إعصار «نيت» يهدد قطاع النفط الأمريكي ويعرقل تعافي الأسعار

إعصار «نيت» يهدد قطاع النفط الأمريكي ويعرقل تعافي الأسعار

يعيش قطاع النفط الأمريكي حالة من الترقب بسبب المخاوف إزاء تهديد العاصفة الاستوائية "نيت" لمنصات الخام البحرية ومصافي التكرير الساحلية.
فقد أدت العاصفة إلى توقف معظم إنتاج النفط والغاز من خليج المكسيك، حيث اتخذت شركات أمريكية إجراءات حمائية استباقية تشمل إجلاء العمال ووقف نشاط مصافي التكرير في خليج المكسيك.
وقال تقرير "ريج زون" الدولي المتخصص في المنصات والحفارات النفطية أن إغلاق المصافي سيضعف الطلب على النفط ويرجح تراجع الأسعار كما حدث مع الأعاصير السابقة وهو ما يقاوم نسبيا الجهود التي تقودها أوبك لاستعادة الاستقرار والتوازن في أسواق النفط، لكنه صعوبة التنبؤ بدقة قوة العاصفة أو مسارها أو حجم التهديد لمعظم البنى التحتية للطاقة في الساحل الأمريكي.
ولفت التقرير إلى ارتفاع إنتاج منظمة أوبك في الشهر الماضي واستئناف الإنتاج في أكبر حقل للنفط في ليبيا، كما بلغ ناتج الخام الأمريكي أعلى مستوى له منذ عامين، وفق أحدث البيانات الحكومية، وهو ما يزيد المخاوف بشأن تفاقم تخمة المعروض.
في سياق متصل، توقع مختصون نفطيون أن تشهد أسعار النفط خلال الأسبوع الحالي حالة من التقلبات السعرية بعد أن اختتمت الأسبوع الماضي على تراجع بنحو 2 في المائة بسبب تجدد المخاوف من عودة تخمة المعروض.
ورغم نجاح القمة السعودية الروسية وتوقيع كثير من الاتفاقيات الداعمة لسوق النفط، إلا أن الانتعاشة الجديدة في الإنتاج الأمريكي أدت إلى زيادة القلق بشأن فائض المعروض خاصة بعد عودة نمو الحفارات وتعافي المصافي الأمريكية بشكل كامل قبل هبوب العاصفة الجديدة "نيت".
وكشفت الاتصالات التي جرت على مستوى كبار المنتجين في أوبك وخارجها خلال أعمال أسبوع الطاقة الروسي في موسكو الأسبوع الماضي عن توافق واسع بشأن احتمال مد العمل بتخفيضات الإنتاج باعتباره من الآليات المرنة التي يتبناها المنتجون لمواصلة جهودهم في استعادة التوازن في السوق.
وفي هذا الإطار، يقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، إن الضغوط السلبية على الأسعار مازالت قائمة وهو ما نبه إليه المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في موسكو حينما تحدث عن وجود عوامل معاكسة في أسواق النفط، مما يتطلب من المنتجين أن يكونوا على أهبة الاستعداد للتعامل مع الأزمات وأن تكون أعينهم على الطريق وأيديهم على عجلة القيادة – بحسب تعبير الفالح – مشيرا إلى أن التشبيه دقيق وموفق ويعكس عمقا في علاقات الشراكة والتعاون بين المنتجين. وأضاف ديبيش أنه رغم تأكيد السعودية بأن المخاوف من نمو النفط الصخري مبالغ فيها، وأن النمو المقابل في مستويات الطلب قادر على تقليل تأثير الإنتاج الأمريكي إلا أن المخاوف من تخمة المعروض عادت لتطل برأسها مرة أخرى وتثير انزعاج كثير من الأطراف في أسوق النفط العالمية.
وأشاد ديبيش بالتأكيدات السعودية - الروسية على مرونة تعامل المنتجين مع تطورات السوق وأن قرار تمديد العمل بتخفيضات الإنتاج ليس مستبعدا ولكنه متروك للتوقيت الصحيح سواء في الاجتماع الوزاري في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل أو في بداية العام القادم قبل نهاية مدة الاتفاقية المفترض لها آذار (مارس) من العام المقبل 2018.
من جانبها، تقول لـ "الاقتصادية"، شيكاكو أشيجورو عضو الفريق البحثي في شركة "أوساكا" للغاز، إن أسعار النفط مالت إلى الانخفاض وخسرت في نهاية الأسبوع الماضي نحو 2 في المائة بعد أن كانت قد حققت مستويات قياسية في الارتفاع خلال الأسابيع الماضية في أثناء الأعاصير التي اجتاحت الولايات المتحدة التي واكبها تراجع ملحوظ في مستوى المخزونات.
ولفتت أشيجورو إلى أن الانخفاضات جاءت بسبب عودة انتعاش أنشطة الحفر في الولايات المتحدة، وللتغلب على تأثيرات هذا الانتعاش، ترى أشيجورو أنه لا بدَّ أن يواجه الأمر بالتزام واسع وقوى من المنتجين في أوبك وخارجها بالحفاظ على مستويات جيدة من خفض الإنتاج مشيرة إلى أن هذا الالتزام مدعوم أيضا من نمو الطلب في آسيا والولايات المتحدة وحتى في أوروبا.
وأفادت أشيجورو بأن اجتماع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل الذي تشارك فيه 24 دولة منتجة للنفط ستكون له تأثيرات جيدة على استعادة الاستقرار في السوق خاصة إذا تم حسم موضوعي مد وتوسعة اتفاق خفض الإنتاج دون تأجيله إلى العام المقبل.
ومن ناحيته، أوضح لـ "الاقتصادية"، ماثيو جونسون المحلل في مجموعة "أوكسيرا" المالية، أن تقلبات الأسعار سمة أساسية في السوق خاصة في الفترة التي تعقب الارتفاعات القياسية حيث تنشط أنشطة المضاربة، وهي من العوامل السلبية التي ترهق السوق على مدار السنوات الماضية.
ويأمل جونسون أن تتلقى السوق خلال الأسبوع الحالي دعما إيجابيا واسعا بتأثير من نجاح القمة السعودية - الروسية والمباحثات المؤثرة التي جرت بين المنتجين على هامش أسبوع الطاقة الروسي وأن تتغلب هذه العوامل الإيجابية على تأثيرات مضادة نتيجة زيادة الحفارات الأمريكية وعودة تدفق إمدادات الإنتاج الأمريكي بمستويات مرتفعة.
وتوقع جونسون ألا تستمر زيادة أنشطة الحفر الأمريكية خلال الأسبوع الحالي بسبب المخاوف من عاصفة "نيت" المدارية الجديدة والتي تهدد ساحل خليج المكسيك، متوقعا أيضا أن تعاود الأسعار ارتفاعاتها مرة أخرى بفعل قوة الطلب الصيني خاصة مع استعداد روسيا لزيادة صارداتها النفطية إلى الأسواق الصينية على نحو كبير.
وكانت أسعار النفط قد هبطت أكثر من 2 في المائة في ختام تعاملات الأسبوع الماضي منهية أطول موجة ارتفاع لخام القياس العالمي مزيج برنت في 16 شهرا، التي استمرت عدة أسابيع، مع عودة المخاوف بشأن فائض المعروض.
وبحسب "رويترز"، فقد انخفضت العقود الآجلة لخام برنت 2.4 في المائة، أو ما يعادل، 1.38 دولار، في التسوية إلى 55.62 دولار للبرميل منهية سلسلة من المكاسب استمرت خمسة أسابيع كانت الأطول منذ حزيران (يونيو) 2016، وعلى أساس أسبوعي، خسر برنت 3.3 في المائة.
وتراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.50 دولار، أو ما يعادل 3 في المائة، إلى 49.29 دولار للبرميل خلال الجلسة لينهي الأسبوع منخفضا 4.6 في المائة.
وفي الوقت الذي تلاقي فيه أسعار الخام دعما من احتمال تمديد تخفيضات إنتاج النفط التي تنفذها منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" ومنتجون آخرون من بينهم روسيا، لا تزال هناك مخاوف بشأن نمو صادرات الخام الأمريكي التي يحفزها خصم كبير لخام غرب تكساس الوسيط إلى أسعار خام برنت، الذي يجعل الخام الأمريكي أكثر قدرة على المنافسة.
وخفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد حفارات النفط العاملة للأسبوع الرابع في خمسة أسابيع في الوقت الذي توقف فيه تعافي أنشطة الحفر الذي استمر 14 شهرا مع تقليص الشركات لخطط الإنفاق في رد فعل على انخفاض أسعار الخام في الآونة الأخيرة، وأظهرت بيانات بيكر هيوز لخدمات الطاقة أن الشركات قلصت عدد منصات الحفر النفطية بواقع حفارتين في الأسبوع المنتهي في السادس من تشرين الأول (أكتوبر) ليصل العدد الإجمالي إلى 748 منصة.
وعدد الحفارات، الذي يعد مؤشرا مبكرا على الإنتاج في المستقبل، ما زال أكبر من 428 حفارة كانت عاملة قبل عام بعد أن عززت شركات الطاقة خطط الإنفاق في وقت سابق من العام في ظل توقعها لارتفاع أسعار الخام في الأشهر المقبلة.
وبلغ سعر العقود الآجلة للخام الأمريكي في المتوسط أكثر من 49 دولارا للبرميل منذ بداية 2017 ليتجاوز بكثير متوسط العام الماضي البالغ 43.47 دولار للبرميل.
ورغم أن بعض شركات التنقيب والإنتاج قلصت خطط استثمارها لعام 2017 خلال الأشهر القليلة الماضية جراء انخفاض العقود الآجلة للخام في الآونة الأخيرة، فإنها ما زالت تخطط لإنفاق مزيد من الأموال هذا العام مقارنة بالعام الماضي.
وانخفضت أسعار الخام في ستة من بين الأشهر التسعة الأولى في 2017 وساعد ارتفاع الإنتاج الأمريكي على زيادة التخمة العالمية وتتجه أسعار الخام إلى الانخفاض نحو 5 في المائة منذ بداية تشرين الأول (أكتوبر).
وسجلت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة هبوطا حادا الأسبوع الماضي، بينما ارتفعت مخزونات البنزين وتراجعت مخزونات نواتج التقطير.
وانخفضت مخزونات الخام ستة ملايين برميل في الأسبوع المنتهي في 29 أيلول (سبتمبر)، مقابل توقعات محللين لانخفاض قدره 756 ألف برميل، وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أمس أن الإدارة أن مخزونات الخام في مركز تسليم العقود الآجلة في كاشينج بأوكلاهوما زادت 1.5 مليون برميل.
وتراجع استهلاك مصافي التكرير من الخام 145 ألف برميل يوميا مع انخفاض معدلات التشغيل 0.5 نقطة مئوية بحسب بيانات الإدارة، وزادت مخزونات البنزين 1.6 مليون برميل في حين كان محللون استطلعت آراؤهم قد توقعوا ارتفاعا قدره 1.1 مليون برميل.
وقالت إدارة معلومات الطاقة إن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، انخفضت 2.6 مليون برميل مقابل توقعات لهبوط قدره 1.8 مليون برميل، وبشكل عام فقد تراجعت واردات الولايات المتحدة من النفط 706 آلاف برميل إلى 5.23 مليون برميل يوميا في الأسبوع الماضي.

الأكثر قراءة