ثقافة وفنون

غواية النشر .. الكتاب يُعرف من «غلافه»

غواية النشر .. الكتاب يُعرف من «غلافه»

غواية النشر .. الكتاب يُعرف من «غلافه»

يبدو أن المثل القديم "الكتاب يُعرف من عنوانه" قد تغيّر إلى "الكتاب يُعرف من غلافه"، بعد أن أصبحت أغلفة الكتب سمة مميزة لها، تكشف عن بعض مكنوناتها، ومدى براعة مؤلفها، وما بذله من جهد في إنتاج وتأليف الكتاب.

مدخل للمحتوى

يعد غلاف الكتاب مدخلا لمحتواه، وربما يكون سببا في رواجه ونجاحه أو حتى فشله، وفي الحالة الأخيرة يتم ذلك في حالة تصميم غلاف الكتاب دون إطلاع المصمم على محتواه، أو حينما يختار الألوان والصور والرسوم غير المريحة للعين، أو العناصر التي لا تتناغم فيما بينها، والتي لا تشكل مجتمعة غلافا جذابا ومميزا.
فن تصميم أغلفة الكتب أحد روافد التصميم الجرافيكي، وهو فن قديم، لكنه استحدث مع ظهور التكنولوجيا الحديثة وثورتها التي أحدثت تغييرا كبيرا في معايير تصميم الكتب.
فمنذ القرن الثامن عشر حتى اليوم، شهدت أغلفة الكتب تغييرات كبيرة، فبعد أن كانت الكتب تنشر على شكل مجموعة من الأوراق دون غلاف، أصبحت تنشر في القرن الـ19 بزخرفة بسيطة مع ورق مقوى أبيض، ثم تضاف عليها رسومات مصورة، ليتطور الغلاف مع الزمن شيئا فشيئا.

الكلاسيكية مذهبا

اتخذت الكتب قديما، خصوصا العربية، المذهب الكلاسيكي في تصميم غلاف الكتاب، وغني عن الذكر أن الأغلفة كانت تقتصر في أوائل القرن الـ20، حتى منتصف القرن، على الزخارف وشكل الخط، إلى أن قدمت التكنولوجيا في الثمانينيات، وأصبح المصممون يبرعون في استخدام الرسوم والصور والخطوط المتنوعة، وأصبح الغلاف لوحة فنية، تبهر عين القارئ، وتجعل القارئ يميل لاقتناء الكتاب، بغض النظر عن محتواه.
المكتبة البريطانية أثرت وطورت من تصاميم الأغلفة، وحولتها من الورق المقوى إلى غلاف خارجي قائم بذاته، فيما كان لليابان أسلوبها وطريقتها في الأغلفة، حيث عمد الناشرون إلى طباعة غلافين خارجيين لكتبهم؛ أحدهما بالقياس الكامل للكتاب، والثاني على شكل حزام من الورق الشفاف.

تأثير سيكولوجي

يقول علماء النفس إن لغلاف الكتاب تأثير سيكولوجي في نفسية القارئ، يسهم في المحصلة في استمالة القارئ وتسويق الكتاب.
أما فنيا؛ فإن غلاف الكتاب يخضع لمدارس عدة في تكوينه، من ناحية استخدام الألوان والصور والرسوم، وحتى فيما يتعلق بوضع صورة المؤلف على الكتاب، وذلك حينما يكون مؤلفه شهيرا.
بعض دور النشر العربية العريقة، حتى بعض مراكز الدراسات، تكتفي بتصميم غلاف واحد لجميع مطبوعاتها يعكس هويتها، يتضمن ذلك الشعار ونوع الخط، وأحيانا لونه، ولا يفصل كتابا عن آخر سوى عنوان الكتاب ومؤلفه، ومن هذه الدور: مركز دراسات الوحدة العربية، ووكالة المطبوعات الكويتية، ودار المعارف بمصر.
وفي مجال صناعة الغلاف وتصميمه يطول الحديث، حتى إن ذلك أصبح علما قائما، يدرّس في الجامعات والكليات الفنية العالمية.
فكرة ثلاثية

الغلاف عادة هو فكرة، يضعها المصمم، أو المؤلف، أو الناشر، لكن الغلاف الناجح هو الذي يجتمع فيه آراء الثلاثة معا، فالمصمم ينظر للغلاف من ناحية جمالية، والمؤلف ينظر له كونه غلافا يعكس المحتوى الذي كتبه، فيما ينظر الناشر للكتاب بعين المسوّق، الذي يزيد مبيعات الكتاب، كونه يعرف جيدا ما يلفت انتباه قرائه.
ويخضع الغلاف رغم هذه الأفكار والآراء الثلاثة لعُرف الأغلفة؛ فغلاف الكتاب يجب أن يكون مريحا لعين القارئ، ملائما للذوق العام، لا يتضمن الصور المعدلة ببرامج "الفوتوشوب" إلا ما ندر، لا يخدش الحياء، ولا يتضمن صورا للحيوانات، خصوصا للكتب العلمية والمتخصصة، فيما يستعين الشعراء والقاصون في دواوينهم ورواياتهم بفنانين تشكيليين ورسامين، للاستفادة من لوحاتهم ورسوماتهم في عكس معنى ومحتوى الكتاب.

استطلاع الحقيقة

يميل المؤلفون عادة إلى جعل غلاف الكتاب عبارة عن لوحة فنية تصل بالمعنى إلى ذهن القارئ، وتعبّر عن محتوى الكتاب، إلا أن ما يلاحظ أن أغلفة الكتب أصبحت مسوقا ناجحا للكتاب، يبذل فيه جهودا فنية جبارة، حتى إن كان المحتوى بائسا، لا يضيف للقارئ شيئا.
"الاقتصادية" أجرت استطلاعا على عينة من 500 شخص، تساوت فيها نسبة الذكور والإناث، قال فيه نحو 79 في المائة (أكثر من ثلاثة أرباع المستطلعين) إنهم اقتنوا كتبا بسبب تصميم الغلاف الجذاب، دون أن يلتفتوا إلى المحتوى.
لكن الاستطلاع كشف أيضا أن نصف هؤلاء، ممن اقتنى كتابا بسبب غلافه، وجد أن المحتوى رديء وضعيف، لا يعكس جودة الغلاف وجماليته، حيث إن الغلاف كان خداعا، وندموا على اقتناء الكتاب. وفي المقابل؛ فإن الغلاف الرديء قد يصرف نظر القارئ عن الكتاب، وإن كان محتواه ثريا وقيّما.
الاستطلاع كشف أن القارئ غير المتخصص هو من يتم خداعه عادة، فيما يبحث الباحث أو القارئ المتخصص عن المضمون أولا، الذي يفيده في دروسه وأبحاثه، أو يضيف إلى خزينة معلوماته معلومات جديدة، ولا يهتم بالغلاف، وإن كان رديئا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون