«الحرب على كوكب القردة» .. غرائز تحدد مصائر

«الحرب على كوكب القردة» .. غرائز تحدد مصائر

بعد أعوام عاد القرد سيزار في " War for the Planet of the Apes  - الحرب على كوكب القردة"، ليقدم لجمهوره فيلما يسرد قضية العبودية والحرية في قالب من الدراما والأكشن التشويقي، ومرة أخرى تطل تلك الشخصية الفائقة الذكاء لتأسر المشاهد وتوجد في داخله شرارة الدفاع عن الحق والمواجهة من أجل الحرية، وإن ظهر لكثيرين أن قصة الفيلم هي مجرد قصة صراع القردة مع البشر من أجل البقاء، إلا أن قضية الوجود في ظل ما يعصف بالمنطقة من حروب إلغائية تستحق التعمق أكثر في فكرة هذه السلسلة السينمائية التي انطلقت عام 1968.
 
الصراع مستمر
كانت أفلام "القرود" الشهيرة قد أعيد إحياؤها في سلسلة جديدة عام 2011 بفيلم Rise of the Planet of the Apes، وأدى النجاح النقدي للفيلم، إضافة إلى إيراداته الكبيرة حول العالم، إلى حماس شركة "فوكس" لتقديم أجزاء أخرى منه. وتجسد هذه السلسلة السينمائية فكرة الصراع بين البشر والقرود، وتدور أحداثها حول تسبب خطأ في تجربة علمية قبل 15 عاماً في ارتفاع حدة ذكاء القرود، وبعد فشل التجربة يخبئ العالم ويل رودمان القرد سيزار، ابن القردة التي كانت تتم عليها التجربة وتنشأ بينهما صداقة قوية، وسرعان ما يكتشف رودمان القدرات العقلية المذهلة التي يمتلكها القرد التى تضعه في عديد من المشكلات، ويقوم الأمن على إثرها باحتجاز سيزار، إلا أنه باستخدام قدراته يستطيع التواصل مع باقي القرود باستخدام نفس المادة التي تسبب الطفرة الجينية، ثم يقودهم إلى التمرد والهروب إلى إحدى غابات سان فرانسيسكو بعد التغلب على السلطات في المدينة.

تعزيز القدرات
شكلت فكرة تفشي فيروس أُطلق عليه اسم "إنفلونزا القردة"، المحور الرئيسي لأحداث السلسلة، حيث تسبب هذا الفيروس في هلاك الغالبية العظمى من المخلوقات المنتمية إلى سلالة الإنسان العاقل التي ينتمي إليها البشر. وهو الفيروس الذي أدى في الوقت نفسه إلى تعزيز القدرات العقلية للقردة. وبذلك تنتهي الحضارة كما نعرفها، وتنصب قبيلةٌ من القردة الذكية معسكراً مريحاً في إحدى الغابات.
واشتعلت الحرب بين البشر والقردة بعد أن يقتل كولونيل في الجيش، الذي يجسد شخصيته الممثل وودي هيرلسون، قردين يمتان بصلة قرابة لسيزار، الذي يلعب دوره الممثل أندي سركيس، يغادر القرد الزعيم وثلاثة من مساعديه المقربين موطن القردة في رحلة للأخذ بالثأر.
في البداية تتهادى القردة الأربعة على صهوات الخيول عبر جبال ثلجية بحثاً عن القاعدة التي يتحصن فيها الكولونيل. لكن الركب يتوقف لاصطحاب مساعد آخر، قبل مواصلة الرحلة المتثاقلة على ظهور الجياد.

بداية المعركة
ولقد ظهر البطل سيزر في بداية الفيلم قردا مسالما أقصى طموحه الاسترخاء والاهتمام بوصفاته لطهي الموز، لكنه فجأة وجد نفسه في مواجهة مع شياطين شبيهة بتلك التي أدت بكوبا الذي يلعب دوره الممثل توبي كيبل، إلى خيانة شعبه قبل سنتين.
واستمرت رحلة سيزر هو وجماعته إلى أن أصبح في وضع حرج ومميت ضد جيش من البشر بقيادة عقيد لا يرحم. بعد أن تعاني القرود بعض الخسائر التي لا يمكن تصورها، يدخل سيزر في صراع مع غرائزه المظلمة من أجل البحث عن الانتقام.
تبدأ رحلته من أجل إيجاد ذلك الكولونيل الذي تبين فيما بعد أنه مجرد شخص متوحد غريب الأطوار، لديه ولعٌ بسفك الدماء والحديث الفلسفي إلى النفس. تتبعه زمرةٌ صغيرة من الجنود ممن يأتمرون بأمره، مرورًا بطريق طويلة إلى أن يصبح ضده وجهًا لوجه، ليبدأ صراعا طويلا ومهما من شأنه أن يحدد مصير الكائنات ومستقبل الكوكب.

حبكة «السبب»
اختلفت ضخامة الحبكة ما بين الأجزاء السابقة، وما صدر حديثا، ففي الجزء السابق من السلسلة، الذي حمل اسم "دون أوف ذا بلانيت أوف ذا آيبس" (فجر كوكب القردة)، نجد شخصياتٍ - سواء بشرا أو قردة - ذات دوافع معقدة ومعضلات شائكة، بجانب حبكة تبحث السبب في كون العنف أمراً من العسير للغاية تجنبه رغم أنه دائماً ما يأتي في الوقت نفسه بنتائج عكسية بشدة.
في حين إن الفيلم الأخير "الحرب من أجل كوكب القردة" لم يقدم في مشاهده شيئاً واضحا عن مجتمعنا اليوم، سواء في عباراته المنطوقة أو تلك المكتوبة على الشاشة. رغم أن القصة كانت تحتمل الكثير من العمق الفلسفي عن الوجود، الا أن ذلك لم يجسد لا من قريب ولا من بعيد، وعلى الرغم من أن الكولونيل يبدو وأنه يهوى أن تُلتقط له الصور وهو يقف بجوار العلم الأمريكي، بل وربما يكون قد أجبر عبيده من القردة على بناء جدار ضخم، فلا يوجد بخلاف ذلك أي إشارات تُذكر إلى حقبة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، تكفي لأن تشفي غليل من يسعون إلى مشاهدة عمل سينمائي يحفل بتعليقات سياسية على ما يجري في عهده.

مؤثرات وحوار
أما فيما يتعلق بالحوار وعلى الرغم من قلته لكن لكل كلمة وزنها وتأثيرها الخاص في المشاهد، كما هو الفيلم تمامًا لكل عنصر ومشهد معنى عميق. فوجود الطفلة البشرية إلى جانب القردة يجعلنا نرى أمرين: الأول هو تجسيد للرحمة والجانب الإنساني للبشر، وتجسيد ذلك الأمر في إنسان واحد ربما يدل على قلة ذلك الجانب، أمّا الأمر الآخر فهو دليل على إمكانية التناسق والتعايش بين القردة والبشر، الذي لم يفهمه البشر وما لا يفهمه البشر لا يوجد لديهم خيار غير تدميره.
ولقد رافق هذا الحوار لقطات واسعة وعدد من مشاهد الأكشن لاستعراض تهميش الحضارة الإنسانية، وتطور عالم القرود، عبر استخدام تقنية ثلاثية الأبعاد بهدف إيجاد ملحمة بصرية لوقت الحرب.

نقد القردة
الجانب الأسود لا يوجد لدى البشر فقط، فحتى القردة لم تَسلم من النقد، فهناك قردة تعمل مع البشر بعد وعودهم بعتق حياتهم والإبقاء عليهم. الأنانية وحب النفس تم تجسيده بصورة مثالية في تلك القردة، أن تبيع قومك من أجل مصالحك الشخصية، وهو ما نشاهده كثيرًا في عالمنا الواقعي.
رغم أن المشاهد الحاسمة والعنيفة في اللحظات الأخيرة من الفيلم، حيث نرى النار والثلج يمطران من السماء والأرض تهتز كأنها نهاية العالم، إلا أنه يفتقد إلى الشَّاعرية في الجانب البصري الذي كان من الممكن أن يعطي القصة نهاية مقنعة وتامة، وربما حتى السلسلة بأكملها.
 تجدر الإشارة إلى أن الجزء الأول من السلسلة Rise of the Planet of the Apes، الذي قُدم عام   1968 تحت اسم Planet of the Apes "كوكب القرود"، وصل إجمالي إيراداته إلى 481 مليونا و801 ألف دولار أمريكي، فيما حقق الجزء الثاني الذي عُرض عام 2011 نجاحا فنيا وتجاريا كبيرا، ووصلت إيراداته الى 710 ملايين و644 ألف دولار أمريكي، ولا يزال يتربع الجزء الثالث الذي حمل اسم "الحرب على كوكب القردة"، على قائمة البوكس أوفيس وحقق 113 مليون دولار حتى الآن عالميا، في حين بلغت تكلفة إنتاجه 150 مليون دولار.

الأكثر قراءة