Author

حجر الأساس لصناعة سياحة سعودية حديثة

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

مع كل الاحترام لكل التجارب السابقة في المملكة، وكل الجهود الهائلة التي بذلت سابقا سواء من التجارب الفردية أو حتى تلك التي قادتها الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة، لكن يمكن وصف تلك الجهود، بل المرحلة كلها بمرحلة العمل من أجل ترسيخ ثقافة سياحية في المملكة، وللحقيقة فقد تم النجاح إلى أبعد حد إيجاد وبناء ثقة بالإمكانات المحلية من أجل مرحلة بناء صروح سياحية حقيقية. ومع ذلك فقد بقيت المرحلة السابقة ترواح مكانها في مجرد بناء ثقافة السياحة وللسائح المحلي، وكان الهدف ولم يزل كذلك هو إقناع السياحة المحلية بالإمكانات المحلية، أملا في الإبقاء على المحتوى المحلي نشطا، ومع محاولة يائسة جدا لمنافسة المحطات السياحية الخارجية على خطط السائح السعودي. ولم يكن أكثرنا تفاؤلا يحلم بجرأة حقيقية على رسم صناعة متكاملة تستهدف السائح الأجنبي أولا وفعلا، ومنافسة العالم في هذه الصناعة المتنامية. وهذا الوضع الحرج كان له عدة أسباب؛ أولها وأهمها غياب الرؤية الاقتصادية الحكومية الواضحة التي تضع السياحة في مقام النفط، وهذا يعني تقديم تسهيلات جبارة ومنح تسهيلات خلاقة، وأيضا تسهيلا في الإجراءات وتغييرا في الأنظمة وتهيئة بيئة غير متصادمة مع الثقافة السائدة، ومع ذلك تعترف بحق الاختلاف الثقافي للسائح. وهذا تحد هائل لم يكن أحد يجرؤ عليه أو بالبوح عنه حتى أتت "رؤية المملكة 2030" بحزم الملك وعزم ولي عهده.
اليوم، وبكل ثقة أعتقد أن مشروع البحر الأحمر الذي أعلن عنه نائب خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يعد حجر الأساس لصناعة السياحة في المملكة، وسيكون لهذا المشروع أثر ضخم وتحول عميق واستراتيجي في فكر السياحة كمصدر أساس للدخل في المملكة، وصناعة توليد الوظائف. فمنذ انطلقت "رؤية المملكة 2030"، وهي تتحدث عن نقلة نوعية في الاستفادة القصوى من الموقع الجغرافي للمملكة، والتنوع الضخم فيها، إضافة إلى مرتكزات ثقافية وحضارية مغروسة في أعماق التاريخ. ولعقود ونحن نتساءل عن الأسباب الكامنة خلف عدم الاستفادة من كل هذه الإمكانات، بينما دول لا تمتلك (وأكرر أنها لا تمتلك) ربع هذه المكونات واستطاعت أن تنشئ تجربة سياحية خاصة، ومع الاعتراف بأن المكون الحضاري في المملكة، والمرتكزات الثقافية، تجعل من الصعب حدوث أي نقلة سياحية ما لم تبادر الدولة ــ رعاها الله ــ لبناء منظومة سياحية خاصة ذات تشريعات وتنظيمات خاصة. لكن اليوم ومع الإعلان عن مشروع البحر الأحمر، فإن الطموح يأخذ قلوبنا إلى المستقبل القريب ونحن نشاهد في منشور صندوق الاستثمارات العامة أرخبيل مدهش من 50 جزيرة من جزر البحر الأحمر البكر من أملج إلى الوجه. من يشاهد تلك الجزر من مشهد قمر صناعي يندهش لهذه الأعجوبة من خلق الله التي منحها الله لهذه الأرض الطيبة، فهي تشكل نموذجا فريدا من تجمع الجزر على مساحة واسعة. وبينما ذهبت دول العالم بعيدا في بناء جزر صناعية مثلها، ها هي في أيدينا على حقيقة صنع الله لها. وإذا كان السؤال الذي يفرض نفسه الآن: لماذا لم نهتم بها من قبل؟ فإن الإجابة الصحيحة لكل هذه التساؤلات صدعت بها "الرؤية" بحسم اليوم، ليكون هذا المشروع حجر الأساس. ماذا تعني السياحة اليوم في العالم؟ تعني التنوع بين الاسترخاء والتسوق، وبين متعة الاستكشاف وفرص المعرفة الجديدة.. تعني الرياضة والثقافة، والتجارب الفريدة. وكل هذا بتنوعة سيتم توفيره بشكل طبيعي "غير مصطنع" في هذا الصرح السياحي العملاق بمجموعته الفريدة الواسعة من التجارب التي تغطي على سبيل المثال: الشمس والرمال البيضاء والماء: من جزر وسواحل وبحر وضيافة. المغامرات والرياضة: كمشروع الرياضات المتنوعة مائية وغيرها، كالغوص، وتسلق الصخور، والمنطاد، ورياضات الجولف والتنس وكرة القدم. برامج السياحة البيئية كمراقبة حياة السلاحف الصقرية، أو حتى النوم في الهواء الطلق، وزيارة البراكين الخاملة. الثقافة والتراث، كاستكشاف موقع العلا ومدائن صالح التاريخية، وإعادة اكتشاف تجارة البخور وطرق القوافل التاريخية، وتذوق المأكولات التقليدية وتجربة المنتجات المحلية، وزيارة متحف التراث، كل هذا في بيئة خضراء من أبرز وأفضل عشرة مواقع خضراء في العالم توفر الصحة والاستجمام والاسترخاء والتخلص من السموم.
المشروع بكل استحقاق يعد مشروعا استثنائيا لم يكن أفضلنا تنبؤا يتوقعه، وسيضع المملكة على خريطة السياحة العالمية، حيث سيستقطب السياحية العالمية وليس المحلية فقط، وكما جاء في نشرة صندوق الاستثمارات العامة عن أن المشروع يجذب استثمارات ضخمة وسيسهم في الإنتاج المحلي بقيمة 15 مليار ريال، وهذا معدل مرتفع نسبيا، سيكون رافدا من روافد التوظيف مع توليد 35 ألف فرصة عمل. وهذه ليست مجرد أرقام للتسويق، بل هي مؤشرات تعكسها حقائق المشروع الذي سيشمل تطوير مطار خاص، وميناء بحيث تمنح التأشيرات للدخول مباشرة، وفنادق ومنتجعات فخمة، إضافة إلى بنى تحتية تشغيلية ضرورية مثل النقل وصناعة وصيانة كالقوارب، والطائرات المائية، وغيرها.

إنشرها