Author

خصائص التصنيع العسكري

|

تتحكم سياسات وتوجهات وخطط الحكومات في أسواق السلاح والتصنيع العسكري. وتتميز سوق السلاح – ما عدا الأسلحة الخفيفة - بقلة المشترين، حيث تعتبر الحكومة الوطنية الزبون الرئيس، إضافة إلى ما يسمح بتصديره للحكومات الأجنبية. وعادة ما تخضع صناعة الأسلحة لقيود صارمة على التصدير والاستيراد، ولهذا قد ينحصر عدد المشترين في مشتر واحد هو الحكومة الوطنية. وقاد التأثير القوي للدولة في سوق السلاح الوطنية إلى رفع أهمية السياسات الدفاعية طويلة الأمد والعقود الحكومية، وتحديده حجم الصناعات العسكرية ونوعيتها وهيكلها. فالدول التي تنتعش فيها صناعة السلاح تنفق مبالغ هائلة على شرائه، كما توضح خططها الدفاعية لمدد طويلة، وتلتزم بالوفاء بالتزاماتها. فالولايات المتحدة تنفق منذ عشرات السنين أكثر من أي دولة على شراء الأسلحة، ولديها برامج تسليح معلومة طويلة الأمد، ولهذا لديها أكبر صناعة سلاح في العالم. لكن الإنفاق وحده ليس كافيا لتوفير صناعة سلاح متقدمة، حيث توجد متطلبات أخرى مهمة للتفوق النوعي في صناعة السلاح، أبرزها القدرات والبنية الأساسية التقنية والبحثية المتوافرة بشكل عام في البلدان المعنية، المتمثلة في الجامعات ومراكز الأبحاث المتميزة والقادرة على التطوير المستمر. يضاف إلى ذلك ضرورة وجود قطاع صناعي متقدم ومبدع، خصوصا في الصناعات المرتبطة بصنع السلاح، ووجود قطاع خاص قادر على إنشاء وإدارة شركات متخصصة ومتميزة في صناعة الأسلحة.
ينخفض مستوى المنافسة في صناعة السلاح، حيث تتمتع هذه الصناعة في معظم دول العالم بالحماية من المنافسة الأجنبية، من خلال منع أو وضع قيود على واردات السلاح، وتتعمد الحكومات تخصيص عقود شراء السلاح من منتجين وطنيين، كما تحد الأنظمة الوطنية من تصدير تقنية السلاح إلى الخارج، ما يجبر الدول والشركات الداخلة إلى تصنيع السلاح على التطوير الذاتي لتقنياتها. وتعتبر صناعة السلاح من القطاعات الاستراتيجية المهمة، لهذا يتم استثاؤها من اتفاقيات التجارة الثنائية ومتعددة الأطراف. وتتركز صناعة السلاح من ناحية القيمة في عدد محدود من الدول وبشكل رئيس الولايات المتحدة. وتحظى الشركات الكبرى المصنعة للسلاح التي معظمها أمريكي وأوروبي بحصة الأسد من سوق السلاح العالمية.
تعتمد صناعة السلاح في الدول الغربية على الشراكة بين الحكومة والقطاعين البحثي والخاص في صناعة السلاح، حيث يقوم القطاع الخاص بعمليات الإنتاج والتطوير والبحث، بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث، بينما توفر الحكومات التمويل والبيئة المناسبة للإنتاج والتطوير. أما التجربة الاشتراكية وكثير من الدول النامية، فتحصر تصنيع السلاح في القطاع العام، ما حول اقتصادات كثير منها إلى مجرد خادم للقطاع العسكري، وقاد إلى تردي باقي القطاعات الاقتصادية. وقد قادت هذه السياسات انهيار الاتحاد السوفياتي، ما أجبر وريثته روسيا على محاكاة النموذج الغربي ولو جزئيا. وإعادة روسيا هيكلة الصناعات العسكرية في قطاعات التصميم والبحث والابتكار والإنتاج، وذلك من خلال تخصيص قطاع واسع من العمليات الإنتاجية، لكن عمليات الأبحاث والتطوير والتصميم للأسلحة الاستراتيجية أبقيت تحت سيطرة الجهات الرسمية.
تركز صناعة الأسلحة على النوعية أكثر من تركيزها على خفض التكاليف، ما يتطلب ضرورة توفير التمويل الحكومي اللازم للقيام بعمليات التطوير والبحث، وكذلك ضرورة تأهيل وتشجيع الكفاءات الهندسية والعلمية والفنية القادرة على الابتكار والتطوير والإنتاج. وتستغرق عمليات التطوير وإعداد الكفاءات فترات زمنية ليست قصيرة، ولهذا من الضروري وضع خطط طويلة الأجل للسياسات الدفاعية، وإطلاع القطاع الخاص صاحب العلاقة على هذه الخطط. وعلى الرغم من تحمل القطاع الخاص مسؤولية إنتاج العتاد العسكري، إلا أن طبيعة الصناعة تفرض ضرورة تحمل الحكومات تكاليف ومخاطر الاستثمار والبحث والتطوير وتدريب الكفاءات التي تحتاج إليها هذه الصناعة. وينفق عدد من دول العالم بسخاء على تطوير صناعة الأسلحة ويحقق بعضها نتائج جيدة، ولكن عديدا منها يعاني إخفاقات في هذا المجال. وتتمثل هذه الإخفاقات في تصاعد تكاليف صناعة الأسلحة أو رداءة نوعيتها. ولتنظيم صناعة السلاح والحد من التكاليف لا بد من تطوير عقود التسليح، خصوصا مع الشركات التي تتمتع بقوة احتكارية. وترتفع في صناعة الأسلحة وأنظمتها القوى الاحتكارية، ما يحتم الحرص في توقيع صفقات الأسلحة وتجنب الأسعار المبالغ فيها، التي تفرضها الشركات المحتكرة.
وتركز شركات السلاح على العقود الأولية لتطوير الأسلحة التي تتحمل فيها الحكومات تكاليف البحث والتطوير. ويتبع ذلك توقيع عقود طويلة الأجل مربحة مع الشركات المطورة. وأدى اهتمام الحكومات بالنوعية إلى ارتفاع تكاليف تطوير أنظمة الأسلحة وإيجاد موانع أمام دخول الشركات والدول إلى صناعة السلاح، ما تسبب في تركيز شركات تصنيع الأسلحة على مجالات محددة، وأجبر كثيرا من الدول على التعاون في مجال تصنيع السلاح.

إنشرها