الأمن الغذائي يثير هاجس الدول الغنية .. مبادرة شعبية لمواجهة الهدر في سويسرا

الأمن الغذائي يثير هاجس الدول الغنية .. مبادرة شعبية لمواجهة الهدر في سويسرا

يتوجه السويسريون إلى صناديق الاقتراع في 24 أيلول (سبتمبر) المقبل للتصويت على مبادرة شعبية تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي في البلاد، ابتداءً من الإنتاج في الحقل حتى ماعون المُستهلك.
وتكشف تفاصيل المبادرة وبنودها حول الهدر اليومي الفردي للطعام، أن الأمن الغذائي بات الآن هاجس الدول الغنية، والفقيرة، والأكثر غنى، والأكثر فقراً على حد سواء. وتهدف المبادرة إلى ضمان حصول السكان دائماً على الغذاء الكافي، والصحي، والميسور التكلفة، وعلى الرغم من أن هذا هو الحال الآن في بلاد الثراء، إلا أن قبولها سيُلزم نقش هذه الحقوق، وغيرها، في الدستور الاتحادي ليصبح ضمان الأمن الغذائي ضمن الحقوق الأساسية للأجيال القادمة، وسيتم إدراج تلك الحقوق في الدستور في شكل مواد تتطلع إلى المستقبل، وتُكلِّف الدولة تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي للبلاد بشكل دوري، مستديم.
وسويسرا بالفعل واحدة من أكبر مستوردي المنتجات الغذائية من ناحية النسبة المئوية للفرد الواحد، ففي 2016، انخفضت درجة العرض الذاتي للمواد الغذائية لأول مرَّة إلى أقل من 50 في المائة، وتقول المبادرة "إن تكريس الأمن الغذائي في الدستور سيساعد على وقف هذا الاتجاه".
وتعد تلك المبادرة مشروعا حكوميا مُضادا لمبادرة بهذا المعنى قدمها اتحاد الفلاحين السويسريين، غير أن الأخير سحب مبادرته موافقاً على المبادرة الحكومية المضادة، بعد أن اعتبرها أكثر شمولاً وغِنى.
ولقيت المبادرة أيضاً موافقة بأغلبية واضحة من السلطة التشريعية بمجلسيها، النواب "175 صوتاً مقابل خمسة أصوات، وامتناع عشرة أعضاء عن التصويت"، والشيوخ "36 صوتاً مقابل أربعة أصوات، وامتناع أربعة أعضاء عن التصويت".
وحسب الدستور السويسري، فإنه يحق لأي مواطن التقدم بمبادرة شعبية يتم طرحها للتصويت العام لإقرار قانون جديد، أو تعديل قانون قائم، بشرط أن يجمع 100 ألف توقيع تؤيد مبادرته. ولا تأخذ المبادرة قوة القانون إلا إذا نالت موافقة أكثر من نصف المصوتين في البلاد على أن يكونوا موزعين على أكثر من نصف عدد المقاطعات السويسرية الـ 26.
وتغطي مبادرة "من أجل الأمن الغذائي" جميع جوانب إنتاج المواد الغذائية من الحقل إلى طبق الطعام، إذا جاز التعبير، ويرد الأمن الغذائي في خمسة مبادئ: الالتزام بالحفاظ على عوامل الإنتاج الزراعي مثل الأراضي المزروعة، والمياه، والدراية العملية، وحماية الأرض الصالحة للزراعة، وتنظيم إنتاج الأغذية بما يتلاءم مع الظروف المحلية، مع احترام النظم البيئية، بحيث يمكنها أن تُدعم بشكل مستدام إنتاج المواد الغذائية دون أن تُثقل كاهلها من خلال الاستخدام الكفء للموارد مثل التربة، والمياه، والمواد المغذية. إضافة إلى قيام القطاع الزراعي-الغذائي في البلاد بتسويق نفسه بشكل أفضل، بحيث يكون الإنتاج موجهاً بدرجة أقل من الدولة وبدرجة أعلى من قوانين السوق، والمحافظة على علاقات تجارية جيدة مع شركائها الأجانب، لأنها تعتمد أساساً على الواردات للحصول على المواد الغذائية، ليست التي يحتاج إليها فحسب، بل أيضاً على وسائل الإنتاج مثل الآلات، والديزل، والأسمدة، وغيرها، ومن ثم وضع ضوابط تتعلق بالاستهلاك الغذائي لتجنيب الهدر اليومي الفردي للطعام، حيث ينتهي ثلث الأغذية تقريباً في القمامة. وحسبما تؤكد المبادرة، فإن الاستخدام المحترم للموارد يقلل من هذه النفايات الغذائية، ولا بد من توخي وضع العلامات على المنتجات، وتدابير التوعية، ومعالجة هذا الموضوع في المدارس منذ المرحلة الابتدائية.
ولا تنسى المبادرة السعي نحو تعزيز التجارة الحرة للمواد الغذائية، إذ نصت على أنه ينبغي أن تُحافظ البلاد على علاقات تجارية جيدة مع شركائها، ليس فقط لأنها تعتمد على الخارج بالنسبة إلى كثير من المواد الغذائية ووسائل الإنتاج، لكن أيضاً لأن هذه العلاقات التجارية تتيح فرصاً لقطاعها الغذائي ـ الزراعي لتصريف منتجاته ذات القيمة المضافة العالية.
ومع أن المبادرة لم تنس أن تأخذ في الاعتبار الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية للتجارة الدولية، فإنها أكدت أيضاً أن يتجه اقتصاد البلاد نحو التصدير، وأن يكون لزاماً على سويسرا تأمين التمتع في كل الأوقات بإمكانية الوصول إلى الأسواق الخارجية. ومع ذلك، تؤكد المبادرة أنه ينبغي أن يتم الانفتاح على مراحل، وبطريقة مُساندة للزراعة.
وأوضحت لـ "الاقتصادية"، ساندرا هلفينشتاين مسؤولة المكتب الإعلامي في اتحاد الفلاحين السويسريين، أن المبادرة تعطي المستهلك أمناً غذائياً مستداماً، لكنها تحمِّله مزيداً من الالتزام كيّ يُسهم إسهاماً كبيراً في الأمن الغذائي من خلال استخدامه المسؤول للمواد الغذائية، واختيار المواد الغذائية الآتية من إنتاج الموارد الطبيعية، وسيكون قادراً، استناداً إلى المادة الدستورية الجديدة، على زيادة وعيه في كل ما يتعلق بالأمن الغذائي.
وتشير هلفينشتاين، إلى أن سلامة قواعد الإنتاج الزراعي ستكون مرتكزة بشكل أوضح على الدستور، وهذه القواعد هي على وجه الخصوص أراضٍ مزروعة، ومياه للري، وكذلك المعارف التي تنقلها البحوث، والتدريب، والمشورة، وسيتم تعزيز التوجه إلى الأسواق، ما يفتح آفاقاً جديدة للمشاريع الابتكارية، وستكفل العلاقات التجارية الدولية المستدامة توفير الطاقة، والأسمدة، والآلات، ومنتجات وقاية النباتات، لكن في حال قبول المبادرة، فلن يستتبع ذلك أي إعانة جديدة تُقدَّم إلى الفلاحين.

الأكثر قراءة