Author

رسوم الأراضي البيضاء .. ما المشكلة؟ وما الحل؟

|

يثار هذه الأيام نقاش حول فعالية رسوم الأراضي البيضاء، وهل هذه الرسوم وبالطريقة التي نفذتها وزارة الإسكان ستحقق الغرض منها. من المؤلم أن تصبح القضية الأساسية غائمة في ظل تحول النقاش إلى الرسوم بدلا من المشكلة الأساسية وهي شح الأراضي المطورة واستغلال المساحة من أجل توفير المساكن، وهذا بحد ذاته فشل أساسي في تطبيق فكرة الرسوم. لقد جاءت فكرة رسوم الأراضي البيضاء من افتراض فعاليتها في رفع تكلفة الحفاظ بالعقار خاما، ومحاربة العقار كملاذ ضريبي وزكوي ومخزن للثروة.
فوجئت الأوساط الاقتصادية والعقارية بتصريح من ماجد الحقيل وزير الإسكان يشير فيه إلى أن عوائد المدن الثلاث "الرياض، الشرقية وجدة" لا تتجاوز ملياري ريال. وهذا معناه ببساطة أن معدل التناقص في ثروة العقاريين نتيجة الحفاظ على العقار ودفع الرسوم سيكون أقل بكثير من تناقص قيمة الريال نتيجة التضخم، وبهذا فإن الخروج من العقار إلى الريال أو غيره من الاستثمارات سينطوي على مخاطر أكبر من مخاطر الحفاظ عليه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن معدل التضخم العام سيعوض العقاريين ما دفعوه من رسوم على شكل ارتفاع حتمي في قيمة العقار نتيجة التضخم.
الأمر الأكثر ألما في تصريحات وزير الإسكان، أن العوائد الناتجة عن رسوم الأراضي البيضاء لن تحقق القدر اللازم من الجدوى الاقتصادية لها، بمعنى أن تكلفة تحديد الرسوم وتكلفة التقييم وتكلفة الجباية والفصل في النزاعات أكبر بكثير من المحصلة النهائية، وهكذا أصبحت الدولة متضررة من تكلفة الرسوم بدلا من أن تحقق منها عوائد إضافية لأجل المساهمة في معالجة الإسكان.
ومع موجة الإحباط هذه فإن السؤال الآن عن الخلل ومكامنه، بمعنى هل كانت فكرة الرسوم نفسها غير مجدية، أم أن طريقة جبايتها لم تكن فعالة، أو أن الرسم نفسه لم يكن مدروسا بطريقة علمية، من المؤكد أن هناك خللا ما، لكنه حتما ليس في فكرة الرسوم، فهذه الرسوم العقارية مطبقة في العالم أجمع تقريبا، وهناك منافع كبيرة جنتها الدول من هذه الرسوم. لهذا تبقى لدينا قضيتان، عن قيمة الرسم نفسه أو طريقة الجباية، لعله من الغريب جدا أن يحدد الرسم عند مستوى 2.5 في المائة، ونحن نعرف أن معدل التضخم العام يبلغ أكثر من هذا حيث وصل إلى معدل أكثر من 4 في المائة عندما أقرت الرسوم، فكان يجب أن يتم تحديد الرسم بطريقة تتناسب مع معدل التضخم، ولا يقل عن 5 في المائة، ذلك أن الرسم إن قل عن معدل التضخم فإن الاتجاه سيكون بالتوجه إلى العقار بدلا من الخروج منه، ذلك أن التغيرات في سعر العقار سوف تزيد على معدل العائد السنوي للاستثمار الخالي من المخاطر، وبذلك لن يتحقق أي هدف من أهداف الرسوم.
الأمر الثاني أن طريقة تقييم العقار أو التثمين تمت بطريقة هدفت إلى تخفيض الأعباء على المستثمر العقاري وليس إلى تحفيزه على الخروج من العقار، وهذه الطريقة ألغت تماما الفكرة من الرسوم بل حتى فلسفتها الضريبية ومن أعماقها، فالمعروف عن الضرائب أنها تستخدم من أجل تعزيز التوجهات الاقتصادية حتى تنتهي بتوازن اقتصادي عام وعادل، فالمفهوم الضريبي ذو الأبعاد الاقتصادية للرسوم تجاهلته وزارة الإسكان تماما. كان يجب على وزارة الإسكان أن تعي البعد الاقتصادي للرسوم وليس البعد الإيرادي فقط، وهذا هو المفاجئ في تصريحات الوزير الذي لا يكف عن الحديث عن الإيرادات وليس التأثير، فالمسألة ليست في عوائد الرسوم بقدر تأثيرها، فكما هو معروف من علم الضريبة أن يتم رفع سعرها إلى حدود قصوى لجعل الاستثمار في المجال المستهدف استثمارا مكلفا إلى درجة أن يصبح طاردا فلا يستثمر فيه أحد مثل ضريبة السلع الانتقائية الآن التي نستهدف فيها سعرا ضريبيا مرتفعا لمنع الناس منها، ثم يعود سعر الضريبة إلى الهبوط في بعض الصناعات المستهدفة حتى درجة الإعفاء الضريبي لتحفيز الاستثمارات. العقار كمجال استثماري ليس استثناء من القاعدة، فقد كنا نعفيه من الرسوم حتى أصبح عائقا اقتصاديا لنا، والآن نريد تخفيض هذا التحفيز إلى حد يخرج المستثمرين من العقار، وهذا معناه رسوم أعلى تتصاعد سنويا، أو وعاء ضريبي مرتفع أو كلاهما. وإذا كان السعر الضريبي الآن منخفضا للرسوم العقارية وغير متصاعد بطريقة غير ذات جدوى كما أسلفنا، فإنه لم يبق سوى زيادة قيمة الوعاء من خلال تثمين مرتفع للعقار وعن قصد ومتصاعد سنويا، وهذا ما لم تفعله وزارة الإسكان، فزادت الطين بلة. وانتهينا إلى حصيلة أقل ما يقال عنها إنها مخجلة وغير صادقة ولن تحقق الهدف من الرسوم ولا العدالة الاجتماعية المقصودة.
والحل إما في رفع سعر الرسم أو أن تقوم الوزارة بتعديل التثمين أو –وهو الأفضل على كل حال– أن تترك الوزارة هذا الأمر تماما وتترك أمر التثمين والجباية لهيئة الزكاة والدخل فهي أعلم بها من غيرها بهذه الصنعة وتودع المتحصلات في حسابات وزارة الإسكان.

إنشرها