المشراق

مكتبة مكة المكرمة .. محل اهتمام الخلفاء والسلاطين على مر العصور

مكتبة مكة المكرمة .. 
محل اهتمام الخلفاء والسلاطين على مر العصور

مكتبة مكة المكرمة .. 
محل اهتمام الخلفاء والسلاطين على مر العصور

مكتبة مكة المكرمة .. 
محل اهتمام الخلفاء والسلاطين على مر العصور

تكتسب مكتبة مكة المكرمة أهميتها في الدرجة الأولى من حيث موقعها، حيث تواترت الأخبار أن موضع مكتبة مكة المكرمة الحالي هو مكان ولادة النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ. وتقع المكتبة في الجهة الشرقية للمسجد الحرام في شعب بني هاشم المعروف لاحقا بسوق الليل. وقد أجمعت كتابات المؤرخين المكيين وغيرهم على تعيين موضع ولادة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـــ بدءا من الأزرقي في القرن الثالث الهجري حتى عصرنا هذا فيروي الأزرقي في كتابه أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار عن جده وعن يوسف بن محمد في أمر المولد أنه ذلك البيت لا اختلاف فيه عند أهل مكة ويؤيد الفاكهي من مؤرخي القرن الثالث الهجري قول الأزرقي.
وقد حظي هذا الموقع باهتمام الخلفاء والسلاطين والملوك على مر العصور لما له من خاصية في قلوبهم، وقد بدأ الاهتمام به وجعله للعامة دون أحد بعينه في القرن الثاني للهجرة حينما قامت الخيزران والدة الخليفة هارون الرشيد بشراء هذه الدار من محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج بن يوسف وجعلته مسجدا وقد كان محمد بن يوسف اشترى الدار من ولد عقيل بن أبي طالب فأدخله في داره المعروفة بالبيضاء وما زال كذلك حتى اشترته الخيزران وأخرجته من دار محمد بن يوسف وجعلته مسجدا ويصف تقي الدين الفاسي (ت 832 هـ) الدار في عصره بقوله (أما صفته التي أدركناه عليها فإنه بيت مربع وفيه أسطوانة عليها عقدان وفي ركنه الغربي مما يلي الجنوب زاوية كبيرة قبالة بابه الذي يلي الجبل وله باب آخر في جانبه الشرقي أيضا وفيه عشرة شبابيك أربعة في حائطه الشرقي وهو الذي فيه باباه المتقدم ذكرهما وفي حائطه الشمالي ثلاثة وفي الغربي واحد وفي الزاوية اثنان واحد في جانبها الشمالي وواحد في جانبها اليماني وفيه محراب وبقرب المحراب حفرة عليها درابزين من خشب وذرع تربيع الحفرة من كل ناحية ذراع وسدس والجميع بذراع الحديد وفي وسط الحفرة رخامة خضراء وكانت هذه الرخامة مطوقة بالفضة) وأشار بعد ذلك أن هذه الحفرة وضعت للموضع الذي ولد فيه النبي ـــ صلى الله عليه وسلم.
ويذكر أن الناصر العباسي عمّره عام 576 هـ والملك المظفر صاحب اليمن عام 666 هـ وحفيده المجاهد عام 740هـ، وكذلك عمّره الأمير شيوخن سنة 758هـ وجدده السلطان سليمان عام 935 هـ وأمر السلطان محمد عام 1009هـ بعمارته أيضا، وقد رفع في هذه العمارة جدرانه وبني بأعلاه قبة عظيمة ومنارة وأوقف عليه أوقافا من البلاد الرومية.
وفي عهد الملك عبد العزيز أمر عام 1370هـ بإنشاء مكتبة عامة في موضع مكان ولادة النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ تسمى بمكتبة مكة المكرمة، وقد أشرف على بناء المكتبة الشيخ عباس قطان أمين العاصمة المقدسة في ذلك الوقت بتمويل من السيدة فاطمة القطان فشيدت مكتبة مكة المكرمة على دورين في شكل مستطيل طول الواجهة الغربية 13,26 متر وطول الجهة الجنوبية 20,17 متر، وعمل للمكتبة مدخلين رئيسين من الجهة الغربية وآخر فرعي في الجهة الشمالية، وقد خلا المبنى من دورات المياه احتراما وتقديرا لهذا الموضع المبارك.
وقد ارتبطت مكتبة مكة المكرمة إداريا في بادئ الأمر بالمديرية العامة للصحافة والإذاعة والنشر، ثم انتقلت لوزارة الحج والأوقاف ثم لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وأخيرا الآن لهيئة الأوقاف. وقد تولى إدارة المكتبة عدد من الأفاضل وهم عبد الله بن سليمان، ثم الشيخ عبد المالك بن عبد القادر الطرابلسي، ثم الدكتور عبد الرحمن بن عبد القادر الأنصاري, ثم يسلم بن عبد الواحد باصفار، ثم يوسف بن محمد الصبحي.
وقد حفظت لنا مكتبة مكة المكرمة عديدا من المكتبات الخاصة لعلماء وأدباء وأعيان مكة المكرمة وغيرهم التي جعلت من مكتبة مكة المكرمة مصدرا أساسيا لكل باحث ومقصدا لكل مطالع لما تحتويه تلك المكتبات من نفائس المخطوطات ونوادر المطبوعات. ومن أشهر تلك المكتبات الخاصة الموقوفة في مكتبة مكة المكرمة مكتبة الشيخ محمد ماجد الكردي، ومكتبة الشيخ عبد الحميد بن محمد علي قدس، ومكتبة الشيخ محمد بن سليمان حسب الله، ومكتبة الشيخ محمد علي بن حسين المالكي، ومكتبة الشيخ حسن بن محمد مشاط، ومكتبة الشيخ محمد سراج بن محمد نور ششة، ومكتبة الشيخ عباس بن صدقة عبد الجبار، ومكتبة عمر بن علي، وكذلك مكتبة الأديب حسين علي عرب، ومكتبة الأديب محمد أحمد شطا، ومكتبة محمد رشيد فارسي، ومكتبة الدكتور إبراهيم ركة، ومكتبة الأديب إبراهيم علاف، ومكتبة محمد سعيد طاهر.
وتحتفظ مكتبة مكة المكرمة بعديد من الدوريات وتبلغ فيها الدوريات أكثر من 30 دورية، إضافة لما تحتويه من نفائس المخطوطات ونوادر المطبوعات فمن تلك المخطوطات صحيح الإمام البخاري بخط العلامة حسين بن إبراهيم الأزهري، ومخطوط نهاية الأمل لمن رغب في صحة العقيدة والعمل لمحمد بن إبراهيم الدمياطي، والحديث شجون لجعفر بن أبي بكر لبني، والدرة الثمينة على مختصر السفينة لأحمد الحضراوي. ومن نوادر المطبوعات كتاب تفسير الخطيب لعبد الحميد الخطيب، وتحفة الأنام في مآثر البلد الحرام لعبد الله الزواوي، وشرح عقد اللآلي في علم الوضع لعبد الملك الفتني، والفتوحات الكوازية لعبد الفتاح العباسي.
وبقي أن نشير إلى أن الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان له دراسة مستفيضة شاملة لتاريخ مكتبة مكة المكرمة لا غنى لمن أراد التعرف على مكتبة مكة المكرمة أن يطلع عليها وقد طبعتها مكتبة الملك فهد الوطنية عام 1433هـ.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق