Author

صوت الشباب في ساحة العمل

|
المسنون يصدقون كل شيء، ومتوسطو العمر يشكون في كل شيء، والشباب يعرفون كل شيء، بحسب مقولة أوسكار وايلد. ولذلك يهمني الاستماع لأصوات الشباب ــ من الطلاب إلى رواد الأعمال الصاعدين إلى قادة المجتمع الجدد. وتجد قصصهم صدى عندي لأنها قصص ملهِمة تمس النفوس بعمق وتحمل في طياتها رؤى نافذة. وشواغل الشباب، كمثل الشواغل الأخرى، تختلف باختلاف المنطقة والثقافة. ولكن هناك أسئلة أسمعها في كل مكان تقريبا: هل أتمكن من العثور على عمل له قيمة يتيح لي المساهمة في المجتمع وإعالة أسرتي؟ هل لي مكان في مجتمعي؟ هل يمكنني بدء مشروعي الخاص ــ وإذا كان ذلك ممكنا، إلى أي مدى سينجح المشروع؟ إنها أسئلة تحمل من الأمل والحماس الكثير، ولكنها تنطوي أيضا على شعور بالريبة والخوف. ومن المؤسف أن احتمالات بطالة الشباب اليوم ضعف احتمالات البطالة بالنسبة لمجموع السكان. ففي فرنسا، على سبيل المثال، يبلغ معدل البطالة نحو 20 في المائة بين الشباب، بينما يقدر معدلها الكلي بنحو عشرة في المائة، وثمة مشكلات مماثلة تواجهها البرازيل ومصر. وستصل بطالة الشباب على مستوى العالم إلى 71 مليون شاب هذا العام طبقا لتقديرات منظمة العمل الدولية. ومما يزيد الأمور تعقيدا أن الشباب الذين يجدون عملا بالفعل يواجهون تقلبات تكنولوجية سريعة يمكن أن تلغي وجود الصناعات التي ما لبثوا أن عثروا عليها. ومع هذا التحول، يتساءل الجميع في حيرة ــ ولاسيما الشباب ــ عن أي الوظائف يمكن أن تظل باقية بعد عشر سنوات من الآن وكيف يمكنهم التدرب للتكيف معها؟ لحسن الحظ، يمتلك الشباب أدوات الاستعداد للتحول الكبير الجاري. وفيما أجريه من حوارات، ألاحظ سريعا أن منحنى التعلم شديد الانحدار بالنسبة لهذا الجيل. وكثير من الطلاب يؤمنون بفكرة التدريب المستمر ويرون من البديهي أن عليهم اكتساب مهارات إضافية طوال حياتهم. وقد شهدت بنفسي ما يتمتع به شباب اليوم من سعة حيلة مدهشة في سعيهم الحثيث لامتلاك زمام مستقبلهم. فكثير منهم لا يريدون انتظار وظيفة في الخدمة المدنية أو في إحدى الشركات الكبرى. إنما يشقون طريقهم بهمة فينشئون أعمالهم الخاصة ويبتكرون منصات جديدة على شبكة الإنترنت ويكتشفون أسواقا لم تكن موجودة من قبل. إن ما أراه اليوم هو جيل، إذا ما واجهته البطالة، يبادر إلى الابتكار حتى يوجد فرصا وظيفية لنفسه. ولكن هذا المنهج لا يكفي وحده. فالحكومات عليها مسؤولية بناء البيئة التي تسمح للشباب بتحقيق إمكاناتهم الكاملة. ويعني هذا إزالة الحواجز التنظيمية، ودعم رواد الأعمال الذين لا ينجحون في المحاولة الأولى، والاستثمار في الأنشطة التي توفر الأجيال من جيل إلى آخر. ولا توجد صيغة سحرية تصلح لكل البلدان، ولكنني أرى عدة حلول عملية. أحدها هو التدريب المهني المنظم، الذي حافظ على انخفاض البطالة بين الشباب في بلدان مثل النمسا وألمانيا وهولندا. وهناك حل آخر هو تيسير حصول الشابات على فرص أفضل للاستفادة من مراكز رعاية الطفل ومن إعانات الأمومة المرنة. ومن شأن هذه الجهود أن تنعش أسواق العمل. ولنأخذ مثالا جمهورية مالي، حيث أكد الصندوق المنافع الاقتصادية التي يحققها تعليم البنات؛ أو موريشيوس حيث نبحث السبل الممكنة للتوسع في إتاحة التمويل للنساء. وفي بعض البلدان، يمكن أن يؤدي انخفاض عدم المساواة بين الجنسين بمقدار عشر نقاط مئوية إلى رفع النمو بمقدار نقطتين مئويتين على مدار السنوات الخمس المقبلة. وفي الوقت نفسه، ينبغي لبلداننا الأعضاء إزالة الحواجز التي تعوق المنافسة والحد من الروتين الإداري. ولا شك أن هذه الإصلاحات يجب أن تصمم بما يناسب كل بلد ـ ففي الاقتصادات المتقدمة، تشير تقديراتنا إلى أن زيادة البحوث والتطوير بنسبة 40 في المائة يمكن أن تحقق نموا في إجمالي الناتج المحلي بمعدل 5 في المائة على المدى الطويل. وكل هذه التغييرات من شأنها أن تفيد الشباب في مستهل حياته العملية. ويمكن أن تؤدي خيارات السياسة الذكية إلى إفساح المجال للشباب كي يزاول العمل الحر أو ينشئ شركته الخاصة. وفي الوقت نفسه، يواجه رواد الأعمال الشباب زيادة في عدم اليقين المالي لأنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على التأمين الصحي أو خطط التقاعد التي يوفرها أصحاب الأعمال. فكيف يستطيع الصندوق تقديم العون في هذا الصدد؟ إن مهمتنا في الصندوق هي تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصاديين حول العالم. ويعني هذا مساعدة بلداننا الأعضاء على إيجاد فرص عمل أفضل للجيل القادم من العمالة. ويكتسب هذا أهمية خاصة في البلدان التي تعاني ارتفاع البطالة منذ عقود طويلة. ويستطيع الصندوق المساعدة في التصدي لهذه التحديات بتشجيع زيادة الاستثمار العام في التعليم وبرامج التدريب الوظيفي ـ ونحن ندفع نحو إجراء إصلاحات من هذا القبيل في برامجنا الإقراضية. ونحتاج أيضا إلى زيادة شراكات القطاعين العام والخاص التي يمكن أن تعزز فعالية برامج التدريب. ومن الأمثلة الجيدة في هذا الخصوص برنامج Skills Future في سنغافورة، الذي يقدم لكل البالغين منحا غير مشروطة للتدريب مدى الحياة. ولكن التدريب ما هو إلا جانب واحد من الصورة. فالحكومات والأعمال يمكنهما القيام بأكثر من ذلك بكثير لتسخير قوة الابتكار. وتعد التكنولوجيا المالية مثالا لأحد المجالات الجذابة التي تحتاج إلى استثمارات أكبر. وحسبنا أن ننظر إلى كينيا وكيفية استخدامها المبتكر لخدمات تحويل الأموال بالهاتف المحمول من خلال شركة M-PESA. وتسمح الحكومة الآن بسداد الضرائب من خلال الهاتف، مما يخفض تكاليف الامتثال وفترات التأخير. وتقدر بعض الدراسات بأن الاقتصادات النامية والأسواق الصاعدة يمكن أن توفر 110 مليارات دولار أمريكي سنويا بالتحول من استخدام النقد والشيكات إلى وسائل الدفع الرقمية. ويمكن أن تحدث هذه الوفورات تغييرا كبيرا في أحوال الشباب الذين يوشكون على إقامة مشروع تجاري جديد.
إنشرها