FINANCIAL TIMES

دروس وعبر من زلزال التحليل الكمي

دروس وعبر 
من زلزال 
التحليل الكمي

قبل عشر سنوات اشتكى كبير الإداريين الماليين لدى جولدمان ساكس من أن المصرف كان "يرى الأشياء التي كانت على بعد 25 انحرافا معياريا، على مدى عدة أيام متتالية".
كان يشرح الخسائر المفاجئة التي أصيب بها نحو ثلث الصناديق الكمية لدى جولدمان، التي عانت في الأسبوع السابق على ذلك، في حادث وصف بأنه زلزال المحللين الرقميين.
وجد أساتذة علم الإحصاء أن هذا أمر مثير للضحك، وحاولوا إظهار إلى أن مدى من المستبعد أن يكون الانحراف المعياري بمقدار 25.
وقد برهنوا على أنه إذا كانت هناك تداولات تتم كل يوم منذ الانفجار الكبير (الذي أدى إلى نشوء الكون) فمن غير المرجح أن يقع حتى حادث واحد من 25 انحرافا معياريا.
مع ذلك عانى جولدمان مثل هذه الحوادث "على مدى عدة أيام متتالية".
من الأفضل اعتبار التعليق الصادر عن ديفيد فينيار، من جولدمان، وهو شخصية تحظى باحترام كبير، على أنه زلة فرويدية كمية. فقد كان يعني أنه وفقا لنماذجه، فإن الحادثة لم تقع. لكنها وقعت بالفعل وكان يجدر به بدلا من ذلك أن يدرك أن نماذجه كانت خاطئة.
هذه الحادثة أظهرت أن النماذج الكمية لم تكن تضمن أن تتغلب على السوق، وأن سلوك السوق ليس من الممكن وضع نماذج دقيقة له. وتبين أن الصناديق الكمية سوف يكون مصيرها هو مصير صندوق Squared لالتزامات الدين المضمونة، وغيره من ركام وأنقاض الأزمة.
لكن هذا لم يحدث. بعد أقل من شهر من ذلك أعلن جولدمان أنه حقق أرباحا مقدارها 300 مليون دولار من الأموال التي صبها في صناديقه الكمية من أجل إيقاف النزيف.
الآن، نسخة أعيد تعليبها بشكل يسير لهذه الاستراتيجيات الكمية التي انفجرت ثم أعادت تصحيح نفسها، أصبحت واحدة من المنتجات المهيمنة التي تبيعها صناعة الاستثمار.
صناديق "سمارت بيتا" المتداولة في البورصة لديها أصول بقيمة 592 مليار دولار، وفقا لمؤسسة ETFGI، وهي تتوسع بمعدل يتجاوز 20 في المائة سنويا منذ الأزمة.
قبل عقد عدد من الصناديق الكبيرة كان يستخدم خوارزميات لتحديد الأسهم التي لديها عوامل تجعلها من المرجح أن تسجل أداء سيئا، أو أداء متفوقا.
أكثرها شيوعا حتى الآن هو أسهم القيمة – الأسهم الرخيصة – وأسهم الزخم – أي الأسهم التي سترتفع. هذه الصناديق تمتلك الأسهم التي تبدو أفضل الأسهم استنادا إلى هذه العوامل وتقترض ثم تبيع، أو "تبيع على المكشوف" الأسهم التي تبدو أنها الأسوأ، لكي تربح من تراجعها. ولأن الفروق في الأداء كانت في الأغلب طفيفة، فقد كانت الصناديق تقترض المال، أو تلجأ إلى الرفع المالي، كي تجعل هذه التداولات مجدية.
ظلت هذه الاستراتيجيات تحقق النجاح إلى أن جاء شخص في مكان ما، في الأيام الأولى من الأزمة، وسحب ماله من أحد الصناديق الكمية. وللوفاء بعملية سحب المال اضطر الصندوق إلى بيع الأسهم التي اشتراها على أساس ارتفاع أسعارها (وبذلك دفع بها إلى الأدنى) وإعادة شراء الأسهم التي باعها على المكشوف (وبذلك دفع بها إلى الأعلى). وكانت نتيجة ذلك خسائر مفاجئة بالنسبة للصناديق الأخرى التي تستثمر في العوامل نفسها.
توالت الخسائر عبر مجتمع التداولات الكمية. وبالتالي خلال أسبوع كانت فيه الأسواق دون تغيير، خسرت أداة جولدمان الكمية الرئيسة ثلث قيمتها.
هذه الحادثة تعطينا منظورا نرى من خلاله الجرعة المتجددة من التقلبات المعتدلة الأسبوع الماضي.
النماذج الكمية لم تكن تشتمل على المخاطر المتمثلة في أن كثيرا من المشاركين المختلفين، اتباعا منهم للعوامل نفسها، يمكن أن يختاروا الدخول في تعاملات في الأسهم نفسها – أي المزاحمة عليها. وقد وجدوا أنفسهم في موقف كانوا يظنون أنه مستحيل. وحين يدرك الجميع الفكرة نفسها أو العامل نفسه، فلا بد أن تزداد إلى حد كبير صعوبة كسب المال من ورائه.
تم استيعاب تلك الدروس. إدارة المخاطر تعتبر أهم مما كانت عليه، بل حتى أنها تعتبر مصدرا للميزات.
الاستراتيجيات الكمية تأتي الآن غالبا على شكل جاهز من "بيتا الذكية"، في الصناديق المدرجة في البورصة لإبقاء التكاليف متدنية. وهي لا تبيع على المكشوف أو تستخدم الرفع المالي، في حين أن صناديق التحوط الكمي الكبيرة تستخدم قدرا أقل من الرفع المالي مما كانت عليه الحال في عام 2007.
هناك سباق محموم يجري حاليا من أجل الإتيان بعوامل جديدة، أحيانا باستخدام البيانات الكبيرة، التي يغلب عليها أن تفقد مفعولها حين ينشرها الأكاديميون. المستثمرون المحترفون يقرأون الأبحاث الأكاديمية ويهجمون للاستفادة من أي خروج على القياس يعثر على الأكاديميون. هذا يعني أن هذه النقاط الشاذة لا تدوم طويلا.
دراسة من جيفري بونتيف وديفيد ماكلين أجرت اختبارا ميدانيا على 96 عاملا تم تحديدها خلال العقد الماضي.
وجدت الدراسة أن العوائد الزائدة، مقارنة بعوائد السوق، تراجعت 26 في المائة بين اكتمال البحث ونشره، وبنسبة 58 في المائة بعد ذلك. في العادة، يعثر الأكاديميون على عامل حقيقي، لكنه يتراجع بسرعة بمجرد الكشف عنه.
بعيدا عن السباق المحموم، الصناديق المدرجة في البورصة ذات القيمة البسيطة تعطي فرصة معقولة لتجنب أسوأ ما في تراجع الأسهم من خلال الاستثمار في أرخص الأسهم.
خطر التزاحم المفرط لن يختفي، خصوصا إذا بدأ أحد العوامل في تحقيق نتائج جيدة، ويظل "ذيل منحنى الخطر" موجودا.
القيمة ناجحة على المدى الطويل للغاية، لكنها تسجل أداء سيئا بصورة متواصلة تقريبا منذ الأزمة. صندوق بيتا الذكية يعطيك فرصة أفضل قليلا من حيث تحقيق أداء أفضل قليلا من المؤشر. لكن تظل مع ذلك إمكانية أن يحقق أداء سيئا لفترة زمنية طويلة.
ومع الأسف نستطيع جميعا أن نتفق على أن فرصتك في خسارة الكثير من المال في صناديق "بيتا الذكية" أو الصناديق الكمية أكبر بكثير من فرصتك في الفوز باليانصيب.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES