الاقتصاد العالمي .. و4 تحديات كبرى

تواجه دول العالم، على النطاق الكوني أربعة تحديات كبرى تمثل تهديدا خطيرا لكل جهود التنمية والسياسات الاقتصادية في جميع البلدان، وهذه التحديات هي: المناخ، والفقر، والإرهاب، والمخدرات.
فبالنسبة للمناخ ما زالت ظاهرة الاحترار الناجمة عن انبعاث عال لثاني أكسيد الكربون وغيره لا تجد بشأن الحد منها التزاما صارما على المستوى العالمي من قبل جميع الدول، فعلى الرغم من المؤتمرات والقرارات التي صدرت على مستوى الأمم المتحدة، وآخرها مؤتمر باريس قبل أسابيع، ما زالت الأرض تشهد مؤثرات الاحتباس الحراري، ونجمت عنه كوارث في شرق آسيا وفي أمريكا وفي إفريقيا؛ سواء كانت عواصف عاتية أو موجات التسونامي والهيروكين التي خلفت آثارا مدمرة أزهقت الأرواح وأهلكت المحاصيل ودمرت الممتلكات، إضافة إلى ما يعكسه التلوث على سكان الأرض من تراجع في مستويات الصحة وظهور أمراض وأوبئة، إلى جانب اتساع ظاهرة التصحر التي أدت إلى تراجع إنتاج المحاصيل الغذائية، وتقلص مساحة المراعي؛ ما رفع أسعار الغذاء وخفض حصص الدول المحتاجة للمساعدات الغذائية.
أما الفقر، فعلى الرغم من محاولات الحد منه ومعالجته والاستراتيجيات التي أعدت بشأنه، لم تفلح الأهداف الألفية الأممية للتنمية ــ على سبيل المثال ــ في الوصول إلى نتائج إيجابية سوى معدلات للنمو في قليل من البلدان لا تكاد ترتفع إلا وتعاود الهبوط؛ ما جعل أعداد الواقعين تحت خط الفقر يشكلون رقما هائلا يشير إلى أن معظم البشرية في فقر مدقع لا تكاد تجد ما تسد به الرمق. وأما نصيبها من الصحة والتعليم فلا يكاد يذكر.
كما تأتي ظاهرة الإرهاب التي اكتسحت دول العالم، ولم يكن يسلم بلد من البلدان من ضربات الإرهاب على مدى العقود الثلاثة الماضية، ومع أن الدول استنفرت قواها العسكرية والأمنية والمعلوماتية لضربه، ودخل العالم في تحالف دولي ضده، إلا أنه ظل يفتك بالنفوس البريئة ويتساقط ضحاياه بالعشرات والمئات بل الآلاف، كما حدث في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ــ على سبيل المثال ــ وقد توحش هذا الإرهاب وتنوعت عصاباته وانتشرت على نحو لم يعرفه التاريخ حتى في عصوره البدائية الهمجية.
وتشكل المخدرات تحديا رابعا على مستوى العالم، فالمصانع السرية التي تنتج بالأطنان عقاقير الهلوسة والهياج، ومزارع الحشيش والأفيون وغيرهما التي ترعاها مافيا مؤسسات ودول تغزو بتجارتها السوداء أقطار العالم، ساحبة من سكانها الملايين ضحية لها، يهدرون أموالا كان يفترض أن تكون لصلاحهم ولإعمار بلدانهم بها، ليتحولوا مصيبة عليها بين احتراف الجريمة بأنواعها أو السقوط في أمراض نفسية تثقل كواهل ميزانيات الدول وتعوق تنميتها وتعكر سلمها الاجتماعي.
تلك أربعة تحديدات بكل انعكاساتها تشل وتعطل مصادر الاقتصاد العالمي، المتمثلة في الإنسان أولا وفي البيئة التي يشغلها وهي الكرة الأرضية في جميع قاراتها.. فتعطيل وشل المصادر هما ما يترجم الحالة الاقتصادية المأزومة على المستوى الكوني، لأن مصادر الثروة البشرية والطبيعية لا يتم صيانتها بقدر عال من المسؤولية العالمية، فالخلافات السياسية، والمصالح والمواقف الأيديولوجية ما زالت تتصدر أولويات الإدارات السياسية. وعلى الرغم من أن الدول تعقد لقاءات واجتماعات وتطرح برامج ومشاريع وتسن مواثيق تستهدف مواجهة تلك التحديات، إلا أنها في الواقع تقارب في فعلها مجرد إبراء الذمة وتأنيب الضمير، وطبعا ثمة صادقون يتطلعون إلى عمل دولي مشترك يصعد إلى آفاق مواجهة تلك التهديدات، غير أن لعبة الأمم وبالذات القوى الكبرى غالبا لا ترتفع إلى الحد الإنساني لحماية هذا العالم وصيانته.. فمع الأسف ما زالت الرغبة في الاستئثار بالمصلحة لتلك القوى يقطع الطريق على العمل الجماعي.. ويكون ضحيته عدم قدرة الاقتصاد العالمي على تجاوز مستوياته المتراجعة بشكل كبير بفعل تدني منسوب المصداقية في حماية وصيانة مصادر الثروة (القوى البشرية والكرة الأرضية)، الأمر الذي حال دون تحقق السعادة للبشرية، وما تنشده من أمن وسلام لجعل كوكب الأرض مكانا لائقا للعيش عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي