FINANCIAL TIMES

الصين .. أسراب من طائرات «الدرون» لتحدي الهيمنة الأمريكية

الصين .. أسراب من طائرات «الدرون» لتحدي الهيمنة الأمريكية

الصين .. أسراب من طائرات «الدرون» لتحدي الهيمنة الأمريكية

مع مراوحها الصغيرة التي تصدر أزيزا، ينطلق أسطول الطائرات الصينية الأكبر حجما قليلا من حجم مجسمات الطائرات الصغيرة، في الهواء تباعا. وعلى الفور تمتلئ السماء بطائرات تشبه الألعاب تحلق في تشكيلات فوق جبال غير معروفة في الصين.
هذا المشهد غير المتوقع يمكن أن يمثل ثورة في الشؤون العسكرية. اشتمل عرض 11 حزيران (يونيو) لتكنولوجيا "أسراب" الطائرات الذي قدمته مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات في الصين، وهي شركة فائقة التكنولوجيا تمتلكها الدولة، على 119 طائرة بدون طيار "درون". وبهذا أصبح السرب هو الأكبر في العالم، وفقا لمجموعة التكنولوجيا، محطما بذلك الرقم القياسي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.
ويتم تحميل كل طائرة صغيرة الحجم - اشتريت عبر الإنترنت مقابل بضع مئات من الدولارات - ببرمجيات وأجهزة استشعار، قادرة على التواصل مع الطائرات الأخرى الموجودة في السرب. يعمل المطورون على تحقيق مستقبل يمكن أن تعمل فيه آلاف الطائرات معا بشكل متزامن، بحيث تحدد الأهداف وتهاجمها. نظريا، يمكن لمثل هذه الأسراب أن تحتوي على طائرات بدون طيار مزودة بصواريخ أو رؤوس حربية قادرة على شن هجمات متطورة مصممة لتطغى على الدفاعات من خلال أعدادها المطلقة.
يقول راندال ستيب، كبير المهندسين في شركة راند في الولايات المتحدة: "يعيدنا هذا كله مرة أخرى إلى تكتيكات أتيلا الهوني. قوة هجومية ضئيلة يمكنها هزيمة الأعداء الأكثر تطورا والأكثر قوة. وهي تأتي بشكل مفاجئ، تهاجم من كل الجهات ومن ثم تختفي، مرة بعد مرة".
شهدت الجهود التي بذلتها الصين على مدى عقدين من الزمن بهدف تحديث قوتها العسكرية تطورا في مقاتلات الشبح، ومدمرات الصواريخ الموجهة، والصواريخ البالستية التي تحمل القذائف المقاتلة، في الوقت الذي شهدت فيه أيضا حدوث تخفيض في عدد قواتها. وستنفق بكين ما لا يقل عن 152 مليار دولار هذا العام على قوتها العسكرية، لكنها اقتربت فقط في عدد قليل من المجالات من تجاوز التكنولوجيا الأمريكية. وهي تراهن الآن على أن أسراب الطائرات بدون طيار، والأجهزة منخفضة التكنولوجيا التي تعمل معا من خلال ذكاء اصطناعي فائق التكنولوجيا، سوف تصبح سلاحا من أسلحة المستقبل.
المقامرة هي أنها يمكن أن تكون فاعلة بوصفها سلاحا قاتلا وغير قاتل في آن معا. مثلا، يمكن لآلاف الطائرات الرخيصة، المنتجة من خلال طابعات ثلاثية الأبعاد، أن تهاجم في أسراب كالجراد حاملات الطائرات أو الطائرات المقاتلة التابعة للعدو، التي ليست لها حاليا أي تدابير مضادة لمثل هذه الهجمات.
ويمكن أن تظهر أسراب من القوارب ذاتية القيادة عندما تبحر سفينة أمريكية بالقرب من جزيرة متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وتسد الطريق عليها. وتستطيع هذه الأمور التي يشار إليها من قبل القوة العسكرية الأمريكية باسم "تهديدات المنطقة الرمادية" أن تتسبب في معضلة للقوة العسكرية المتفوقة تتعلق بكيفية الرد دون أن يبدو أنها هي المعتدية.
يقول فاسيلي كاشين، الخبير في شؤون القوة العسكرية الصينية في كلية الاقتصاد العليا في موسكو: "يعتبر الاحتشاد في أسراب حاليا واحدا من المجالات الواعدة في مجال تطور تكنولوجيا الدفاع في العالم. والصينيون يعطونه الأولوية".
كذلك الحال في واشنطن. يقول بول شار، وهو زميل أول في مركز الأمن الأمريكي الجديد يكتب حول الروبوتات العسكرية: "من الواضح أن الولايات المتحدة والصين تعيشان سباق احتشاد غريب. ووجود سرب مكون من أكثر من عشر طائرات بدون طيار ليس من الضروري أن يكون أفضل. المهم هو الأمور التي لا يمكنك رؤيتها. إنها الخوارزميات التي تحكم سلوك السرب".
وتصر الصين على أنها تسير الآن على قدم المساواة مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار، مع قول مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات في بكين إنها "حققت بعض الإنجازات الكبرى". لكن يحذر الخبراء من أن تكنولوجيا الأسراب المتطورة لا يزال أمامها طريق طويل وسوف تتطلب تطوير كل من التكنولوجيا اللازمة لتعزيز التواصل ما بين الطائرات، وأساليب الحفاظ عليها في الجو لفترة زمنية أطول، وقوة عسكرية حديثة قادرة على نشر الأسراب بشكل فاعل.
من الصعب تقييم الادعاء بأن تكنولوجيا الصين متفوقة على تكنولوجيا الولايات المتحدة، بحسب ما يقول شار. القوة العسكرية الأمريكية تشغل نحو سبعة آلاف طائرة بدون طيار. يقول المحللون إنه قد يكون هناك ما لا يقل عن 1300 طائرة تعمل حاليا ما بين الجيش الصيني والقوات الجوية، على الرغم من أنه لم يتم استخدام أي منها في مهمات هجومية.
مع ذلك، شهدت الطائرات بدون طيار صينية الصنع قتالا في مناطق الحرب المنتشرة في العالم، على أيدي مستوردين مثل العراق. لكن هذه الطائرات ليست ذاتية القيادة، وتتطلب وجود طواقم جوية لا تقل عن ثلاثة أشخاص لتشغيلها.
تعمل الأسراب على زيادة قوة الطائرات بشكل أكبر. يضيف شار قائلا: "جوهر عمل السرب هو التعاون. فوجود مائة أو ألف طائرة بدون طيار رخيصة الثمن وصغيرة الحجم لا يمكنها التواصل فيما بينها وتنسيق السلوك ليس بالأمر الجيد. الجيد هو إن كان بإمكانها التواصل فيما بينها والعمل بشكل تعاوني. هذا هو الفرق ما بين مجموعة من الذئاب ووجود عدد قليل من الذئاب فقط".

التفوق التكنولوجي

شهدت السنوات الـ 25 الماضية فترة من الهيمنة العسكرية الأمريكية المبنية على التكنولوجيا المتقدمة في مجالات مثل الأسلحة الدقيقة وطائرات الشبح.
تحتفظ الولايات المتحدة التي يبلغ إنفاقها في المجال العسكري أربعة أمثال إنفاق الصين، منافستها الأقرب في هذا الجانب، بالأسبقية من خلال كميات ضئيلة من الأسلحة المتطورة للغاية. لكن بينما يستطيع المتخلفون اللحاق بالركب والحصول على صواريخ كروز وطائرات الشبح المقاتلة الخاصة بهم، تركز الولايات المتحدة على تكنولوجيات أحدث. وأدى ذلك إلى وجود حقبة جديدة من الأسلحة، حيث ستظهر الروبوتات، وأسلحة الطاقة الموجهة، والأسلحة المصنعة بالطابعات ثلاثية الأبعاد في ساحة المعركة في المستقبل.
ويبشر ظهور تكنولوجيا الأسراب بفترة من شأنها أن تعكس اتجاه الربع الماضي من القرن، الذي شهد نشر عدد أقل لكن أكثر تقدما - وأكثر تكلفة - من منصات الأسلحة. وربما يشهد الجيل المقبل من الأسلحة وجود أنظمة تكنولوجيا متطورة متفوقة بسبب الأعداد الضخمة من الأسراب ذاتية القيادة.
يقول شار: "إن النتيجة ستكون تحولا جماعيا حيث تصبح الأعداد الضخمة مرة أخرى هي العامل الحاسم في ساحة المعركة، حيث ربما يكون استخدام الخوارزمية الأكثر ذكاء أكثر أهمية من وجود أفضل الأجهزة".
وتعطي الولايات المتحدة الأولوية لوجود أجهزة متقدمة جدا ومكلفة مثل طائرات "جلوبال هوك" Global Hawk بدون طيار التي تتطلب وجود فريق مكون من عشرات الأشخاص لإبقائها محلقة في الجو. وميزة الأسراب هي أنها تتطلب وجود أجهزة منخفضة التكنولوجيا نسبيا، إضافة إلى برمجيات متقدمة. ويرى بعضهم في الصين أن الروبوتات تشكل جزءا من حرب غير متكافئة يستطيع فيها الخصم ذو القدرات الكلية التي تعتبر أدنى من الناحية التكنولوجية هزيمة الطرف الآخر المتفوق.
تقول إلسا كانيا، وهي باحثة مستقلة في الشؤون العسكرية الصينية: "جيش التحرير الشعبي يتوقع أن إمكانية أن تصبح استخبارات الأسراب وتكتيكاتها بمثابة وسيلة غير متناظرة لاستهداف منصات الأسلحة الأمريكية رفيعة المستوى".
ويؤدي ذلك إلى توليد توترات داخل صفوف المؤسسة الدفاعية في الصين، حيث يكون التنافس على الموارد والتمويل مكثفا وسط عملية إصلاح جذرية للخدمات. يرغب القادة العسكريون في الحصول على طائرات وسفن مكلفة تنافس الأسلحة الأمريكية. لكن فصيلا متزايدا داخل جيش التحرير الشعبي يحبذ توفير مزيد من الموارد لأسلحة الجيل المقبل.
وانج ويكسينج، مدير البحوث العسكرية في جيش التحرير الشعبي، واحد من عدد من الأشخاص الذين يقولون إن تركيز بكين على الوصول إلى مكانة الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا - المقاتلات الشبح، والصواريخ القاتلة المحمولة، وحاملات الطائرات - أمر خاطئ وينبغي لها اعتماد استراتيجية "غير تماثلية" مرتكزة على الطائرات بدون طيار.
في حزيران (يونيو) الماضي كتب وانج في تعليق نشر في الصفحة الرئيسية في صحيفة الجيش اليومية: "بينما لا يزال الناس يستعدون لمواجهة حرب فائقة التكنولوجيا، يتشابك القديم والجديد ليشكلا معا شكلا جديدا من الحرب الهجين المعقدة والمخفية. كما أن القتال الخالي من الأفراد آخذ في الظهور بشكل تدريجي. في الوقت الذي يدفن فيه الناس رؤوسهم في الرمل محاولين سد الفجوة مع القوى العسكرية الموجودة في العالم فيما يتعلق بالأسلحة التقليدية، نجد أن المعدات الحربية الخفيفة التي تقودها التكنولوجيا على وشك السيطرة على الساحة القتالية".
وتمتلك الصين التي تقع في صميم صناعة الطائرات بدون طيار التجارية، بعض الميزات في الوقت الذي يبزغ فيه فجر حقبة المنظومات غير المأهولة بالأفراد. وتسيطر الشركات المصنعة مثل "دي جيه آي" و"زيروتيك" و"إيهانج" على صناعة الطائرات بدون طيار الاستهلاكية العالمية وقد تم اختيار كثير من شركات القطاع الخاص للعمل لصالح جيش التحرير الشعبي.
يقول تاي مينج تشيونج، مدير معهد الصراعات العالمية والتعاون في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو: "من غير الواضح بشكل متزايد ما هي الحرب المدنية والحرب العسكرية، خاصة في مجالات مثل المركبات الجوية الخالية من الأفراد".
مثلا، كانت الطائرة المستخدمة من قبل مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات في الصين في تجربة الأسراب التي أجريت في حزيران (يونيو) هي "إكس-6 سكاي ووكر"، وهي طراز تجاري يمكن تكييفه بكل سهولة حسب الطلب. يقول أحد مهندسي الطائرات الأمريكية بدون طيار، طلب عدم الكشف عن اسمه: "إذا ذهبت الميزة العسكرية إلى البلد الذي يمكنه تصنيع الكميات الأكبر من السلع الإلكترونية الرخيصة، حينها احذروا من الصين".
ويتحدث القادة الصينيون عن التقدم التكنولوجي حتى في الوقت الذي تعتزم فيه القوات العسكرية في البلاد تسريح 300 ألف موظف بحلول عام 2018، لتصبح أكثر تبسيطا وجاهزية للقتال. وتتطلب الأسراب التي تعمل بشكل ذاتي مستقل عددا أقل من القوات النشطة.
يقول خبراء الدفاع إن تكنولوجيا الأسراب أمر جذاب بالنسبة لبكين على اعتبار أنها تسمح للصين بتشكيل قوة ذات احتمالية أقل للمواجهة العسكرية. كما أن الطائرات بدون طيار، خلافا للطائرات المقاتلة أو حاملات الطائرات، أقل تهديدا ويمكن إسقاطها أو الاستيلاء عليها دون استثارة تصعيد عسكري. في كانون الأول (ديسمبر)، استولت الصين على طائرة أمريكية بدون طيار في مياه بحر الصين الجنوبي، أعادها جيش التحرير الشعبي بعد أيام قليلة. هذا كان من شأنه استشارة أزمة كبيرة لو كانت الطائرة بقيادة طيار من البشر.

العزوف عن المخاطر

وتضغط الصين أيضا في مجالات أخرى من تكنولوجيا الروبوتات بما في ذلك محاكاة روبوت شركة بوسطن ديناميكس لمساعدة القوات المسمى "الكلب الكبير" Big Dog والذي يشبه شيئا من أفلام حرب النجوم ويهدف إلى حمل المعدات لنقلها إلى ساحة المعركة. وعرضت شركة يونتشاو للتكنولوجيا، التي يوجد مقرها في يانجو، قاربا غير مأهول مسلحا ببندقية رشاشة في معرض تكنولوجيا عسكري في بكين الشهر الماضي. نشر موقع إلكتروني صيني أخيرا صورا لمركبات ذاتية القيادة تحمل توربيدو تعمل على تمشيط سطح الماء. ويمكن استخدام هذا المنتج في استهداف الغواصات. يقول كاشن: "هذه المركبات جديدة كليا لا تشبه ما تم تصنيعه مسبقا قط".
وبحسب مايكل تشيس، كبير العلماء السياسيين في مؤسسة راند "قطعت الصين شوطا طويلا في تطويرها لأنظمة غير مأهولة في فترة زمنية قصيرة نسبيا".
يقول جاك ميدجلي، من شركة ديلويت للاستشارات الدفاعية، بالحكم من خلال سجل الصين الهزيل في إدماج التكنولوجيات والنماذج التنظيمية الجديدة، فإن موقفها المحافظ بطبيعته في المجال العسكري يعرضها لوضع غير موات. ويضيف: "عزوف القادة العسكريين الطبيعي عن المخاطر هو السبب في أن الأمر يحتاج إلى سنوات أو عقود لإدماج تكنولوجيات جديدة".
والصين ليست وحدها في هذا الشأن - هناك بعض شركات الخدمات الفرعية في الولايات المتحدة التي تقاوم أيضا استخدام الطائرات بدون طيار لكي تحل مكان الدور البشري الذي يقدمه الإنسان، مثل الطيارين. لكن موقف بكين إزاء تكنولوجيا الدفاع الجديدة قد يتطور. في عام 2001 أوجد جيش التحرير الشعبي أول منهاج تدريبي لموظفي المركبات ذاتية القيادة. اليوم، يعمل ما لا يقل عن ثلاثة من أصل خمسة من فروع جيش التحرير الشعبي، الجيش والبحرية والقوات الجوية، على إدماج وحدات المركبات ذاتية القيادة في عملياتها والتدريب الذي تقدمه.
تقول كانيا: "ربما لا توجد لدى جيش التحرير الشعبي الهواجس نفسها مثل الولايات المتحدة، بخصوص أن تصبح وحدات المركبات ذاتية القيادة جزءا أكبر بكثير من هيكلها الحربي". في النهاية البلد الذي يحقق أقصى قدر من النجاح لن يكون البلد الذين يخترع أحدث التكنولوجيا، وإنما الذي يتوصل إلى حل لأفضل الطرق لتحقيق التكامل في التكنولوجيا على ساحة المعركة. سباق التسلح الجديد ربما لا يكون حول الريادة في التحول التكنولوجي، وإنما في التكيف معه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES