FINANCIAL TIMES

طفرة السندات الخضراء تجلب معها تساؤلات متزايدة

طفرة السندات الخضراء تجلب معها تساؤلات متزايدة

سندات بقيمة 600 مليون يورو باعتها شركة منافع أسكتلندية ليس من شأنها أن تسبب التوتر لدى أي شخص، باستثناء أشد الملتزمين المتابعين لسوق السندات في لندن.
مع ذلك، مجرد عملية لجمع الأموال من قبل SSE هذا الشهر اجتذبت الانتباه باعتبارها علامة على زخم متزايد وراء ما يسمى بالتمويل الأخضر "أي الذي يراعي الحفاظ على البيئة". إصدار السندات من SSE كان الأكبر حتى الآن من قبل شركة بريطانية تُرفَق معه صفة "الأخضر"، ما يزيد من النمو العالمي في التمويل المخصص للمشاريع التي تفيد البيئة.
وفقا لنشرة تمويل الطاقة الجديدة من "بلومبيرج"، سوق السندات الخضراء التي يقل عمرها عن عقد من الزمن، جمعت 95 مليار دولار في السنة الماضية، وفي سبيلها إلى مستوى 123 مليار دولار من الإصدارات هذا العام.
مع ذلك يظل هذا الرقم جزءا لا يذكر من إجمالي سوق السندات، إلا أن توسعه يضطر المستثمرين وجهات الإصدار في السوق العامة إلى الانتباه.
يقول جورد ألكسندر، مدير التمويل في SSE "أعداد متزايدة باستمرار من مديري الصناديق ينوعون معاييرهم الاستثمارية بحيث تشتمل على العوامل البيئية. ليس كل سند يصدر سيكون صديقا للبيئة، لكن هذا النوع من السندات سيصبح جزءا من قائمة الخيارات لدينا". حتى يصبح السند مؤهلا لأن يُعتبَر صديقا للبيئة، يجب تخصيص جميع العوائد المتحصلة منه لمشاريع صديقة للبيئة، مثل توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وتشييد مبان تتمتع بكفاءة في استهلاك الطاقة، والنقل بوسائل لا تنفث كميات كبيرة من الكربون.
شركات المنافع الأوروبية "إيبردرولا" و"إي دي إف" و"إنجي" تعد من بين شركات أخرى دخلت السوق، وأصبحت فرنسا في كانون الثاني (يناير) أكبر بلد سيادي من حيث إصدار هذا النوع من السندات، حيث تم جمع سبعة مليارات يورو.
وأصبحت السندات الخضراء من بين المنافذ الرئيسية لمجموعة متزايدة من رؤوس الأموال العالمية، التي تأتي مرفقة بشروط بيئية أو أخلاقية.
مثلا، صندوق الاستثمار التقاعدي الحكومي في اليابان لديه هدف يتمثل في تحويل 10 في المائة من أصوله البالغة 1.3 تريليون دولار إلى استثمارات تلبي معايير بيئية واجتماعية وحوكمة معينة. وفقا لـ "تحالف الاستثمار المستدام العالمي"، تشير التقديرات إلى 10.4 تريليون دولار من الأصول عالميا تشتمل على شكل معين من المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، ما يشكل ارتفاعا بنسبة 38 في المائة عما كان عليه الحال عام 2014.
التمويل المستدام الذي كان في الغالب يُستهان به في الماضي على أنه مفهوم يفتقر إلى التماسك ومدفوع بالعلاقات العامة أكثر من كونه مدفوعا بتحقيق العوائد للمستثمرين، يُدفع الآن إلى التيار العام بفعل قوتين. الأولى، الضغوط السياسية والتنظيمية المرتبطة بالإجراءات العالمية ضد تغير المناخ. ففي عام 2015 أصبحت فرنسا أول بلد يجعل الإبلاغ البيئي إلزاميا بالنسبة إلى المؤسسات المالية، ما دفع مديري الصناديق إلى الإفصاح عن الطريقة التي ينظرون بها إلى الأداء البيئي حين يتخذون قرارات استثمارية.
تقول زوي نايت، رئيسة مركز التمويل المستدام في "إتش إس بي سي"، "أي مؤسسة أو شركة تريد الدخول في تعاملات في الأصول الفرنسية عليها الآن أن تفكر في هذا الموضوع، وهذا الأمر يحقق الآن أثرا كبيرا في المستوى العالمي".
القوة الأخرى، التي يمكن القول إنها أقوى عامل في هذا الأمر، هي الجاذبية المالية المتزايدة للاستثمار البيئي في الوقت الذي تبلغ فيه التكنولوجيا النظيفة – مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية – مرحلة النضج.
تشير تقديرات قسم التمويل الدولي، التابع للبنك الدولي، إلى أن هناك حاجة إلى استثمارات بقيمة 23 تريليون دولار بين عامي 2016 و2030 من أجل تحقيق التخفيضات المطلوبة في انبعاثات الكربون، التي تقررت في اتفاق باريس للمناخ.
وهناك علامات على أن رأس المال اللازم بدأ يتجمع، سواء من خلال تحوُّل الشركات مثل SSE من توليد الكهرباء بطاقة الفحم الحجري إلى استخدام موارد الطاقة المتجددة، أو تزايد الاستثمارات من قبل شركات السيارات في المركبات الكهربائية.
ويبدو أن السندات الخضراء في سبيلها إلى أن تلعب دورا حاسما في تمويل التحول، لكن السوق لا تخلو من المشكلات. ليس هناك معيار عالمي متفق عليه بخصوص ما يصلح لاعتباره مشروعا "بيئيا"، وليس هناك معيار لعمليات الإبلاغ المطلوبة من جهات الإصدار بهدف قياس الأداء البيئي.
وهذا أدى إلى جدل حول ما إذا كان ينبغي السماح لمجموعات الطاقة التقليدية بادعاء مؤهلات بيئية فيما يتعلق بالسندات الرامية إلى تخفيض الانبعاثات، بدلا من التخلص منها نهائيا.
شركة ريسبول الإسبانية أصبحت أول شركة للنفط والغاز تصدر سندات خضراء، حين جمعت في أيار (مايو) 500 مليون يورو لجعل معامل التكرير التابعة لها، وغيرها من البنية التحتية، أكثر كفاءة. وكانت السندات مدعومة بأبحاث من "فيجيو إيريس"، شركة التقييمات البيئية التي يوجد مقرها في باريس، التي أظهرت أن استثمارات "ريسبول" من شأنها أن تؤدي إلى تجنب إصدار 1.9 مليون طن من انبعاثات غازات الدفيئة سنويا – وهو ما يعادل سحب 400 ألف سيارة من الطريق. لكن السندات تم استثناؤها من معظم المؤشرات التي تتابع السندات البيئية.
وتجاوز الطلب على السندات الخضراء العرض، ما سمح لجهات الإصدار بتسعيرها مقابل علاوة. فقد كان الاكتتاب في سندات SSE التي يبلغ أجلها ثماني سنوات، أكبر من العرض ثلاث مرات تقريبا، ما أدى إلى أن يكون الإصدار بأدنى سعر فائدة في تاريخ الشركة للسندات الممتازة؛ بنسبة 0.875 في المائة.
وتزداد السيولة باستمرار، مع بروز جهات الإصدار الصينية، لكن تظل السوق قائمة بالدرجة الأولى على أساس "الشراء بهدف الاقتناء". يقول نيكولاس فاف، من اتحاد أسواق رأس المال العالمية "أكبر خطر هو الطابع الرمزي. من المهم للغاية أن تفهم جهات الإصدار أنها تعطي إشارة على التحول في نماذج أعمالها. لا ينبغي أن تكون إصداراتها لمرة واحدة فقط".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES