Author

نظام مكافحة العنصرية وبث الكراهية

|

في جلسات سابقة لمجلس الشورى كنا نتابع باهتمام الحوارات التي تدور حول نظام مكافحة العنصرية وبث الكراهية، لكن بعد عدة شهور من الغياب ظهر من جديد الملف، وعبر عنه أخيرا رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية عبدالعزيز بن عبدالكريم العيسى في تصريح صحفي جاء فيه: إن مشروع نظام مكافحة العنصرية وبث الكراهية المقدم من عدد من الأعضاء يحتاج إلى دراسة مستفيضة وتأن قبل إقراره من قبل المجلس، ورفعه إلى الجهات العليا.
وجميل جدا أن نتأنى في دراسة الأنظمة قبل إقرارها، لكن نرجو ألا تستغرق أوقاتا طويلة أكثر من اللازم، لأن المجتمع السعودي يفتقر في حياته العامة إلى كثير من الأنظمة، ومطلوب من مجلس الشورى أن يبذل مزيدا من الجهد لإصدار كثير من الأنظمة التي تنظم حياته ومعيشته.
ودعونا نكون صرحاء، لقد استمر المجتمع السعودي بعيدا عن منصات بعض العناوين الحساسة والمهمة لعقود طويلة دون مبرر موضوعي، ومن المصطلحات التي كان الضوء الأحمر يتوهج حولها موضوع وضع نظام لصيانة الوحدة الوطنية أو نظام لمكافحة العنصرية ونبذ الكراهية، أو وضع دستور للبلاد يعالج خريطة المجتمع، ويعبر عن الهوية التي يتحلى ويتجلى بها الشعب السعودي.
واليوم يعود مجلس الشورى المحترم إلى فتح باب المناقشة لوضع نظام لمكافحة العنصرية وبث الكراهية، وهو موضوع من أهم الموضوعات التي يجب أن يقترب منها المجلس ويناقشها حتى ينهيها وينجزها.
وبداية يجب أن نعترف بأن المجتمع السعودي مثله مثل أي مجتمع آخر فيه شرائح طائفية، وأخرى قبلية، مع بعض الخلافات المناطقية.
هذه الاتجاهات الموجودة في مجتمعنا وموجودة في أي مجتمع آخر في حاجة إلى وعاء تنصهر فيه بكل تناقضاتها، وتتم بينها عمليات تسوية ودية براجماتية، بحيث تكون كل الاختلافات مقبولة من الجميع، وينخرط الجميع في تعلية الوطن على كل ما عداه من آراء وأفكار. أي أن نظام مكافحة العنصرية وبث الكراهية الذي نأمل أن يخرج إلى النور من قبل مجلس الشورى الموقر يجب أن يستهدف نبذ الكراهية وتعلية وحدة الوطن على كل ما عداها من توجهات واتجاهات.
ولذلك فإن التأخير في إنجاز مشروع النظام سيؤخر علاج إحدى المشكلات التي تستحق أن نعالجها بسرعة وحكمة.
بداية يجب الاعتراف بأن المجتمع السعودي ــ كما قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ــ مجتمع متنوع، يتكون من سني وشيعي، ومن سنيين وشيعيين، فليس السنة كلهم على مذهب واحد، وليس الشيعة كلهم على مذهب واحد، لكن الجميع كله ــ إن شاء الله ــ على قلب رجل واحد.
كما أن النزعة القبلية ــ في غياب نظام لمكافحة العنصرية وبث الكراهية ــ بدأت تبحث لها عن مكان في جملة الأحداث التي يشهدها الإعلام، وبالذات إعلام التواصل الاجتماعي الذي أخذ يزكي النعرات العرقية والقبلية.
ولن يحمي مجتمعنا من خطورات هذه النعرات والخلافات إلا وجود نظام براجماتي متوازن يحتمي به الجميع، ويحمي حقوق الجميع، ويحافظ على كيان الدولة من نزق المتطرفين والمتعصبين والاستحواذيين.
وأزعم أن أي مواطن في مملكة الخير والإنسانية المملكة العربية السعودية حريص على الوحدة الوطنية، وحريص على الدفاع عنها بالغالي والنفيس.
إن الوطنية هي الرابطة المقدسة التي تربط أبناء الوطن برباط الولاء للوطن أولا وثانيا وثالثا وأخيرا.
إننا في أمس الحاجة إلى تأسيس ثقافة وطنية تقوم على أساس تأسيس ما لم يؤسس لوطن احتضننا، وآوانا، وآخانا، ووحدنا، وحمانا، وكتب مستقبلنا بأحرف من نور وعمار.
لقد أثبتت بعض المواقف الوطنية وبالذات منذ اندلاع "عاصفة الحزم" أننا في أمس الحاجة إلى ثقافة لوحدتنا الوطنية، وكان المفروض أن نعطي المثقفين والمفكرين فرصة تعاطي قضايا الوحدة الوطنية من أجل بناء ثقافة وطنية يتغلغل فيها الشعب السعودي من أقصاه إلى أقصاه، ثقافة تعبر عن الوحدة الوطنية بكل مكوناتها المذهبية والقبلية والطائفية دون إقصاء أو تخوين وتجريم أو حتى تحريم.
ويجب أن نعترف أن هناك لغطا بين الهوية الوطنية والهوية الدينية، وهناك من يفصل الهوية القبلية عن الهوية الدينية، ومن يقدم الهوية القبلية على أي هوية أخرى.
وهذا الطرح ينافح عنه البعض، ويشكل قضية إشكالية يستلزم طرحها ومناقشتها وتقريب البعدين حتى لا يكون هناك تضارب بين الهوية الدينية والهوية القبلية أو الوطنية.
ويذكرنا هذا الإخلال بما كان سائدا في الستينيات والسبعينيات بين أنصار الإسلام في مواجهة أنصار العروبة، وهم الذين وظفوا الإسلام ضد العروبة، مع أن الإسلام بزغ نوره من بلاد العروبة، وقرآنه الكريم نزل بالعربية، ورسوله عربي يفخر بعروبته، ولا مكان للتناقض والتعارض بين الإسلام والعروبة بأي حال من الأحوال، لكن للأسف بعض المفكرين في إيران وفي الهند روجوا للتضاد من وجهة نظر سياسية بحتة، وفي مقدمتهم المفكر الإسلامي المعروف أبو الأعلى المودودي ومعه كل ملالي إيران، الذين فسروا وعرفوا العروبة وكذلك الإسلام من وجهة نظر مذهبية وسياسية وليست دينية، فوضعوا الدين الإسلامي في كفة والعروبة العرقية في الكفة المعارضة، ونقشوا بينهما معارضة مفتعلة لا أساس لها من الصحة!

إنشرها