الشهر الفضيل وتداعيات العولمة

يطل علينا شهر رمضان المبارك والعولمة صارت جزءا من حياتنا، لا بل قد تحتلنا ممارساتها وتقهرنا.
وأكاد أجزم أن ليس هناك اليوم أي ممارسة ثقافية ـــ والدين ثقافة ـــ بقيت في منأى عن تأثير العولمة.
وما العولمة، يا ترى؟
من الصعوبة بمكان تقديم تعريف محدد لها رغم شيوعها كمصطلح صار تقريبا على لسان كل واحد منا.
بيد أن أقرب وأشمل تعريف للعولمة في رأيي يضم ثلاثة مفاهيم لا يمكن فصم عراها: الأول جعل الأفكار والسلع والأموال والثقافات ذات طابع عالمي مشترك. الثاني حرية النقل والانتقال ولا سيما عند تعلق الأمر بتدفق السلع والمنتجات المادية والثقافية دون قيود وشروط تذكر. الثالث لا يمكن للمفهومين الأول والثاني أن يترجما على أرض الواقع إن لم تسندهما سلطة أو قوة لها إمكانية فرض ما لديها من أفكار وسلع ومنتجات إعلامية أو ثقافية.
المفهوم الثالث في غاية الأهمية لأن النقل والتنقل للناس والأفكار والأموال والسلع والمنتجات بأنواعها غالبا ما يتم بشكل قهري. بمعنى آخر القوي هو الذي يفرض أفكاره وسلعه ومنتجاته على الضعيف من الناس والأعراق والثقافات.
ومن الخطأ التصور، ونحن نمر بعصر تزدهر فيه العولمة أن الدول والمجتمعات والثقافات ذات السلطة والقوة تفرض مفاهيمها على دول ومجتمعات وثقافات مختلفة عنها وأضعف منها فقط.
ولنلق لوهلة نظرة على مفهوم آخر وهو العلمانية في محاولة لإلقاء مزيد من الضوء على العولمة ودورها في حياتنا. المصطلحان لهما جذر متقارب جدا في اللغة العربية لأنهما يعنيان بشؤون العالم.
في اللغة الإنجليزية مثلا لا علاقة اشتقاقية بين المصطلحين globalization and secularism ومن السهولة بمكان التميز بينهما.
وبعض المفكرين يقول إنها بمنزلة مذهب طغى ولا يزال في أوروبا لأنها أخرجت الدين من الحياة المدنية وصار أغلب النشاط الإنساني في المرافق الحكومية والرسمية والتربوية والتعليمية خارج سلطة الدين وعلمائه. العلماني الذي لا يعنى بشؤون الدين بل بشؤون الدنيا حل محل المتدين في سلطته وإدارته للنشاط الإنساني.
العلمانية لم تلغ الدين. العلمانية جندت الدين وجعلت منه والقائمين عليه من علماء الدين دون سلطة وتأثير في النشاط الإنساني. وكذلك لم تلغ الطقوس الدينية، بل جعلتها علمانية ـــ أي أزاحت عنها صبغتها الدينية وحولتها إلى مناسبات فرح ومرح واستهلاك واستجمام وعطلات رسمية لا تختلف عن أي مناسبة أخرى يمارس فيها الناس ثقافتهم ونشاطاتهم.
وما كان للعلمانية أن تصمد دون العولمة. العولمة بدأت أول ما بدأت في مجتمعات الرفاهية والإنتاج الشامل الضخم وبالجملة، الذي بموجبه صار مبدأ الاستهلاكية consumerism ركنا اقتصاديا مهما للرفاه والنمو. زيادة الاستهلاك للبضائع والسلع التجارية والثقافية يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الإنتاج وزيادة الإنتاج يعقبه زيادة وتراكم الثروة وزيادة في التشغيل.
وهذا ينطبق حتى على مستوى بقال صغير في حي شعبي، فالبقال يحاول ما وسعه تلبية حاجات الناس للبضائع والسلع، وكلما زاد استهلاك الناس لبضاعته زادت أرباحه ومقدرته على إيراد وتكديس السلع.
والنظام العلماني ترعرع في أحضان الرأسمالية، ومبدأ الاستهلاكية ركن من أركان الرأسمالية. أصحاب رأس المال والإنتاج والسلع التجارية والثقافية يذهبون أبعد مما نتصور كي يحثوا الناس على الاستهلاك. ومن أجل ترويج بضائعهم استطاعوا تطويع الثقافة والطقوس الدينية في الغرب وتحويلها إلى مناسبات استهلاكية بحتة.
في الغرب رغم أن المسلمين أقلية، تهرع الشركات والمتاجر إلى الاحتفاء بشهر رمضان من خلال حملة إعلانات كبيرة تروج للبضائع الرمضانية بغية حث المسلمين على مزيد من الاستهلاك.
وترى في أكثر الدول العربية والإسلامية، زحفا كبيرا للبضائع المستوردة من الصين وغيرها في شهر رمضان.
الباحث في شأن كيف أن العولمة تقهر لا بل تغزو الآخر لا يحتاج إلا إلى نظرة عابرة على بعض المتاجر التي تتكدس فيها البضائع الرمضانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي