الجامعات العربية .. وأزمات الربيع

الساحة العربية تغلي، وملايين البشر يموتون، وآخرون يشردون وينزحون – قسريا - من أوطانهم، وطائفية مقيتة تمزق الأوطان، وتشدد ديني يجز رقاب الأبرياء ويهدر دماءهم، ومنطقة عربية أصبحت ساحة للصراع بين القوى العظمى، ومحطة تجارب لأسلحة الدول الصناعية، وسوقا رائجة لمنتوجاتها العسكرية التي تسهم في إنعاش اقتصاداتها المنكمشة. الوضع يزداد سوءا، ومئات آلاف البشر يلجأون لأوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية، وفي خضم هذه الأحداث، تغط الجامعات العربية في نوم عميق وتمارس أعمالها وأنشطتها العلمية كأن شيئا لم يحدث في محيطها أو كأنها تعيش في كوكب آخر بعيدا عن الأحداث والمآسي! تحاول بعض الجامعات أن تظهر أنها لم تتأثر بالأزمات، فتنظم أنشطتها العلمية وتعقد ندواتها ومؤتمراتها السنوية، ولكنها مع الأسف بعيدة عن الواقع في تناولها لموضوعات تقليدية أقل أهمية لا تضيف الكثير للمعرفة العلمية، ولا تسهم في إيجاد حلول ناجعة للقضايا العربية المصيرية.
وعلى الرغم من الإنجازات العلمية المسجلة لعدد قليل من الجامعات العربية، فإنني لم أسمع خلال السنوات الثلاث الماضية عن مؤتمر واحد يتناول ما يجري على الساحة العربية بجدية وشفافية، بل هناك استمرار في عقد مؤتمرات حول موضوعات متكررة مثل "التنمية المستدامة" و"آفاق جديدة" ونحوها، دون إضافات علمية تذكر. والسؤال الذي يقفز في الذهن هو: لماذا هذا الخمول العلمي والعقم الفكري في معظم الجامعات العربية؟ لماذا لا تقوم الجامعات بقيادة التغيير في المجتمعات العربية؟ ولماذا انقلب الوضع وتغير الدور الطبيعي والمتوقع لدرجة أن أصبح التغيير في المجتمعات هو الذي ينعكس على أنشطة الجامعات وبرامجها، ومن ثم يُجبرها على التغيير، لدرجة أن الجامعات أصبحت في وضع "مخجل" فهي دائما تحاول مواكبة التغيير الذي يجري في المجتمعات، بدلا من أن تكون (هي) منارات للتغير المدروس والتأطير الموضوعي والتأصيل العقلاني للتغيير وتوجيهه التوجيه الصحيح؟!
كما يقال، لا بد أن يكون هناك سبب لكل نتيجة، فاعتقد أن السبب الرئيس هو غياب الحرية الأكاديمية في معظم الجامعات العربية، فهي لا تمتلك استقلالية في قراراتها في اختيار برامجها وانتخاب قياداتها واستقطاب المبدعين في مجالاتهم العلمية، فتعيين رؤساء الجامعات في بعض الدول العربية يتأثر بالانتماءات الحزبية أو الطائفية أو المحسوبيات الشخصية المتنوعة! وليس ضربا من الخيال أن نقول إن الدول العربية لن تتقدم ما لم تتمتع الجامعات باستقلالية وحرية أكاديمية تمكنها من إيجاد بيئات محفزة على الإبداع العلمي.
أما السبب الثاني فهو ضعف الدعم المخصص للبحث العلمي وكذلك ضعف أوعية النشر، ما أوجد بيئة أكاديمية لا تكرم المبدع، ولا تشجع المخلص، ولا توفر البيئة العلمية المحفزة للباحث الجاد، أي أن البيئات الأكاديمية في كثير من الجامعات لا تميز بين الغث والسمين في اختيار مقومات الحياة الأكاديمية الإبداعية الناجحة، بل ربما تقف عدم استقلالية الجامعات عائقا أمام عقد شراكات علمية جادة وتنقلات سريعة للباحثين من جامعة لأخرى. فنسبة الإنفاق على البحث العلمي في الدول العربية لا تتجاوز (0.5) في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي لا تصل إلى 1 في المائة، بينما تتجاوز 3 في المائة في بعض الدول المتقدمة!.
والسبب الثالث هو أن تطبيق معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي جاء شكليا في معظم الجامعات، وليس جوهريا، فمعايير الجودة لا تزال في حاجة إلى مراجعة، والمجتمعات الأكاديمية لا تزال في حاجة إلى توعية بأهدافها ومؤشراتها، فمن المؤسف أن الحراك "العارم" حول الجودة لم ينعكس على مخرجات الجامعات أو حراكها العلمي وإسهامها في خدمة المجتمعات، ودعم التغيير والتنمية في البلدان العربية إلى الآن.
في الختام أتمنى أن تركز جامعاتنا العربية على دراسة أوضاعنا الاجتماعية والسياسية والبيئية بجدية ومن ثم الإسهام في إيجاد حلول ناجعة، بدلا من تبني الحلول المستوردة كما يحدث في معظم الأحيان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي