أخبار اقتصادية- عالمية

انتهاء عصر سياسة التيسير الكمي يرفع معدل النمو الأمريكي

انتهاء عصر سياسة التيسير الكمي يرفع 
معدل النمو الأمريكي

رويدا رويدا تقترب اللحظة التي سينظر فيها الاقتصاد الأمريكي، ومعه اقتصادات البلدان الرأسمالية عالية التطور، إلى المرآة ليعرف وجهه الحقيقي، فالسياسات المالية التي تبنتها الولايات المتحدة منذ انفجار الأزمة المالية العالمية عام 2008، ومعها عديد من دول أوروبا الغربية واليابان، تلفظ أنفاسها الأخيرة الآن بعد أن أدت إلى حد كبير المهام التي ألقيت على عاتقها لسنوات.
وبينما الأوضاع مهيأة في الولايات المتحدة لرفع أسعار الفائدة، تبدو الأسواق الأمريكية أيضا أكثر استعدادا لأن يتم "فطامها" ووقف سياسة التيسير الكمي التي استمرت لسنوات، ومثلت عمليا شكل من أشكال الدعم الحكومي للاقتصاد الوطني، لتفادي الدخول في مزيد من الانكماش الاقتصادي.
وإذا كان انتهاء سياسة التيسير الكمي الأمريكية بات أمرا واقعا لا محالة منه، فإن السؤال الرئيسي يرتبط الآن بالشكل الذي سيكون عليه الاقتصاد الأمريكي في المرحلة المقبلة ومعدل النمو المتوقع؟
"الاقتصادية" توجهت بهذا السؤال لعدد من المحللين والخبراء، بهدف التوصل إلى تصور عام لما سيكون عليه شكل الاقتصاد الأمريكي في المرحلة المقبلة.
الدكتور جيمس برابازون أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن يعتقد أن الأسواق الأمريكية أكثر استعدادا لقبول انتهاء سياسة التيسير الكمي الآن مقارنة بالأشهر الأخيرة من فترة الإدارة الأمريكية السابقة.
وأضاف برابازون: "وصول ترمب إلى سدة السلطة في أمريكا كان مؤشرا بأن كبار الرأسماليين والصناعيين الأمريكيين على استعداد لمرحلة اقتصادية جديدة. والسؤال المطروح حاليا هل سيكون الاقتصاد الأمريكي قادرا على بلوغ معدل نمو 3 في المائة وهو المعدل المستهدف من قبل إدارة ترمب".
وأشار برابازون إلى أنه "من الممكن جدا أن يحقق الاقتصاد الأمريكي معدل نمو 3 في المائة خلال الفترة المقبلة، فقد حقق معدل نمو 2 في المائة سابقا في ظل تدابير وإجراءات تنظيمية مشددة، وعلى الرغم من إدراك الأسواق بأن عصر التيسير الكمي انتهى، فإن معدل النمو في الربع الثاني من هذا العام بلغ 3 في المائة، بعد أن كانت التقديرات الأولية تشير إلى أنه لن يتجاوز حدود 2.6 في المائة، ليحقق بذلك أعلى معدل نمو منذ الربع الأول من عام 2015، وهو ما يعكس زيادة في الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة، ومزيد من الاستثمارات، ولكن مواصلة تحقيق معدل 3 في المائة نمو سنويا سيتطلب مجموعة من الإصلاحات الضريبية والتنظيمية لتحفيز النمو، على أن يتواكب ذلك مع سياسات نقدية مشددة وأكثر انضباطا لمواجهة التضخم".
روي بلوم الخبير الاستثماري يتفق مع وجهة النظر تلك، بأن الاقتصاد الأمريكي على أعتاب مرحلة جديدة، تعكس الوجه الحقيقي لسياسة ترمب الاقتصادية، لكنه يؤكد أنها تتطلب كثيرا من الحذر في الأداء، خاصة فيما يتعلق بقرارات المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
وأوضح روي بلوم: "لا بد أن يكون الفيدرالي الأمريكي في أعلى درجات الحذر، وهو يقلص الميزانية العمومية البالغة 4.5 تريليون دولار التي تمت مراكمتها عبر ثماني سنوات من سياسة التيسير الكمي، ولا شك أن الشفافية في كيفية التخلص من محفظة استثمارية بهذا الحجم المهول أمر شديد الأهمية، لكن الأهم هو أن تتم عملية التخلص تدريجيا ودون تسرع، لأنه إذا لم يتم ذلك فستشهد السوق تدفقا لأصول استثمارية بشكل كبير، ما قد يؤدي إلى انهيار الأسعار، ولهذا طالما هناك إمكانية للتحكم في عملية تسيل المحفظة الاستثمارية فإن الاقتصاد الأمريكي سينمو بمعدل 3 في المائة سنويا، دون أي ضغوط عنيفة".
هوراشيو كلير الباحث في قسم الأبحاث في بنك إنجلترا، يصف سياسة التيسير الكمي بأنها "شحوم على جسد" الفيدرالي الأمريكي، ومن ثم فإن التخلص منها سيجعل الاقتصاد الأمريكي بل الاقتصاد الأوروبي والياباني أكثر رشاقة وقدرة على "القفز أو الجري".
واعتبر كلير أن سياسة التيسير الكمي كانت بالأساس معزوفة نشاز في الأوركسترا الرأسمالية، إذ تتضمن بشكل أو بآخر تدخل الدولة في آليات عمل السوق الرأسمالي، عبر ضخ مصطنع للمال في المفاصل الاقتصادية الرئيسة، وهذا أحدث درجة من الشحوم على جسد الاقتصاد، وكانت ضرورية لحمايته من الهجمات التي يتعرض لها، والآن الوضع اختلف فأغلب مؤشرات الاقتصاد الأمريكي إيجابية، ومن ثم فقد حان الوقت لتغيير الوضع عبر التخلص من الشحوم، وإعطاء الفرصة لعضلات الاقتصاد الأمريكي في النمو والبروز".
وأشار كلير إلى أن الاقتصاد الأمريكي سيكون في وضع أفضل مع انتهاء سياسة التيسير الكمي، وسيستعيد في المرحلة المقبلة جاذبيته الاستثمارية المفقودة لسنوات، فالأجور المنخفضة، والعمالة المؤقتة، والضغوط على سوق العمل بصفة عامة، تؤدي إلى انخفاض الإنفاق، وهذا يؤدي إلى انكماش اقتصادي، والولايات المتحدة تتخلص حاليا من تلك المعوقات.
لكنه يستدرك قائلا: "هذا لا يعني أن المشهد سيعود ورديا بين ليلة وضحاها، فالسياسات المالية للفيدرالي مثله في ذلك مثل معظم البنك المركزية في العالم، اعتمدت على محورين أساسيين هما السيطرة على معدل التضخم ومعدل البطالة، وقد نجح في خفض معدلات البطالة، بينما لم يفلح بعد في رفع معدلات التضخم إلى المستوى المطلوب وهو 2 في المائة، والتخلص من سياسة التيسير الكمي قد يرفع نسبيا من معدلات التضخم.
البروفيسور برايان كوجل أستاذ الاقتصاد الكلي يعتقد أن التخلص من سياسة التيسير الكمي في الولايات المتحدة سيفتح آفاقا إيجابية للاقتصاد الأمريكي بصفة عامة، لكنه يشير إلى ضرورة النظر إلى تلك التطورات من منظور أكثر شمولا.
ويؤكد كوجل أن تحليل مستقبل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ما بعد التيسير الكمي قد يكون شديد الإيجابية، إذا حللنا المشهد بناء على تفاعلات الميكنزمات الداخلية لأداء الاقتصاد الأمريكي، ولكن هذا التحليل لا يمنحنا رؤية شاملة، وذلك لأن الاقتصاد الأمريكي لا يتحرك بمعزل عن الاقتصاد الدولي، ولهذا لا بد من النظر إلى انعكاسات التخلص من سياسة التيسير الكمي على الاقتصاد العالمي ككل خاصة في الاقتصادات الناشئة، ولا بد كذلك من رصد المسار المقبل لسعر صرف الدولار وعلاقته بعملات الاقتصادات الناشئة، وتأثير ذلك في كل من الميزان التجاري وميزان المدفوعات الأمريكي، كما أن التوقعات بشأن العلاقة المقبلة بين الاقتصاد الأمريكي والصين تبدو محل جدل كبير في الوقت الذي قد يفوق تأثيرها تأثير سياسية التيسير الكمي.
ولفت كوجل إلى أنه "يجب أن نأخذ في الحسبان المدى الزمني الذي سيتخذ فيه كل من المصرف الأوروبي والبنك المركزي الياباني قرارهما بوقف أو تقليص سياسة التيسير الكمي، كما أن العلاقة بين الدولار والذهب أيضا يجب أخذها في الحسبان، وهذا يدفعني إلى القول إن تأثير إلغاء سياسة التيسير الكمي في الاقتصاد الأمريكي لربما يكون إيجابيا مقارنة بالوضع الراهن، ولكن تلك الإيجابية مشروطة بأن تصب العوامل الأخرى في مصلحة الاقتصاد الأمريكي أيضا وليس العكس".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية