلد يحتضن 156 مكتبة، ويعتبر مواطنوه "فئران كتب".
فيما ابتكرت روسيا حلولاً لجعل المكتبات حية، في بلد يحتضن كل حي فيه مكتبة عامة.
من أساليب موسكو الجديدة التي ابتكرتها لاستقطاب القراء إقامة معارض متخصصة، وعرض أفلام سينمائية تسلط الضوء على التراث السينمائي الروسي والعالمي، كما ابتكرت زاوية للإسطوانات الموسيقية القديمة، مزودة بسماعات تعيد المستمع إلى زمن الطرب الجميل، في خطوة تهدف إلى إعادة الاعتبار للمكتبة، باعتبارها جزءاً من حياة الروس الذين لا يزالون يعتبرون من أكثر الأمم شغفاً بالقراءة.

متعة مكانية
نقل المكتبات إلى مبان جديدة، غير مستأجرة، بل مملوكة لوزارة الثقافة والإعلام، ذات طراز معماري حديث ومميز، هي أحد المقترحات والمطالب التي يضعها مثقفون أمام أصحاب القرار، في حين يرى آخرون ضرورة وضع لوحات إرشادية للمكتبات العامة في الطرق، وتغذية المكتبة بعناوين جديدة.
المكتبات العامة مثل الحدائق والمتنزهات، يجب أن تشعر القارئ بأنه في نزهة، من خلال تصميماتها وأثاثها، ويجب أيضاً أن تكون متناسقة، تمتّع الذائقة البصرية، محفزة على القراءة، أما المكتبات العالمية؛ فاختارت في تصميماتها الحديثة أن تجاورها حديقة، يجلس فيها القراء بكتبهم المستعارة، ليقضوا أمتع اللحظات.
وفي هذا الجانب، مكتبة القطيف العامة كان لها حضور مميز في مهرجان "اقرأ كتابك"، حيث منحت كتبها للأهالي لقراءتها على كورنيش القطيف، في فكرة ينتظر من مكتبات المدن والمحافظات الساحلية الاستفادة منها.

مقترحات بالجملة
لعل أكثر المطالب إلحاحاً هو أن يتوافق دوام المكتبات مع وقت فراغ الموظفين والطلاب، خصوصاً في الإجازات الأسبوعية والرسمية، وأن تتاح زيارة المكتبات حتى أوقات متأخرة من الليل.
ومن جملة الاقتراحات التي يمكن أن تطور المكتبات العامة السعودية تخصيص أقسام لاستقبال عطايا المؤلفين وتبرعاتهم الثقافية، وإتاحة ماسح ضوئي في كل مكتبة، و"إنترنت" مفتوح وتوصيلات كهربائية للأجهزة الذكية والحواسيب المحمولة، فضلاً عن استضافة بطولات ومسابقات فكرية وثقافية، مثل بطولة الشطرنج، ومسابقة تأليف القصص القصيرة والروايات، جنباً إلى جنب مع مواكبة الأفكار العالمية التي استطاعت تطوير أفكار جديدة مثل خدمة إيصال الكتب بالبريد للقراء بنظام إعارة محكم، وتقديم المشروبات والقهوة للزوار مجاناً أثناء قراءتهم الكتب.
موظفو المكتبات بدورهم مطالبون بابتكار برامج وفعاليات للزوار والقراء، وأن يكونوا على قدر عالٍ من الثقافة، يقدمون نصائحهم فيما قرأوا وأعجبهم من كتب، ويقترحون عناوين الكتب لمن يبحث عن مجالاتها، ومطالبون أيضاً بتأسيس صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار تتعلق بآخر العناوين التي وصلت للمكتبة، والفعاليات والمناسبات المقامة داخلها.
كما يقترح مثقفون، عبر وسم (#كيف_تريد_أن_تكون_المكتبات_العامة) على "تويتر"، أن تتيح المكتبات مساحة مناسبة للمؤلفين لتوقيع كتبهم، والمشاركة في حفلات تدشين الكتب، وإثارة النقاش حولها، واستضافة مشاهير الكُتاب والمؤلفين والنقاد، ما يصنع فعلاً ثقافياً ويحتوى الموهوبين من الشباب، بما يتوافق مع "رؤية 2030".

قاعدة معرفية
تتجه الأنظار إلى وكالة وزارة الإعلام للشؤون الثقافية لاستثمار التقنية، والخروج من فكرة إنشاء مزيد من المكتبات التقليدية، إلى إنشاء مكتبات إلكترونية، وإعداد قاعدة بيانات معرفية ضخمة للثقافة في المملكة، ونقل كنوز المعرفة والمخطوطات والكتب - بعد إذن المؤلف أو الناشر - إلى الفضاء الإلكتروني، والاستفادة من المبادرات التطوعية وطاقات الشباب في هذا الجانب. أما فيما يتعلق بالمكتبة الرقمية التابعة لوزارة التعليم، فينظر إليها بصفتها مكتبة قيّمة، يجب تطوير آلية عملها، وإتاحة الفرصة للجميع - صغاراً وكباراً من كل الشرائح - للولوج إليها، وسط مطالب بتسهيل الدخول إلى قاعدة بياناتها دون إنشاء حساب والتسجيل برقم جامعي وغيره، لتعم المعرفة أرجاء الوطن.

الأكثر قراءة