الطائرات المسيّرة تدقق الحسابات بالذكاء الاصطناعي

الطائرات المسيّرة تدقق الحسابات بالذكاء الاصطناعي

من بين المهام الأكثر التي ينفذها المحاسبون الصغار ولا يُشكَرون عليها هي التحقق بدقة من المخزون في مستودعات العملاء، الأمر الذي يمكن أن ينطوي على صعود السلالم وبيدهم الورق والقلم.
التعامل مع الوظائف اليومية العادية من المقرر أن يصبح أكثر تطورا، حيث يحاول المدققون استخدام طائرات دون طيار متخصصة لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتعرف على الصور لتحليل المعلومات وإعادة توجيهها إلى مقرهم الرئيس.
هذه التقنية الجديدة التي تتم تجربتها في الوقت الحاضر من قبل شركات من بينها EY وبرايس ووترهاوس كوبرز (PwC)، هي جزء من مجموعة جديدة من الأدوات الرقمية التي تستكشفها أكبر شركات المحاسبة في المملكة المتحدة، في الوقت الذي تسعى فيه إلى أتمتة أجزاء من عملية تدقيق الحسابات.
التكنولوجيا الأفضل يمكن أن تحسن نوعية أعمال المراجعة من خلال القيام بالمهام بشكل أسرع، وينطوي على دقة أكبر مما يمكن أن يفعله أي إنسان أصلا. ويمكن أيضا تقييم كميات هائلة من البيانات وتوليد أنواع جديدة من الأفكار.
تزيد الشركات الأربعة الكبرى في مجال التدقيق – PwC وEY وكيه إم بي جي وديلويت - من الاستثمار في هذا المجال في سعيها للدفاع عن حصتها في السوق، وفي الوقت الذي تتخذ فيه الأجهزة المنظمة موقفا صارما على نحو متزايد بشأن الإخفاقات في المهنة.
في هذا الشهر، غرّم مجلس الإبلاغ المالي في المملكة المتحدة شركة PwC مبلغ 5.1 مليون جنيه استرليني، وهي أكبر عقوبة أصدرتها على الإطلاق، بسبب "سوء سلوك واسع النطاق" في تدقيقها لشركة خدمات مهنية صغيرة، هي RSM Tenon.
وفي هذا العام أيضا، بدأ المجلس التحقيق في عمليات المراجعة التي تُجرى على الشركات البريطانية بما في ذلك رولز رويس، وBT وMitie، التي تشمل كيه إم بي جي، وPwC وديلويت على التوالي.
يقول مدققو الحسابات إنهم يستطيعون تسخير قوة استخراج البيانات والذكاء الاصطناعي للمساعدة على تجنب مزيد من الإخفاقات البارزة.
ويضيفون أن أتمتة بعض المهام اليدوية التي تقوم على التكرار ستحسن الكفاءة، من خلال تحرير الموظفين للتركيز على المجالات التي تدعو فيها الحاجة إلى استخدام قدرة الحكم البشري.
يستخدم كثير من الأشخاص منذ فترة تحليلات البيانات وتقنيات الروبوتات لإكمال المهام بسرعة. تستكشف الشركات الآن أدوات اصطناعية متطورة لديها القدرة على أن "تتعلم" مع مرور الوقت مزيدا من المعلومات التي تجمعها، ما يكسبها القدرة على التعرف على أنماط معقدة.
تتضمن الابتكارات التي هي في الطريق أنظمة يمكن أن تكشف حالات النشاز في جميع المعاملات المالية للشركة، مثل البنود غير المبررة التي لا تكون منسجمة مع ما تفعله الشركة في العادة.
يقول جون أندروز، رئيس قسم التكنولوجيا والاستثمارات في شركة PwC في المملكة المتحدة: "أصبح واضحا جدا بالنسبة لنا أنه سيكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير في أعمالنا، ولذلك فإننا نبني قدرات أقوى وأقوى في هذا المجال". وأضاف أن الاستثمار في هذا المجال من المرجح أن ينمو "بمعدل هائل".
وفي حين أن كثيرا من المشاريع تمر الآن بمرحلة تجريبية، إلا أن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي يجري طرحها في الأسواق. شركة EY، التي تقول إنها تنفق "الملايين سنويا" لتعزيز قدراتها الرقمية في تدقيق الحسابات، ستقوم هذا العام بطرح أداة ذكاء اصطناعي من شأنها أن تساعد العملاء على مراجعة وتصنيف جميع عقود الإيجار الخاصة بهم.
وتنوي منافستها شركة كيه إم بي جي نشر نظام "في القريب العاجل" يمكنه تقييم معلومات الائتمان المتعلقة بدفتر القروض التجارية للبنك، بما في ذلك البيانات "غير المهيكلة" من وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال.
وبدلا من أخذ لقطة واحدة من البيانات كعينة، كما كانت الحال منذ فترة طويلة في ممارسة الصناعة، يعتزم المدققون استخدام تعلم الآلة لتحليل مجموعات كاملة من البيانات لإلقاء الضوء على الحالات الشاذة الظاهرة.
يمكن أيضا نشر التكنولوجيا عند إنشاء نماذج تنبؤية، استنادا إلى بيانات من الماضي، من أجل توليد التنبؤات. على مدى الأشهر الـ 18 الماضية، كان هذا التركيز بالنسبة إلى شركة كيه إم بي جي، التي لديها اتفاق شراكة مع IBM Watson جنبا إلى جنب مع عدد من الشركات الناشئة الصغيرة لتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي.
وتقوم شركات المحاسبة بتوزيع هذه القدرات التكنولوجية في الوقت الذي تحاول فيه انتزاع أعمال التدقيق من المنافسين.
قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة الرامية إلى زيادة الاختيار والمنافسة أثارت موجة من عطاءات التدقيق - عندما تطلب الشركات من شركات المحاسبة التقدم بعطاءات.
وتنص على أنه يتعين على الشركات تقديم مراجعة لحساباتها كل عشر سنوات، وأن تبدل شركة التدقيق الأصلية بشركة جديدة كل 20 سنة على الأقل. كان هناك نحو 50 عطاء للتدقيق بين الشركات المدرجة على مؤشر فاينانشيال تايمز 250 في عام 2016، ارتفاعا من خمسة في عام 2012، كما أظهرت بيانات مجلس الإبلاغ المالي في المملكة المتحدة.
يقول ستيفن جريجز، رئيس التدقيق في شركة Deloitte: "تستمر توقعات التدقيق بشكل عام في الزيادة، كما أن الرقابة التنظيمية التي تشرف على أعمال التدقيق تزداد تشددا باستمرار".
ويضيف: "تميز الشركات نفسها عن طريق إثبات أن نهجها في الابتكار والتطورات التي توصلت إليها هي أكثر إثارة للإعجاب من الشركات المنافِسة".
ومع ذلك، يحذر النقاد من أن الضجة المحيطة بإمكانات الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في عالم التدقيق مبالغ فيها. وقال مجلس الإبلاغ المالي في تقرير صدر في كانون الثاني (يناير) الماضي، إن استخدام تحليلات البيانات "مبالغ في أهميته" من قبل شركات التدقيق في محاولاتها للفوز بعطاءات تنافسية.
ويشير آخرون إلى القيود التي تحيط بالتكنولوجيا نفسها. يقول أندرو جامبير، رئيس التدقيق والضمان في جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين، وهي الهيئة العالمية للصناعة: "في الواقع العملي، قد لا يقوم الذكاء الاصطناعي بأعمال أكبر بكثير لمساعدة المدققين على القيام بعمل أفضل".
على سبيل المثال، في المجالات التي يمكن للبشر أن يكونوا قادرين فيها على ملاحظة "أين تم تفويت أشياء أو لم يتم الإبلاغ عنها بشكل صحيح"، ستنظر الآلات فقط فيما تجده أمامها. ويقول: "إن هذا قد يخلق أيضا فرصا ليتم التلاعب بالنظام".
وهناك أيضا عوائق أمام التقدم. يقول هيرمان سيدهو، رئيس قسم التأمين العالمي الرقمي في شركة EY: "تكلفة التكنولوجيا - ومقدار ما نشتريه مقابل ما نبنيه - ستكون التحدي الكبير".
وهو يشير أيضا إلى صعوبة الاضطرار إلى جمع البيانات من منظمات كبيرة ربما تكون لديها أنظمة مالية معقدة ومتنوعة، والاضطرار كذلك إلى العثور على منهج منتظم لجمع تلك البيانات داخليا.
هناك آخرون يعربون عن مخاوفهم من أن الأنظمة والمعايير الحالية لن تكون قادرة على مواكبة معدل التغير.
بالنسبة إلى أندروز من شركة PwC، التحدي سيكون في إقناع أصحاب المصلحة – الزبائن والزملاء ولجان التدقيق والأجهزة التنظيمية – بصلاحية الذكاء الاصطناعي. ويقول: "سيحتاج الأمر إلى بعض الوقت للوصول إلى مستوى من الثقة بالتكنولوجيا الجديدة".