حساسية المكسرات .. الفول السوداني ينقلب إلى خطر مميت أحيانا

حساسية المكسرات .. الفول السوداني ينقلب إلى خطر مميت أحيانا
حساسية المكسرات .. الفول السوداني ينقلب إلى خطر مميت أحيانا

في الماضي كانت المكسرات عنصرا أساسيا في السهرة الأسبوعية لمشاهدة أحد الأفلام، لكن في الفترة الأخيرة أصبح وجودها نادرا في منزل سيبريانو. كان جيوفاني قد بدأ للتو دراسته في المدرسة الثانوية وكان يُعطى واجبات إضافية، في الوقت الذي كانت تعمل فيه والدته، جورجينا، في وظيفتين بعد انفصالها عن والده. لكن في إحدى ليالي تشرين الثاني (أكتوبر) 2013، وجدا الوقت للجلوس في غرفة التلفاز في منزلهما الواقع في لونج آيلاند في ولاية نيويورك، حيث وضعت أمامهما وعاء من السكاكر والبسكويت المملح بغرض تناولها أثناء مشاهدتهما التلفاز.
بعد تناول بعض منها، بدأ الصبي الذي يبلغ من العمر 14 عاما يشعر بتوعك. تستذكر أمه أنه كان يقول "أمي، أعتقد أن هذه تحوي الفول السوداني في داخلها". اعتقدت أنه كان مخطئا. فقد كانت قد تحققت من قبل تحذير الحساسية الموجود على الغطاء، الذي يحذر من أن الخليط يحتوي على بندق، لكنه لم يأت على ذكر الفول السوداني الذي كان ابنها يعاني حساسية شديدة منه.
تسلسل الأحداث التي تكشفت فيما بعد مأساوي جدا، مليء بالمصير السيئ، إلى درجة أنني أتساءل كيف يمكن لجورجينا أن تتحمل روايتها للحادثة. تقول "من الصعب التحدث عما حصل، لكن من المهم سرد القصة. وأنا سأكون لسانه".
على الرغم من أن كلمتي الفول السوداني كانتا محذوفتين من مربع التحذير الخاص بالحساسية، إلا أنهما كانتا مدرجتين في الحقيقة في بند المكونات الرئيسية، كما اكتشفت جورجينا عندما أعادت بشكل حذر قراءة العلبة التي تم التخلص منها. ثم أعطت ابنها دواء مضادا للحساسية وطلبت منه ارتداء ملابسه وتجهيز نفسه لزيارة الطبيب. ودار بينهما جدال - إذ اعتقد أنها كانت تثير جلبة لا لزوم لها وأراد البقاء في البيت - لكنها كانت مصرة على زيارة الطبيب. "أردت فقط الشعور بالاطمئنان".
وضعت جورجينا دواء "إيبي بين"، وهو حقنة تستخدم لدرء التعرض لصدمة استهدافية خطيرة، في حقيبتها، واصطحبت جيوفاني إلى مركز الرعاية الطارئة المحلي. وصلا بعد الساعة التاسعة مساء ببضع دقائق ليجدا أن المركز أغلق أبوابه للتو. أصابتها حالة من الذعر. بدأ جيوفاني يعاني صعوبات في التنفس، وكان ينفخ في منشاق للربو وطلب منها حقنة الـ "إيبي بين"، لكن بسبب حالة الرعب التي كانت تعانيها، لم تتمكن من العثور عليها. "لا بد من أنها سقطت من جيبي. كل ما يمكنني التفكير فيه الآن هو كيفية الوصول إلى غرفة الطوارئ".
تستغرق الرحلة من مركز الرعاية إلى غرفة الطوارئ سبع دقائق، لكن بعد خمس دقائق التفت جيوفاني إلى والدته وتكلم آخر كلماته. "لا أعتقد أنني سأتمكن من التغلب على هذا. لا يمكنني ذلك. لا أريد الموت". بينما كانت تدخل موقف السيارات التابع للمستشفى، كانت تمسك بيد ابنها لتواسيه. "كان الجو باردا وعندما نظرت إلى وجهه، كان شاحبا. بدأت الصراخ "رجاء ساعدوني".
أُدخِل جيوفاني إلى غرفة الطوارئ بسرعة. حاول الأطباء إنعاشه، لكنهم لم يكونوا قادرين على إيقاظه من الغيبوبة. "جربوا معه كل شيء، لكن دماغه كان يعاني نقصا حادا في الأوكسجين منذ فترة طويلة جدا ولم يستطع جسده التكيف مع الأمر. لم يستيقظ أبدا. وبعد مضي 18 يوما توفي".
قبل أن يفارق الحياة بفترة قصيرة، كان جيوفاني قد عثر على مقال منشور على الإنترنت حول عقارين من العقاقير التجريبية يمكنهما حماية الأشخاص الذين يعانون حساسية الفول السوداني في حالات الإصابة العرضية. تستذكر جورجينا ذلك وتقول "كان خائفا جدا من المشاركة في تلك الدراسة، لكنه قال أيضا "آمل أن أتمكن من تجربة الدواء يوما ما".
بعد مضي أربع سنوات هذان الدواءان الآن في المراحل الأخيرة من اختبار التجارب السريرية. أحدهما كبسولة يمكن أن تُفتح وترش على الطعام، والآخر رقعة توضع على جلد المريض في منطقة الظهر. وكلاهما مدعوم بالنظرية العلمية نفسها التي مفادها أن تعريض الأطفال الذين يعانون حساسية مفرطة وخطيرة لكميات ضئيلة من دقيق الفول السوداني يعيد تدريب نظام المناعة لديهم للتكيف بشكل أفضل والتعامل مع الأمر. بعد سنوات من البحث ومئات الملايين من الدولارات التي تم استثمارها، تأمل الشركتان اللتان تقفان خلف هذين الدواءين أن تتمكنا من إنقاذ أطفال مثل جيوفاني في المستقبل.

الصدمة الاستهدافية

عدد الأشخاص المصابين بحساسية الأطعمة ارتفع بشكل ضخم منذ بداية القرن العشرين، عندما وصف عالمان فرنسيان، شارل ريشيه وبول بورتييه، أول حالة إصابة بالصدمة الاستهدافية المميتة. عندما حصل هذان العالمان على جائزة نوبل لأعمالهما في عام 1913، كان المرض لا يزال غامضا وليس قضية في الصحة العامة. لكن اليوم يعاني نحو 15 مليون أمريكي و17 مليون أوروبي أمراض الحساسية للأطعمة، وأخطر الحالات تصيب الأطفال.
من بين أكبر العوامل التي تقف خلف هذه الزيادة الكبيرة يأتي ارتفاع معدل انتشار مرض الحساسية للفول السوداني الذي يمثل أكثر من ربع جميع الحالات التي يصاب بها الأطفال. يعاني ثلاثة ملايين شخص في الولايات المتحدة الحساسية للفول السوداني، والبندق أو كليهما. ونحو 2 في المائة من الأطفال الأمريكيين مصابون الآن بحساسية الفول السوداني، وهو رقم ارتفع أكثر من أربع مرات منذ عام 1997. عدد الحالات القاتلة ضئيل، إذ يتم عادة تسجيل أقل من 100 حالة في كل عام. وكانت جميع الوفيات تقريبا لأشخاص كانوا يعلمون بوجود المرض لديهم، لكن انتهى بهم الحال بتناول الفستق دون علمهم.
وتعمل كثير من المدارس على عدم تداول المكسرات فيها، في الوقت الذي تعمل فيه بعض شركات إنتاج الأغذية على خفض استخدام الفول السوداني في جميع منتجاتها. مع ذلك، يحذر العلماء من أن الامتناع واسع الانتشار لن يؤدي فقط إلا إلى تفاقم الأمور. والحل الأفضل قد يكون في تطوير علاج من شأنه حماية المرضى في حالة الإصابة العرضية.
بوصوله إلى سن 105 سنوات، اكتسب الدكتور بيل فرانكلاند مكانته باعتباره "أبو الحساسية" الأول. في مساء اليوم الذي تحدثنا فيه، كان عالم المناعة البريطاني على وشك الخروج مسرعا، لكن لا يزال لديه الوقت ليتحفني بقصص حياته المهنية الطويلة، بما في ذلك الفترة التي مرت في عام 1979 عندما عالج صدام حسين، دكتاتور العراق الراحل. يسأل قائلا "كانت الناس تأكل البيض والفول السوداني ومنتجات الألبان لسنوات وسنوات، لماذا يحدث هذا الآن؟ هناك عدد كبير للغاية من الأسباب، هذا المرض يعود إلى عوامل متعددة: التلوث العام، أبخرة الديزل وما إلى ذلك، لكن السبب أيضا هو أن الحساسية معترف بها الآن باعتبارها مرضا مزمنا، لذلك تجد الأطباء مهتمين بها للغاية".
ويضيف "هناك عامل واحد يجب ألا نعتبره سببا في ذلك ألا وهو الجينات". على الرغم من أن بعض الناس لديهم استعداد وراثي أكبر من غيرهم للإصابة بحساسية الأغذية، لم تتغير تلك النسبة على مر الزمن، ما يعني أن العامل المتسبب لا بد أن يكون هو العوامل البيئية. "الآن نحن أكثر اهتماما ببداية حياة الطفل - ما يأكله الطفل وما يتنفسه، ونحتاج أيضا إلى إجراء مزيد من البحوث حول ذلك الموضوع".
يشعر فرانكلاند بالحيرة بخصوص السبب في الحاجة إلى وقت طويل جدا لتطوير علاجات يمكن أن تحمي المرضى الذين يعانون حساسية الفول السوداني. يستذكر أنه قبل 60 عاما، تمكن بنجاح من علاج أشخاص يعانون حساسية مفرطة للسمك والبيض والحليب من خلال إدخالهم المستشفى وإعطائهم حقنا معايرة تحوي المواد نفسها التي يمكنها أن تقضي عليهم. "كانوا يمضون في المستشفى 12 إلى 13 يوما ويخرجون بعد التماثل للشفاء".

العلاج بالفول

كان التقدم في علاج حساسية الفول السوداني أكثر بطئا، إلى حد ما لأنه حتى الكميات الصغيرة يمكن أن تكون قاتلة. أجرى الباحثون تجارب على حقن الفول السوداني في مطلع التسعينيات، لكن النتائج كانت غير مشجعة. فعلى الرغم من أن بعض المرضى تم علاجهم من مرض الحساسية بنجاح، تعرض عدد كبير منهم لردود فعل شديدة. وتم إيقاف إحدى الدراسات بعد موت أحد المشاركين فيها بسبب التعرض لصدمة استهدافية.
في عام 2009 نشر فريق من العلماء، بقيادة الدكتور ويزلي بيركس، طبيب الأطفال آنذاك في جامعة ديوك في نورث كارولينا، تجربة صغيرة يشاد بها الآن على نطاق واسع على أنها تشكل فتحا طبيا. يستذكر بيركس "كان المفهوم ينطوي على منح شخص ما شيئا ما بكمية صغيرة جدا ومن ثم زيادته مع مرور الوقت. بدأت عملية التخلص من الحساسية بجزء من الألف من حبة الفول السوداني ومن ثم زيادة ذلك. ومن ثم، وبشكل مفاجئ، كنا نعطي الأطفال حبة فول سوداني يوميا ولم تحصل لديهم أي ردود فعل خطيرة". بعد عشرة أشهر، استطاع بعضهم هضم ما يقارب 15 حبة فول سوداني يوميا، ما يمنحهم مناعة قوية في حال حدوث إصابة عرضية.
أدى هذا العلاج الرائد إلى إيجاد صناعة منزلية في الولايات المتحدة: يقدم بعض الأطباء المختصين في علاج الحساسية في عياداتهم الآن نسخا صنعوها بأنفسهم من "أدوية المناعة الذاتية" التي أوجدها بيركس. لكن الأغلبية لا ترغب في تقديم حل بديل مؤقت، خوفا من التعرض للمساءلة فيما لو حدث خطأ ما.
حازت أبحاث بيركس أيضا اهتمام الجماعة الناشطة "الأبحاث والتثقيف حول حساسية الأطعمة" FARE، التي حاولت إقناع عدد من شركات الأدوية الكبرى بتحويل الأبحاث إلى دواء معتمد. لم تستجب شركات الدواء الكبرى، اعتقادا منها أنه سيكون من المستحيل منح براءة اختراع لدواء هو في الأساس فول سوداني مطحون. لذلك قرر قادة تلك الجماعة دعم الجهود المبذولة للبدء بإنشاء شركة جديدة. استطاعوا تأمين مبلغ 12 مليون دولار من التمويل الأولي من مستثمرين أثرياء، بمن فيهم ديفيد بانينج، الممول من شركة سيتادل الذي يعاني أطفاله حساسية شديدة للأطعمة. واصلت الشركة التي تعرف الآن باسم آيميون Aimmune جمع مبلغ إضافي بلغ 414 مليون دولار.
استخدمت شركة آيميون تلك المبالغ النقدية لتطوير نوع بجرعة مخففة من علاج بيركس يمكن تصنيعه مهنيا على نطاق واسع: كبسولة تحوي بروتين الفول السوداني بحسب المعايير الصيدلانية، يجري فتحها ورشها على الطعام المناسب، مثل بودنج الشوكولاتة. بعد أكثر من أربع سنوات من التجارب السريرية يمر هذا الدواء الذي يطلق عليه اسم AR101 إيه آر 101، الآن بالمراحل النهائية من الاختبار، ومن المقرر ظهور النتائج إما مع نهاية هذا العام وإما في مطلع عام 2018. في دراسات ذات نطاق محدود كان المرضى قادرين على تحمل تناول ما يعادل حبتين إلى ثلاث حبات من الفول السوداني بعد مرور تسعة أشهر على العلاج، وتشير البحوث إلى أن هذه الكمية ستزداد مع مرور الوقت.
ربما لا تبدو حبات الفول السوداني الثلاث كبيرة، لكنها ستكون كافية لحماية شخص ما ضد أي ابتلاع عرضي. وهذا على الأرجح سيقنع المنظمين أيضا في الولايات المتحدة بالموافقة على الدواء للأطفال الذين تراوح أعمارهم بين الرابعة والسابعة عشرة. ارتفعت قيمة أسهم شركة آيميون بواقع الثلث تقريبا على مدى الـ 12 شهرا الماضية، ما منح الشركة قيمة سوقية تعادل مليار دولار تقريبا، في الوقت الذي يراهن فيه المستثمرون على أن إدارة الدواء والغذاء والأجهزة التنظيمية الأوروبية ستسمح بإنتاج ذلك الدواء في عام 2019. ويتوقع محللون في مصرف كريدي سويس أن يحقق العقار مبيعات تبلغ ذروتها عند 1.4 مليار دولار سنويا في عام 2024.
النجاح غير مضمون. تاريخ تطوير الأدوية مليء بأمثلة لأدوية بدت وكأنها أمر مؤكد لكنها فشلت فيما بعد. كذلك العلاج باستخدام عقار إيه آر 101 ليس دواء لكل داء. فهو يستغرق وقتا طويلا ويتضمن إجراء زيارات دورية لطبيب الحساسية، إضافة إلى كونه غير سار أبدا. يقول ستيفن ديلي، الرئيس التنفيذي لشركة آيميون، وهو نائب رئيس سابق لشركة سميث كلاين بيتشام للمستحضرات الصيدلانية "إنه لا يناسب كل شخص، لأن هناك أعراضا جانبية مرتبطة بالعلاج وعليك استثمار الوقت والجهد من خلال زيارات متكررة للطبيب. ويغلب على هذا العلاج أن يكون مفيدا للمرضى ذوي الحساسية المفرطة والذين من المحتمل أكثر أن يتولد لديهم رد فعل يهدد حياتهم".
تستغرق الزيارة الأولى ثلاث ساعات يزيد الأطباء خلالها جرعة العقار إيه آر 101 ببطء إلى أن يتوصلوا إلى معرفة الحد الأقصى الذي يستطيع أن يتحمله المريض. ومن ثم يجب على الطفل أن يعود كل أسبوعين لتحديد ما إذا كان مستعدا أم لا لتعاطي الحبوب الأكبر حجما. ستتعرض الغالبية العظمى لردود فعل سيئة، مثل الطفح الجلدي "الأرتيكاريا" أو آلام المعدة، وتستغرق العملية عادة ما بين 24 و26 أسبوعا قبل أن يتمكن المريض من تناول كبسولة وقائية منتظمة. وعلى الرغم من أن الشركة تقول إنه ليس علاجا على مدى الحياة، لا يزال من غير الواضح طول الفترة الزمنية التي يمكن أن يحتاج فيها المريض إلى تناوله.
لدى شركة آيميون روابط مع قطاع صناعة الأغذية، الذي له مصلحة كبيرة في العثور على علاجات لأمراض الحساسية. وأكبر شركة مستثمرة فيها هي "نستله" التي استحوذت على حصة نسبتها 15 في المائة مقابل 145 مليون دولار في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016. نجاح عقار إيه آر 101 وغيره من العلاجات الأخرى يمكن أن يساعد على حماية الأعمال الأساسية لشركة الأغذية العملاقة، التي تبيع كثيرا من المنتجات المحتوية على الفول السوداني وغيره من المواد الأخرى المسببة للحساسية.
تجارة الفول السوداني أيضا لديها أمور كثيرة تتوقف على نجاح تلك العلاجات، مع موافقة واحدة من أكبر الشركات، جولدن بينات، على تقديم البروتين المستخدم في الكبسولات بموجب اتفاقية حصرية مدتها عشر سنوات. يقول ديلي "إن هذا أكثر من مجرد ترتيب تجاري. إنهم مهتمون جدا بأن يُنظَر إليهم على أنهم يقدمون لنا المساعدة. تحولوا من كونهم زراعا طيبين على الطريقة القديمة للفول السوداني في جورجيا، ليصبحوا الأشخاص الذين ينتجون المادة التي تتسبب في قتل الناس".
بالنسبة إلى بوب باركر، رئيس المجلس الوطني للفول السوداني، تعرُّض السمعة للضرر يؤذي الأعمال. فقد أمضى حياته في تلك الصناعة ونشأ في قلب منطقة الفول السوداني في ولاية جورجيا، وكان وهو في سن السادسة يبيع أكياسا من الفول المسلوق على قارعة الطريق. اليوم، كل شخص يقابله يسأله السؤالين دون تغيير. هل قابل جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق ومزارع الفول السوداني الأكثر شهرة في العالم؟ ويجيب: "مرات كثيرة. إنه رجل طيب". وكيف تتكيف الصناعة مع الارتفاع الحاد في الحساسية من الفول السوداني؟ فيقول "إنه أكبر عائق يواجه الاستهلاك".

حمى القش

الوقت هو بداية الربيع، وتتمتع حديقة سنترال بارك في نيويورك بشروق الشمس البديع. رائحة العشب الذي تم قصه أخيرا تعم المكان. لكن بالنسبة إلى هايلي مولتاش، الطفلة التي تبلغ من العمر سبع سنوات وتحضر إلى العيادة التي تبعد بضعة شوارع، يعني لها هذا اليوم شيئا واحدا: الحساسية. تناولت من قبل دواء مضادا للحساسية بسبب حمى القش التي كانت تعانيها ووضعت لها أمها، إريكا، بضع قطرات في عينيها لإيقاف الدموع الناتجة عن الحساسية.
تم تشخيص هايلي بالاشتباه في إصابتها بحساسية الفول السوداني قبل ستة أشهر. اليوم، جاءت لتحصل على إجابة قاطعة من "معهد جاف لحساسية الأغذية" في مستشفى جبل سيناء، حيث ستأكل البسكويت المغطى بزبدة الفول السوداني بكميات متزايدة ليروا ما إذا كانت ستتسبب في رد فعل. تجري الدكتورة مليكة جوبتا، الأستاذ المساعد في طب الأطفال، ذلك الاختبار، مزودة بحقن "إيبي بين" في حال حدوث أي خطأ.
في البداية تشعر هايلي بإثارة كبيرة وتروي سلسلة من القصص، بما في ذلك الوقت عندما ظهرت أمها في إعلان تلفزيوني عن متجر للحفلات. تطلب منديلا، ثم تتمخط فيه بحركة مسرحية، وتضحك بصوت عال. تعلق إريكا "إنها خجولة حقا. نحن نعمل على هذا الأمر".
لكن بالضبط قبل أن يبدأ التحدي، تصاب هايلي بالصمت. ترخي كتفيها، وتصبح ملامح وجهها – الذي كان يشع بالابتسامات حتى هذه اللحظة - جدية. تقول "أشعر بتوتر. هذا النوع من الاختبارات وسيلة أكثر إرهاقا للأعصاب من الاختبار المدرسي. ذاك مجرد درجة، لكن هذا يمثل كل حياتي". ربما يبدو الأمر دراميا، لكن حين تسمع حديثها خلال الأشهر القليلة الماضية، فإن هذا يجعلك تفهم كيف يمكن لتشخيص الإصابة بحساسية الفول السوداني أن يغير عالم أحد الأطفال ويقلبه رأسا على عقب.
كانت نتيجة فحص هايلي للحساسية إيجابية في كانون الأول (ديسمبر)، عقب اختبار للجلد بعد أن تسبب ساندويش زبدة الفول السوداني في ظهور طفح جلدي حول فمها. ونصح الطبيب المختص والدتها بألا تعطيها الفول السوداني نهائيا، مشجعا إياها على السعي للحصول على رأي ثان في الموضوع من مستشفى جبل سيناء.
كان الاضطراب الأكبر في المدرسة التي انضمت إلى كثير من المؤسسات العامة في اعتماد نهج متشدد بخصوص الارتفاع الحاد في حالات الإصابة بحساسية الأغذية بين الأطفال. التلاميذ الذين يتم تشخيص الإصابة لديهم يجب عليهم الجلوس على طاولة منفصلة في المقصف المدرسي، ويتم استبعادهم عن مناسبات الاحتفال بأعياد ميلاد الأطفال الآخرين، ما لم يُحضر الطفل المحتفى بعيد ميلاده شيئا من منزله يكون خاليا تماما من المواد المسببة للحساسية.
تقول هايلي "هناك طاولة مخصصة للأطفال الذين يعانون أمراض الحساسية ولا أحد يجلس عليها - إنها تبدو أكثر الطاولات خلوا في المقصف". "في تصرف ينم عن اللطف، تخلت إحدى أفضل صديقاتها عن تناول الفول السوداني في نظامها الغذائي حتى تتمكنا من الجلوس معا".
لم يكن الأمر أسهل أبدا على هايلي خارج نطاق المدرسة: ذهبت العائلة أخيرا لتناول طعام العشاء في مطعمها المفضل، مكان آسيوي حيث يطبخ الطعام في وسط الطاولة التي تجلس عليها. كان يتعين تجهيز طعامها في المؤخرة، وكان طعمه أقل جودة من قبل. تستذكر إريكا الموقف "لقد بكت في الواقع في ذلك المساء".
طلبت الدكتورة جوبتا من المصور ومني مغادرة العيادة قبل أن تنهي هايلي تحدي الطعام، بحجة أنه قد يكون من غير الأخلاقي وجودنا هناك فيما لو تعرضت لرد فعل سيئ. بعد مضي بضعة أيام أرسلتُ رسالة نصية إلى إريكا لأرى كيف سارت الأمور. قالت "لقد اجتازت الاختبار. الحمد لله". تبين أن رد فعل هايلي السابق كان سببه الحساسية الموسمية لحبوب لقاح شجرة التفاح، التي تحتوي على بروتين مماثل للبروتين الموجود في بعض الأطعمة، بما في ذلك الفول السوداني. أحيانا يمكن أن يخطئ الجسم في تحديد بروتين الفول السوداني ويعتبر أنه هو حبوب اللقاح، ما يتسبب في ظهور طفح جلدي وأعراض مثل الحمى، على الرغم من أنها ليست صدمة استهدافية. تقول إريكا "إنها سعيدة جدا. لكنني لن أكذب عليكم – حتى الآن لا تأكل أي شيء يحوي الفول السوداني".

الأكثر قراءة