أخبار

العلاقات السعودية الروسية.. 90 عاما من التفاهم المشترك

العلاقات السعودية الروسية.. 90 عاما من التفاهم المشترك

في الوقت الذي رفعت فيه شوارع العاصمة الروسية، موسكو، لافتات إعلانية ضخمة تحمل صورة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، استعدادا لزيارته المرتقبة غدا، تشهد العلاقات السعودية الروسية، على مدى تسعة عقود مضت، تفاهما مشتركا بين قيادتي البلدين، وذلك إدراكا بأن المملكة وروسيا تمتلكان إمكانات كبيرة في مجالات عدة، الأمر الذي عزّز التعاون المشترك بين البلدين، وجعل التوسع في المجالات المتنوعة يعود بالنفع على الشعبين، لا سيما خلال عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وخاضت المملكة تجربة تعاون جديدة مع روسيا بخلاف التعاون السياسي والاقتصادي، حيث وجهت بوصلة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي إلى أعرق الجامعات الروسية المعروفة في العالم، ويدرس فيها حاليا أكثر من 30 مبتعثا ومبتعثة في تخصصات علمية وطبية دقيقة بإشراف سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى روسيا ممثلة في الملحقية الثقافية من أجل متابعة مسيرتهم الدراسية، وتلمس احتياجاتهم حتى يعودوا إلى أرض الوطن متسلحين بالعلم والمعرفة.
وأوضح الدكتور جاسر بن سليمان الحربش وكيل وزارة التعليم لشؤون الابتعاث: "إن الابتعاث الخارجي يحظى برعاية واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وما فتئا في كل زيارة إلى بلدان العالم إلا ويلتقون بالمبتعثين والمبتعثات ويتلمسون احتياجاتهم، ويحفزونهم على تلقي مزيد من العلوم للعودة إلى الوطن وخدمته.
وثمن لقاء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بالمبتعثين والمبتعثات في روسيا في مدينة سانت بطرسبورج التي زارها عام 2015، حيث اطمأن سموه على أوضاعهم، موجها بتذليل الصعوبات التي تواجههم ليتسنى لهم الحصول على التعليم بالجودة العالية، وذلك في إطار حرص المملكة على تطوير الموارد البشرية، وتوثيق التعاون بين المؤسسات العلمية والأكاديمية المتقدمة حول العالم.
وأفاد الحربش أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بدأ عام 1426 بواقع ثلاث مراحل مدة كل واحدة منها خمس سنوات، واستهدفت المرحلتان الأولى والثانية سد الحاجة إلى مزيد من المقاعد الدراسية والتخصصات العلمية في الجامعات، ومع مرور أكثر من عشر سنوات أصبح من الضروري تطوير آلية عمل البرنامج لزيادة فاعليته بما تقتضيه المرحلة الحالية لتنمية البلاد، خصوصا بعد إطلاق "رؤية المملكة 2030" وما تمخض عنها من برامج تنموية شاملة تسعى إلى زيادة مصادر الدخل، والاعتماد على الكوادر الوطنية المتعلمة في بناء مستقبل المملكة.
ولفت النظر إلى أن عدد المبتعثين والمبتعثات والدارسين على حسابهم الخاص مع مرافقيهم وصل إلى أكثر من 189 ألفا في 30 دولة في العالم، يتلقى معظمهم التعليم في أفضل 200 جامعة موصى بها عالميا، في تخصصات متنوعة ستعود بالنفع بإذن الله على البلاد في المرحلة الحالية والقادمة، وهي: الدراسات الإنسانية، الهندسة والمعلوماتية، القانون، العلوم الإدارية والمالية، العلوم الاجتماعية والسلوكية، العلوم الأساسية، اللغة، الطب، طب الأسنان، والخدمات الطبية، مؤكدًا أن الملحقيات الثقافية في دول الابتعاث تتابع مسيرتهم التعليمية أولا بأول.
وبين أن الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم وجه ببذل مزيد من الجهود في إطار "رؤية المملكة 2030" لتفعيل وتنشيط دور الملحقيات الثقافية في التعريف ببلادنا الغالية بماضيها العريق وحاضرها الزاهر في جميع دول الإشراف، وعكفت قطاعات الوزارة على رسم الاستراتيجيات التي تمهد للملحقيات الثقافية القيام بهذا الدور المهم في خدمة الوطن، علاوة على الإشراف الأكاديمي على أبنائنا الطلاب في الخارج.
ومن جهته أوضح الدكتور مساعد العبدالمنعم الملحق الثقافي لدى تركيا وروسيا ودول البلقان، أن روسيا من أهم الدول الواقعة ضمن إشراف الملحقية الثقافية في تركيا، وتسعى الملحقية إلى تطوير التعاون الأكاديمي والعلمي بين الجامعات الروسية ونظيراتها في المملكة لما فيه صالح البلدين، إضافة إلى إشرافها على المبتعثين والمبتعثات في روسيا الذين يتلقون تعليمهم في 18 جامعة روسية منها: جامعة الطب الأولى الحكومية في موسكو، وجامعة بافلوف سانت بطرسبورج الطبية، وجامعة موسكو الحكومية التربوية، وجامعة لومونسوف في موسكو.
وفي المجال العلمي، أثمر التعاون بين الهيئات العلمية السعودية والروسية نتائج إيجابية استفادت منها المملكة، مثلما جرى عام 2014، حيث أعلنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عن نجاح إطلاق القمر السعودي الصناعي الثالث عشر لها، والأول من الجيل الجديد الذي حمل مسمى (سعودي سات 4) من قاعدة يازني الروسية.
ويمثل إطلاق (سعودي سات 4) أهمية خاصة للمملكة، بوصفه الأول من الجيل الجديد للأقمار السعودية المصممة للتوافق مع مهام فضائية مختلفة تلبي احتياجات المملكة العربية السعودية من خلال برنامجها الوطني للأقمار الاصطناعية في مدينة العلوم والتقنية, مثل التصوير الفضائي ونقل البيانات التي تحتاجها المملكة, إلى جانب إجراء التجارب العلمية الخاصة بالفضاء.
وتستفيد المدينة من العلماء الروس في إجراء الدراسات العلمية المتخصصة، خاصة في مجال علوم الفضاء، فخلال زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا عام 2015، جرى توقيع مذكرة النوايا المشتركة في مجال الفضاء مع وكالة الفضاء الروسية في مدينة سانت بطرسبورج، لبحث مشاركة المملكة في الرحلات الفضائية الروسية واستكشاف الفضاء بالمركبات المأهولة وغير المأهولة.
وأوضح الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الذي وقع المذكرة مع مدير وكالة الفضاء الروسية ايجور كماروف أن المذكرة تتضمن التعاون مع وكالة الفضاء الروسية في مجال استكشاف الفضاء واستخدامه للأغراض السلمية مع الاستفادة من تقنيات الفضاء وتطوير أنظمة مشتركة بين المملكة وروسيا الاتحادية في هذا المجال خاصة في المشاريع التجارية والبحوث والتطوير والإنتاج والتصنيع في هذا الجانب.
وخلال زيارة الأمير محمد بن سلمان وقعت كذلك اتفاقية بين حكومتي البلدين للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وتهدف إلى تطوير وتقوية العلاقات التي تعود بالفائدة على الطرفين اقتصاديا وتقنيا.
ولا تقتصر العلاقات السعودية الروسية على الجوانب الاقتصادية والسياسية فحسب، بل تتعداها لتشمل الجانب الثقافي والإعلامي والرياضي، وبرز الاهتمام الروسي بالثقافة العربية في القرن السابع عشر حين ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم بحسب مجلة البحوث العلمية الصادرة من الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وذلك في مدينة بتراجراد الروسية "لينينجراد" حاليا.
وقام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة بطباعة نسخة حديثة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الروسية 1433، ترجمها الشيخ إلمير رفائيل كولييف، وكانت الترجمة قاصرة على أداء المعاني العظيمة التي يدل عليها نص القرآن الكريم، وذلك في إطار اهتمام السعودية بنشر القرآن الكريم وعلومه بمختلف اللغات تيسيرا على المسلمين للتمكن من قراءته وتدبر معانيه الجليلة.
واتجهت جامعة الملك سعود عبر كلية اللغات والترجمة إلى إدراج اللغة الروسية ضمن برامج البكالوريوس لتخصصات قسم اللغات الحديثة في الكلية، ويهتم هذا التخصص الذي يُدرس فيه أساتذة من روسيا ومن دول عربية درست اللغة الروسية في بلد اللغة، بتدريب الطالب على الترجمة بأنواعها الشفوية والتحريرية في مختلف المجالات: القانونية، الأمنية، الدينية، السياسية، الأدبية، والإعلامية.
واستضافت الأكاديمية الإنسانية الاجتماعية الروسية في موسكو خلال شهر آذار (مارس) 2002 مهرجانا ثقافيا بعنوان (يوم الثقافة السعودية) شاركت فيه مجموعة من الشخصيات الثقافية والاجتماعية العربية الروسية وعدد كبير من رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية المعتمدين لدى روسيا الاتحادية.
وأقامت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة اللقاء الثقافي السعودي الروسي خلال الفترة من 3 ـ 10 أيلول (سبتمبر) 2003 في مدينة سان بطرسبورج، بمشاركة نخبة من المفكرين والمثقفين في كلا البلدين، وذلك في إطار دعم الحوار بين الحضارات وتعزيز التفاهم والتوافق لإثراء الحوار الحضاري المؤسس على مبادئ الاحترام المتبادل بين الحضارات والثقافات المختلفة.
وهدف اللقاء إلى التعريف على الدور الثقافي والحضاري للمملكة، وجهود المستعربين الروس في خدمة التراث العربي والإسلامي مع اطلاع الشعب الروسي على النهضة الحضارية والثقافية التي تعيشها المملكة، ودعم إقامة صلات تعاونية وثيقة مع عديد من المؤسسات التعليمية والثقافية بما في ذلك العمل المشترك لإقامة التظاهرات الثقافية في المناسبات المختلفة ضمن برنامجها السنوي في التواصل بين الحضارات وجسورها التعليمية والثقافية وتمتين العلاقات مع الهيئات الثقافية.
وأقامت وزارة الثقافة والإعلام عام 2007، فعاليات ثقافية سعودية في روسيا في ثلاث مدن هي العاصمة موسكو وقازان وبلغار في جمهورية تتارستان التابعة لروسيا الاتحادية.
ومنحت السعودية عام 2007 منتيمير شايمييف رئيس تتارستان - التابعة لروسيا -جائزة الملك فيصل العالمية لجهوده في خدمة الإسلام.
وضمن التعاون الثقافي السعودي الروسي، استضاف متحف "الأرميتاج" في مدينة سانت بطرسبورج الروسية الذي يعد من أضخم وأقدم المتاحف في العالم، خلال الفترة من 16 أيار (مايو) إلى 14 أيلول (سبتمبر) عام 2011 معرض "روائع الآثار في المملكة العربية السعودية عبر العصور" محتويا على (347) قطعة أثرية تعبر عن الحضارات القديمة التي عاشت على أرض المملكة، وبلغ عدد زواره أكثر من 530 ألف زائر وزائرة في خطوة غير مسبوقة في تاريخ المتحف بحسب قول رئيسة قسم الدراسات الشرقية في متحف الأرميتاج الروسي نتاليا كوزولوفا، حيث أكدت أن المتحف لم يسبق أن استضاف في تاريخه معرضا بهذا الحجم عن آثار الجزيرة العربية. وشاركت وزارة الثقافة والإعلام في المعرض من خلال عرض أفلام وثائقية عن المملكة، وبمعرض إعلامي مصغر يحوي كتبا إعلامية عن المملكة وصورا تحكي ماضي المملكة وحاضرها، بينما قدمت الفرق الشعبية ألوانا فلكلورية من مناطق المملكة المختلفة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار