الوسطية الاقتصادية

أثناء الاستماع إلى حديث بين بعض الأصدقاء حول مواضيع الشأن العام كرر بعضهم مدى الحاجة إلى الوسطية في كل الشؤون العامة بما في ذلك السياسات العامة في الاقتصاد والتعليم ما جعلني أفكر في المصطلح وتبعاته. الوسط السعودي معتدل في مجمل أفكاره وتصرفاته وأفراده ولذلك كانت الوسطية كطرح فكري وممارسة عميقة، ولكنها أيضا دائما قريبة إلى السطح والمنطوق ربما لأنها ارتسمت بخلفية دينية واجتماعية معينة، فالدين يدعو للوسطية وأعراف القبيلة العربية تدعو للاعتدال في التصرفات نحو الآخرين أيا كانت العلاقة في المنظومة. ولذلك ليس هناك غرابة في الدعوة العامة للوسطية وإلى جانب هذا أندعو للانتقال لمرحلة تنموية جديدة وبرامج اقتصادية على ألا نوظف مصطلحات قديمة لا تناسب المرحلة. منهجيا هناك إشكالية عملية حيث إن التقدم الاقتصادي يتطلب دقة بينما الوسطية مصطلح فضفاض يناسب إطارا أوسع، بينما الاقتصاد والعلم ُيداران من خلال إطارات أكثر تحديدا ودقة في المسألة. الخلط بين الإطارين يتضمن مخاطر اقتصادية وتعليمية.
الاقتصاد والعلم يقاسان من خلال معايير معروفة ولكن الوسطية الاجتماعية تسمح بتغير المحور والمحيط في النقاشات العامة، ولكن أيضا طبقا لعوامل تاريخية وثقافية بعيدة المدى وأحيانا بطيئة التأثير يصعب على البعض التكيف، خاصة أن المملكة مرت بمرحلة مريحة ماديا للغالبية ما أثر في أنماط تصرفاتهم وسعيهم المعرفي. عمليا حين تأخذ بالوسطية في الاقتصاد والتعليم فإنك تستخف بالرسائل للمتلقي. تقليص الدعم أو تقليل منافسة الوافدين للمواطن أو حتى التعامل مع العجز “بوسطية” قد تفهم بدرجة من الموضوعية على أن مستوى الجدية محدود وبالتالي علينا الحرص في توصيل الرسالة إذ أحيانا الرسالة أهم من الخطوة الأولى. الرسالة تذهب بعيدا بينما الخطوة تتطلب درجة معينة من التكيف، فالرسالة تعني توجها بينما الخطوة قد تعني أشياء كثيرة ولذلك علينا توخي الحرص والدقة. يجب علينا التفريق بين الرسالة والخطوة، بل إن هناك مخاطر كبيرة حين لا نفرق أو نستهين بالمصطلح. وكذلك في التعليم فحين نستسهل الحصول على شهادة جامعية أو بعثة دراسية دون تمحيص وتفريق بين المجتهد والمستغل للحكومة، وهم ليسوا قليلين، نصبح كلنا ضحايا، فنصف متعلم أخطر من الجاهل. الكسول فكريا وعمليا يضر بالجميع. ولكن أيضا تتدخل عقلية التاجر العربي في استغلال ما يمكن دون مسؤولية اجتماعية، عدم التفريق يذكرني بعدم التفريق بين المعلومة والمعرفة أوحتى الدعوة السطحية للاقتصاد المعرفي. ولذلك هناك صعوبة مجتمعيه في التفريق ورسم الخطوط والخطط.
جاءت “رؤية” ولي العهد لتجسد لمرحلة جديدة في الاقتصاد ولكنها أبعد وأوسع من الاقتصاد خاصة أن النقلة التنموية أشمل من الخطوات الاقتصادية الضرورية. امتدت بالضرورة إلى نواح اجتماعية وتنظيمية وهذا ميدانها مجمل التصرفات البشرية على المستويين الفردي والجمعي. لذلك علينا المراهنة على المخزون الثقافي الأصيل في الوسطية كإطار ثقافي عام، ولكن أيضا الاستعداد لخوض مرحلة مختلفة نوعيا بما في ذلك قبول مصطلحات جديدة مناسبة وعدم زج الوسطية كمعيار للاقتصاد والتعليم. الاعتدال في التصرف نحو الآخرين مختلف عن التوجس من التكيف اقتصاديا مع دخل أقل بسبب انخفاض أسعار النفط ومصروفات عامة عالية ونقد جامعات ضعيفة عامة وخاصة وبعثات محدودة المردود.
التحدي الحضاري يعتمد على النجاح اقتصاديا وتعليميا وليس حديثا مبهما عن الوسطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي