السعودية .. والعلاقات الاستراتيجية مع الدول

حظيت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا باهتمام كبير على جميع المستويات، ليس فقط لأنها أول زيارة لملك سعودي لهذه الدولة المهمة في سلم المعادلات العالمية، وليس لأن موسكو أول من اعترف عالميا بالدولة السعودية أو لأن الرياض أول من اعترف بروسيا الاتحادية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ولكن لأن السعودية رقم مهم في جميع القضايا الإقليمية والدولية ولأنها من الدول القلائل التي تستطيع التعامل مع الشرق والغرب بتوازن لا يتوافر لمعظم دول العالم.. وهي إضافة إلى ذلك حجر الزاوية في توازن سوق النفط العالمية.. ولذا فإنها بالتعاون مع روسيا وفرت فرصة أفضل لاستقرار أسعار النفط بعد أن حاولت بعض الدول وعلى رأسها إيران أن توجد أزمة يتضرر منها الاقتصاد العالمي المنهك بكثير من الأزمات والهزات.. ولو بحثنا عن مصدر قوة القرار السعودي الذي أوجد لهذه الدولة مكانة دولية جعلتها في مصاف الدول الكبرى المؤثرة في العالم لوجدنا أن السعودية عرفت بمصداقيتها ووضوحها منذ أن أسس الملك فيصل بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ الدبلوماسية السعودية في عهد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ حتى يومنا هذا مرورا بسعود الفيصل صقر الدبلوماسية الذي لا ينسى .. وتنطلق المواقف السعودية من كونها دولة تتعامل بندية تامة مع جميع الدول، فهي لا تطلب مساعدات أو قروضا من الدول لترهن قرارها للآخرين وإنما هي من يساعد المحتاجين في جميع أنحاء العالم دون منّة أو شروط.. ومن هنا فهي تتحدث مع أمريكا وتتحدث مع روسيا والصين في الوقت نفسه وتتفق وتختلف أحيانا مع هذه الدول وتظل مصالحها ومصالح العرب والمسلمين هي ما يحكم اتفاقها أو اختلافها.. ولو أخذنا روسيا مثالا فإن السعودية تختلف معها في تفاصيل التعامل مع الأزمة السورية ولكنهما تتفقان على النتائج النهائية التي تصب في إخراج الشعب السوري من هذا المأزق الذي تسبب في قتل مئات الآلاف وتشريد الملايين من الأبرياء في جميع أنحاء العالم.
وتأتي خطوة العمل على إيجاد علاقة استراتيجية بين الرياض وموسكو ضمن التوجه السعودي الجديد الذي يعمل على إنجازه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بحيث لا تكون العلاقات مع الدول الكبرى المؤثرة في القرار الدولي مجرد علاقات تقليدية وإنما علاقات استراتيجية تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية ويترجم ذلك عبر اتفاقيات توقع خلال الزيارات المتبادلة بين القيادة السعودية والدول الكبرى. وبتعدد الدول المستهدفة بتلك العلاقات الاستراتيجية شرقا وغربا تصبح السعودية وهي بوابة العالم العربي في موقعها الصحيح من حيث التأثير في القضايا الإقليمية والدولية مستفيدة من كل عناصر القوة التي تتوافر لها كدولة تقود العالمين الإسلامي والعربي وتدافع عن مصالح الشعوب وعن الحق والعدل على امتداد الكرة الأرضية.
وأخيرا: ستظهر النتائج المهمة لزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا في مواقف أكثر عدلا للقيادة الروسية تجاه قضايا العرب والمسلمين.. وستتوجه بوصلة العلاقات الاستراتيجية إلى دول أخرى ضمن مجموعة العشرين التي تعد السعودية من أهم أعضائها لكي يسود التفاهم بين دول العالم المؤثرة في المحافل الدولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي