default Author

تحدي التضخم المزمن «2 من 2»

|
لن يكون هناك داع للقلق بوجه عام إذا استمر التضخم المنخفض لفترة قصيرة. فحدوث هبوط مؤقت في التضخم بسبب أسعار الطاقة المدفوعة بقوى العرض أو مكاسب الإنتاجية، على سبيل المثال، يمكن أن يعود بالنفع على الاقتصاد. غير أن تكرار انخفاض التضخم يقود الشركات والأسر إلى تخفيض تصوراتهم للأسعار المستقبلية وقد يؤجلون قرارات الإنفاق والاستثمار، ما يحدث تقلصا في الطلب يتسبب في تفاقم الضغوط الانكماشية. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يؤدي انخفاض التضخم "المزمن" إلى دورة انكماشية مكلفة ـــ كما رأينا في اليابان ـــ تتميز بالدعم المتبادل بين ضعف الطلب والانكماش، وينتهي الأمر بزيادة أعباء الديون وعرقلة النشاط الاقتصادي وإيجاد فرص العمل. ولذلك، فإن أحد العوامل الأساسية التي ينبغي النظر إليها هو توقعات الناس لمسار الأسعار في المستقبل. ذلك أن هبوط الأسعار اليوم يمكن أن يصبح عاملا مؤثرا حين يشكل الناس توقعاتهم لما هو مقبل. وهنا، نجد أن قدرة البنوك المركزية على تثبيت توقعات التضخم متوسطة الأجل على ركيزة التضخم المستهدف يمكن أن تساعد على تجنب تضخم منخفض باهظ التكلفة. ولم يحدث انخفاض كبير حتى الآن في معظم المقاييس المتاحة لتوقعات التضخم. ولكن الدراسة توضح أن البلدان التي تبلغ فيها أسعار الفائدة صفرا أو قريبا من الصفر قد ينظر إلى بنوكها المركزية على أنها لا تملك حيزا كبيرا لدعم النشاط والتضخم. والواقع أن الدراسة تخلص إلى أن الآونة الأخيرة شهدت زيادة في حساسية هذه التوقعات للتغيرات غير المتوقعة في التضخم، التي يُنتظر أن تكون صفرا إذا كانت توقعات التضخم في حالة ثبات تام. ويعني هذا أن توقعات التضخم بدأت تنفلت عن ركيزتها المتمثلة في أهداف البنوك المركزية لدى هذه البلدان. وبينما لا يزال الحجم الاقتصادي لهذا "الانفلات عن الركيزة" محدودا نسبيا، فإنه يعني أن القدرة المتصورة للسياسة النقدية على مكافحة انخفاض التضخم المزمن ربما تشهد تراجعا في بعض الاقتصادات. ينبغي اتخاذ إجراءات جريئة على صعيد السياسات لتجنب مخاطر القصور المزمن عن تحقيق أهداف التضخم وتآكل مصداقية السياسة النقدية، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة. ونظرا لمحدودية حيز السياسات المتاح في كثير من الاقتصادات، سيتطلب الأمر منهجا شاملا ومنسقا عبر مختلف أدوات الدعم التي تقدمها السياسات من أجل تشجيع الطلب وتثبيت توقعات التضخم في المنعطف الراهن. وبصورة أعم، ينطوي هذا على تكميل سياسة التيسير النقدي الجارية بسياسات مالية داعمة للنمو (في البلدان ذات الأجور الراكدة)، وإصلاحات هيكلية داعمة للطلب، مع معالجة تركات الأزمة (أعباء المديونية المفرطة والقروض المصرفية الكبيرة المتعثرة). ولا يزال الاحتمال ضعيفا أن يتحول انخفاض معدل التضخم الشائع حاليا إلى فخاخ انكماشية ضارة. ولكن نظرا لما ثبت من أن تحويل اتجاه الديناميكية الانكماشية بعد بدايتها أمر بالغ الصعوبة، فإن التهاون في مواجهة الوضع الراهن أمر لا قِبل للبلدان بتحمله.
إنشرها