مختصون: انهيار اليورو مسألة وقت .. أزمة الديون تعصف بالاقتصادات الأوروبية

مختصون: انهيار اليورو مسألة وقت .. أزمة الديون تعصف بالاقتصادات الأوروبية

عندما تتحدث ماري لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمني في فرنسا، التي تعادي الوحدة الأوروبية وتنادي بخروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، بأن مصير العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" الانهيار لا محالة، فمن الممكن التشكيك في ادعائها، والقول إنه ينبع من موقف سياسي وأيدلوجي متشنج ولا ينطلق من أسس اقتصادية علمية.
ولكن عندما يعرب اقتصادي بثقل آلان جرينسبان المحافظ السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن قناعته بأن مصير اليورو الانهيار، وأن القضية مرتبطة بعامل الوقت فقط، فلا شك أننا أمام وجهة نظر تتطلب وقفة لمعرفة المستقبل المتوقع لليورو.
آلان جرينسبان ليس فقط الاقتصادي الوحيد الذي لديه تلك القناعة، جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورجان تشيس" وشركاه علق على مستقبل اليورو قائلا: "كل شيء ممكن بما في ذلك الانهيار"، بينما اعتبر بعض الاقتصاديين من بينهم حائزون على جائزة نوبل أن قرار الاتحاد الأوروبي عام 1999 بصك عملة موحدة كان خطأ كبيرا، وأن أوروبا والاقتصاد العالمي غير مستعد بعد للقبول بتلك العملة، ومهما طال الزمان أو قصر فالانهيار سيكون مصير اليورو، وستعود دول الاتحاد الأوروبي إلى عملتها الوطنية السابقة.
ولكن إلى أي مدى تبدو وجهات النظر السلبية تلك تجاه مستقبل اليورو واقعية؟ وما جوانب الضعف والقصور الكامنة في العملة الأوروبية الموحدة، التي تدفع ببعض كبار الاقتصاديين في العالم إلى التنبؤ بذلك المصير السلبي لليورو؟
ويعتقد مارتن باكس المحلل المالي في بورصة لندن، أن وجهات النظر القائلة بانهيار اليورو مفرطة في تشاؤمها تجاه المستقبل، لكنه لا ينفي أن العملة الأوروبية تواجه تحديات شديدة الخطورة، قد تضع علامات استفهام حول مستقبلها كعملة دولية تعبر بصدق عن القوة الاقتصادية لبلدان منطقة اليورو.
وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن اليورو قطع شوطا كبيرا منذ طرح كعملة دولية قبل نحو 18 عاما، وعلى الرغم مما تعرض له من انتقادات إلا أنه حقق فوائد اقتصادية جمة، ما أدى إلى تمدد نطاق التعامل به من 12 دولة إلى 19 دولة حاليا، ومع هذا فإن الفترة المقبلة تمثل اختبارا حقيقيا لقوة اليورو، وقدرته على الصمود في وجه التحديات.
وأشار باكس إلى أن أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، كشفت عن نجاح دول العملة الأوروبية الموحدة في صنع دائرة تتسم بالمصداقية والمرونة معا، وقد أبدى أعضاء منطقة اليورو التزامهم بالحفاظ على العملة المشتركة، من خلال المشاركة في مجموعة من برامج الإنقاذ الكبيرة لليونان وإيرلندا والبرتغال وإسبانيا وقبرص، ما أسهم في إيجاد حالة من الاستقرار المالي في منطقة اليورو، وثبت مكانة اليورو كعملة دولية، خاصة مع التزام حقيقي من قبل البلدان التي استفادت من جهود الإنقاذ، بالقيام بجهود غير مسبوقة لضبط أوضاعها المالية، وترافق ذلك مع إصلاحات هيكلة عميقة، ما منح اليورو وضعا أفضل نسبيا عما كان عليه عندما بدأت الأزمة تلوح في الأفق.
الدكتورة فينسا هاليسلوب أستاذة الاقتصاد الأوروبي المعاصر، لا تنفي صحة هذا التحليل، لكنها ترى أن التقدم الذي أحرزه اليورو خلال الأزمة الاقتصادية في منطقة العملة المشتركة لا ينفي أن هذا الاتحاد لا يزال اقتصاديا وماليا هشا وغير مكتمل الأركان، والتحديات الكامنة لا تزال قوية ودون حل.
وتضيف هاليسلوب: "يصعب القول إن اليورو سينهار هذا العام أو العام المقبل، لكن مشاكل المصارف في عديد من بلدان العملة الأوروبية تزعزع الاستقرار الاقتصادي، فالقروض المتعثرة وصلت إلى مستويات مقلقة تثير الشكوك حول قدرة القطاع المصرفي في أوروبا على الصمود، والتكهنات تتزايد حاليا باحتمال فشل المصارف الأوروبية في ألمانيا وإيطاليا تحديدا على مواجهة التحديات، وهذا بطبيعة الحال يضغط بشدة على اليورو ويجعله عمله في مهب الريح.
وتستدرك قائلة: "إذا نظرنا من الناحية المالية، فإن عبء الديون ثقيل للغاية سواء في القطاع العام أو الخاص، ونسبة متزايدة من بلدان اليورو تعاني اختلالات اقتصادية كلية مثل بلغاريا وكرواتيا وقبرص وفرنسا وإيطاليا والبرتغال وهذا يدعو للقلق، لتأثيراته شديدة السلبية على الدول الأعضاء الأخرى. وطالما بقيت هذه الحلقة المفرغة، فسيظل اليورو عرضة للمضاربة المالية، وستظل الشكوك موجودة بشأن قدرة الدول الأعضاء على الحفاظ على سلامة عملتهم".
إلا أن بعض المصرفيين البريطانيين يتبنون وجهة نظر شديدة السلبية تجاه اليورو، بل إن بعضهم يعرب صراحة عن قناعته بأن اليورو سينهار قبل نهاية العقد الحالي.
الخبير المصرفي أندرو مارسون يوضح لـ "الاقتصادية"، أن جوهر الأزمة التي ستؤدي حتما إلى انهيار العملة الأوروبية المشتركة، أن أوروبا الشمالية وتحديدا ألمانيا تمول العجز المالي لبلدان الجنوب مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان وقبرص، ولا يمكن لوضع مثل هذا أن يستمر إلى أجل غير مسمى.
ويضيف مارسون: "المشكلة أن الأفق يحمل مزيدا من التعقيدات الاقتصادية لدول الجنوب الأوروبي، فاليونان لم تفلح في الخروج من أزمتها على الرغم من كل المساعدات التي منحت لها، وإيطاليا تسعى لإنقاذ نظام مصرفي متداعي وعلى شفا الانهيار، والأمر لم يتوقف عند ذلك فالضغوط المالية على أكبر بنوك ألمانيا دوتشيه بنك جعلت مستقبله في خطر، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيسبب ذعرا اقتصاديا لأوروبا وللمملكة المتحدة".
وأشار مارسون إلى أن أنصار اليورو يعولون على قدرة المصرف المركزي الأوروبي على إنقاذ العملة المشتركة، لكن المشاكل التي يواجهها تفوق مشاكل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فحجم الثغرات بين اقتصادات منطقة اليورو واسعة، والتباينات الاقتصادية تمتد على طول الاختلافات الثقافية بين بلدانها، سواء تعلق الأمر بقيمة العمل كمفهوم أو حتى الجوانب الثقافية المرتبطة بالعلاقة بين الدولة والمواطن.
الباحث الاقتصادي توم بريستون يشارك وجهة النظر تلك بأن مستقبل اليورو إلى انهيار، ويعتقد أن العوامل السياسية وليس الاقتصادية هي التي تحول حتى الآن دون إخراج العملة الأوروبية المشتركة من دائرة العملات الدولية.
ويضيف بريستون أن العامل الأساسي للحفاظ على اليورو والحيلولة دون انهياره يكمن في الرغبة الألمانية – الفرنسية بالأساس، فألمانيا تتعامل مع اليورو باعتباره نوعا من الضمان الاقتصادي والمالي لمواصلة فرض هيمنتها الاقتصادية على بلدان منطقة اليورو، ومواصلة دافعي الضرائب الألمان لتمويل العجز المالي في معظم بلدان منطقة اليورو يرمي إلى إقامة اقتصادات تابعة، فمقابل تمويل ألمانيا لتلك البلدان تمثل الواردات الألمانية جزءا كبيرا من إجمالي واردات بلدان منطقة اليورو، وهو ما يضمن للاقتصاد الألماني مواصلة النمو بمعدلات مرتفعة، وتحقيق فوائض تجارية تفوق حجم المساعدات المالية المقدمة لبلدان الجنوب الأوروبي.
ويواصل بريستون قائلا: "بيتر نافارو رئيس مجلس التجارة الوطني في الولايات المتحدة اتهم ألمانيا تحديدا بالتلاعب بقيمة اليورو، وتسعير قيمته بأقل من القيمة الحقيقية، لمواصلة استغلال باقي بلدان منطقة العملة الأوروبية، عبر زيادة الصادرات الألمانية لها، وهذا يتضمن بشكل أو آخر أن ألمانيا إذا كانت ترغب في إنقاذ العملة الموحدة من الانهيار، فعليها اتخاذ خطوات ملموسة، تتخلى بمقتضاها عن سياسة التقشف التي تؤدي إلى انخفاض الطلب المحلي، وزيادة القدرة التنافسية لصناعتها بصورة مفتعلة، وإذا اتخذت برلين تلك الخطوات فإن هذا يعني تراجع قدراتها الاقتصادية، ومن ثم فإن ألمانيا أمام خيارين لا ثالث لهما فإما انهيار اليورو وبقاء الاقتصاد الألماني قويا، أو بقاء اليورو وإضعاف قدرة الاقتصاد الألماني".

الأكثر قراءة