«لويدز» .. عودة من حافة الهاوية

«لويدز» .. عودة من حافة الهاوية

كان الوقت نحو الظهر من يوم معتدل على نحو غير عادي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 عندما أصبح واضحاً أن رئيس مجموعة لويدز المصرفية في ورطة. نحو 60 شخصا من أعضاء مجلس الإدارة والمديرين في المصرف البريطاني كانوا يدخلون إلى مقره الرئيسي في لندن لتناول وجبة غداء سنوية كان من المُقرر أن يحضرها رئيس المصرف التنفيذي البرتغالي المبتهج، أنطونيو هورتا-أوسوريو. عند الساعة 12:30 بعد الظهر أُرسل أحد المساعدين لاستدعاء هورتا-أوسوريو، الذي كان متأخراً. بحلول الساعة 1:00 بعد الظهر كان من الواضح أن هناك مشكلة.
بعد العثور عليه في مكتبه غير قادر على مواجهة الحشود، وبالكاد يريد أن يتكلم، تم نقله على الفور إلى الأطباء، وتم تشخيصه بأنه مصاب بأرق ناجم عن الإجهاد. نام تقريباً لمدة تسعة أيام بشكل متواصل، في مستشفى بريوري الخاص.
يقول بعض الزملاء الذين اختلطوا معه في ذلك اليوم "إنه كان يبدو مشلولا تقريبا". يقول أحدهم "تسأله سؤالا، وبعد دقيقة يرد بجواب من كلمة واحدة. هل أنتَ على ما يرام؟ وقفة طويلة. لا. هل تريد التحدث عن الأمر؟ وقفة طويلة. نعم".
انهيار هورتا-أوسوريو، غير المعروف للجمهور ومعظم موظفي المصرف في ذلك الحين، كان ذروة أسابيع من الحرمان من النوم، نجم عن حالة لويدز المتزعزعة وسط أزمة منطقة اليورو.
يعتقد الزملاء أن مشكلاته نابعة من اعتماد المصرف المفرط على اقتراض مئات المليارات من الجنيهات من مؤسسات أخرى لمواصلة العمل - وهي أموال معرضة لخطر سحبها من يوم إلى آخر. بالنسبة إلى هورتا-أوسوريو، الذي انضم إلى "لويدز" قبل عشرة أشهر من ذلك التاريخ، اكتشاف حالة المصرف كان أمراً فظيعاً جداً إلى درجة أنه لم يستطع أن يتحمّله.
عندما انتشر نبأ مغادرته المفاجئة انخفض سعر سهم المصرف 5 في المائة إلى 29 بنسا. شكّل ذلك أزمة في الوقت الذي كان فيه اقتصاد المملكة المتحدة يتراجع إلى حالة ركود مزدوجة. صحة "لويدز" المالية كانت ضعيفة بالأصل بعد استحواذه الكارثي على مصرف HBOS خلال الأزمة المالية عام 2008-2009 التي أدت إلى عملية إنقاذ من الحكومة بقيمة 20.3 مليار جنيه. كان دافعو الضرائب يملكون 43 في المائة من المصرف والتدقيق من كل من الجمهور والسياسيين كان مكثّفاً.
بعد مرور ما يُقارب عقدا من الزمن، باعت الحكومة آخر أسهمها في "لويدز" بربح اسمي بلغ 900 مليون جنيه. وهورتا-أوسوريو، البالغ من العمر 53 عاماً، الذي هو الآن في صحة جيدة، يُمكن أن يكون صريحاً بشأن انهياره. يقول وهو يجلس في مكتبه الواسع المُطل على كاتدرائية سانت بول، "إن تلك الأيام المظلمة تبدو كأنها ذكرى بعيدة. كونك رئيسا تنفيذيا (...) يجعلك تشعر بالوحدة إلى حد كبير، لذلك في بعض الأحيان هناك عدة أشياء لا تستطيع مشاركتها مع فريقك، لأن عليك تحفيزهم. فأنت لا تريد أن يشعر موظفوك بالتشكك بشأن قدرتك على القيادة".
إعادة الخصخصة هي لحظة فاصلة في القطاع المصرفي، لأن المصرف ذا التركيز المحلي الأكبر في المملكة المتحدة يتخلّص من أغلال النفوذ السياسي. لكن الانتعاش كان صعباً. تعثّر بسبب تأمين حماية المدفوعات - فضيحة الغش في البيع الأكثر تكلفة منذ عقود - والحاجة إلى خفض التكاليف بشكل قوي. وقد تشكّلت بفعل رحلة هورتا-أوسوريو الخاصة، من أعماق أزمته الشخصية، من خلال جيشان المواضيع المنشورة في صحف التابلويد عن علاقة غرامية خارج الزواج، إلى انتصار هذا الشهر في الوقت الذي يتخلّص فيه المصرف من مالكه الحكومي.

250 عاما
حتى وقت الأزمة كان "لويدز" يبدو مرشحا غير متوقع لعملية إنقاذ من الحكومة. المصرف الذي تأسس في عام 1765 باسم "تايلورز آند لويدز"، توسّع بفضل الثورة الصناعية. وجلب استحواذه على مصرف آخر في عام 1884 رمز الحصان الأسود المألوف منذ فترة طويلة في الشوارع الرئيسية في بريطانيا.
الأعوام الـ 200 التالية شهدت مزيدا من عمليات الاستحواذ والتوسّع في الخارج. بحلول بداية القرن الحادي والعشرين، كان حجمه قد لفت انتباه هيئة مراقبة المنافسة في المملكة المتحدة، التي منعت محاولة لويدز شراء "آبي ناشونال" في عام 2001، مقتنعة بأن الشركة الموسّعة ستكون لها قبضة مُهيمنة فوق الحد على القطاع المصرفي في الشارع الرئيسي.
"لويدز" انتظر الفرصة الملائمة، من خلال النظر في عملية استحواذ على مصرف HBOS سريع النمو في عام 2006، لكنه قرر أن مثل هذه الصفقة من المرجح أن تُمنع. ثم في العام التالي أنشبت الأزمة المالية العالمية أظافرها. أليستير دارلينج، وزير المالية في ذلك الحين، يتذكر القلق. "عندما انهار "نورذرن روك" في صيف عام 2007، طلبتُ من وزارة المالية قائمة بكل المصارف الأخرى التي يُمكن أن تكون في ورطة - بالقرب من أعلى القائمة كان مصرف HBOS".
وفقاً لأحد كبار المصرفيين السابقين في "لويدز"، مصرف HBOS دعا مصرف لويدز لدخول محادثات حول عملية دمج بعد محاولته الفاشلة جمع المال من المستثمرين في تموز (يوليو) 2008. توقفت المحادثات بسبب مخاوف متعلقة بالمنافسة. لكن في أيلول (سبتمبر) 2008 كان الأبرز في العاصفة المالية العالمية. حينها مصرف الاستثمار الأمريكي ليمان براذرز تعرّض للإفلاس، الأمر الذي أرسل صدمات عبر الأسواق العالمية.
في اليوم التالي، في حفل أقامه "سيتي جروب" في لندن، أخبر جوردون براون، رئيس الوزراء آنئذ، السير فيكتور بلانك، رئيس مجلس إدارة "لويدز"، أنه سيتخلى عن قواعد المنافسة. هذه الخطوة من شأنها إيجاد مصرف ضخم يملك ما يُقارب ثُلث القروض العقارية والمّدخرات في المملكة المتحدة. يقول اللورد دارلينج، موضحاً قرار براون "كنت مقتنعاً أن الحكومة كانت ستضطر إلى إنقاذ "رويال بانك أوف اسكوتلند". عرفت أيضاً أنه سيكون علينا إنقاذ مصرف HBOS وبصراحة إذا تمكنت من العثور على أي مساعدة من القطاع الخاص في هذا الشأن فلا أستطيع تحمّل الحصول عليها".
الفكرة كانت تعزيز الميزانية العمومية في مصرف HBOS واستعادة الثقة من خلال دمجه مع مصرف لويدز الأكثر صحة. أحد الوزراء الذي شارك في القرار يقول "إن الحكومة كانت واثقة من أن المجموعة المندمجة سيتم تفكيكها من قِبل سلطات المنافسة بمجرد أن تخف الأزمة، إلى هذا الحد كانت حصتها المهيمنة في القطاع المصرفي".
تم الاتفاق على عملية استحواذ "لويدز" على مصرف HBOS بعد أيام من انهيار "ليمان براذرز". يقول دارلينج "في تلك الظروف الاستثنائية، استقرار المصرف عزز المنافسة (...) ولهذا السبب وافقنا".
لكن بعد شهر فقط، اضطرت الحكومة إلى إنقاذ المجموعة الموسّعة. احتاج "لويدز" إلى 20.3 مليار جنيه من أموال دافعي الضرائب في عامي 2008 و2009. "رويال بانك أوف اسكوتلند" مصرف بريطاني رئيسي آخر كان لا بد من إنقاذه، تلقّى 45.5 مليار جنيه". منذ ذلك الحين، كانت الحكومة تستعيد الأموال التي وضعتها في "لويدز" من خلال بيع الحصة البالغة 43 في المائة.
في الوقت الذي كانت فيه الأزمة العالمية تتوسّع، كان هورتا-أوسوريو مشغولاً بترسيخ مكانته في المملكة المتحدة. سحره وقدرته الفنية ساعدا بالفعل على رفع مستوى مصرف سانتاندر الإسباني. ولد في عام 1964 في لشبونة لعائلة من المحامين، ودرس الأعمال والإدارة في الجامعة، وتدرب في "سيتي بانك" في لندن. في عام 2006، بعد مهمات في إدارة العمليات لمصرف سانتاندر في البرتغال والبرازيل، اختاره الأب المؤسس لمصرف سانتاندر، إميليو بوتين، لقيادة فرع المصرف في المملكة المتحدة، "آبي ناشونال" السابق. أتاح هذا الدور فرصة للعمل عن كثب مع الحكومة، على رأس واحد من المصارف القادرة على شراء المنافسين المتضررين، "أليانس آند ليسيستر" وجزء من "برادفورد آند بينجلي" في عام 2008.

أداء متميز
إنقاذ هذين المصرفين في وقت من عدم الاستقرار جعله يكسب تأييدا سياسيا. وصعوده إلى السلطة تعزز في شباط (فبراير) 2009 من خلال ظهوره أمام لجنة خاصة لوزارة المالية. ويعتقد مُقرّبون منه أن أداءه البارع تميّز كثيراً عن المنافسين المكافحين، مثل ستيفن هستر من "رويال بانك أوف اسكوتلند"، وإريك دانيالز، رئيس "لويدز" في ذلك الحين، الأمر الذي منحه منصة انطلاق في المؤسسة. وفي غضون أربعة أشهر، تم تعيينه عضوا غير تنفيذي في مجلس إدارة بنك إنجلترا.
يقول السير روجر كار، نائب رئيس المحكمة في ذلك الحين "كان أنطونيو يشعّ بالطاقة والمشاركة. لقد برز شخصا يملك جاذبية مغناطيسية. أثار اهتمام وزارة المالية أيضا".
في أيلول (سبتمبر) 2010، السير وين بيشوف، رئيس مجلس إدارة لويدز، خاطب هورتا-أوسوريو بشأن أعلى وظيفة في المصرف. وفقاً لأحد كبار المصرفيين السابقين في "لويدز"، حصل اسمه على تأييد من جورج أوزبورن، وزير المالية في ذلك الحين، وروبن بودنبرج، رئيس هيئة الاستثمارات المالية في المملكة المتحدة، التي تُشرف على حصص المصارف التي تلقّت عملية إنقاذ.
بالنسبة إلى هورتا-أوسوريو، كان الأمر مؤلماً. "كنت أحب سانتاندر، لقد كان مثالياً بالنسبة إلي. لم تكُن لدي أي نية للمغادرة، لكن عندما خوطبتُ في موضوع "لويدز" فكّرت في الأمر. كان في الأساس بمنزلة تحدّ كنت أعتقد أن بإمكاني تجاوزه، وفكّرت أنه لا يُمكنني مسامحة نفسي لو أني رفضت المحاولة".
لم يُدرك حجم مشكلات "لويدز" إلا عندما بدأ وظيفته الجديدة في أوائل عام 2011 - وإلى أي مدى عملت هذه المشكلات على جعل المصرف مكشوفا على الركود الاقتصادي في أوروبا. "لويدز" كان في وضع أكثر صعوبة بكثير مما كنت أعتقد، لم تكُن لدي أي فكرة". في حزيران (يونيو) من ذلك العام، وضع هورتا-أوسوريو استراتيجيته لتقليص 200 مليار جنيه من الديون السامة، الموروثة إلى حد كبير من مصرف HBOS، وتقليص بعض من اقتراضه على المدى القصير، المُسبب للمشكلات. كانت رؤيته هي إعادة "لويدز" مرة أخرى إلى مصرف بسيط يركز على المملكة المتحدة والمستهلكين البريطانيين. وبدأ العمل على بيع القروض السيئة وإبعاد المصرف عن تمويله غير المستقر. لكن تم تنفيذ الاستراتيجية حسب الخطة لبضعة أسابيع فقط.
بحلول آب (أغسطس)، كانت الأزمة المصرفية في منطقة اليورو تعصف بالأسواق. صناديق سوق المال في الولايات المتحدة - وهي مورّد أساسي للتمويل لفترات قصيرة، من 30 إلى 90 يوما - بدأت في سحب الأموال من أوروبا بمعدل 30 مليار دولار شهرياً. يقول هورتا-أوسوريو "كنت أعرف أن المصرف لم يكُن مستعداً لمواجهة أزمة منطقة اليورو "وحالة الركود" المزدوجة "في المملكة المتحدة". في الوقت الذي زاد فيه الضغط، وهيمنة القلق بشأن مستقبل "لويدز" على أفكاره، بدأ يُعاني صعوبة في النوم.
أحد الذين شاركوا وجبة معه في الأيام التي سبقت أزمته يقول "كان واضحاً أن هناك نوعا من الخلل. كان متشتتاً، لم يستطع التركيز. عقله كان في مكان آخر".
يقول أشخاص مقربون من هورتا-أوسوريو "إن انهياره أيضاً علامة على أهدافه الصعبة التي فرضها على نفسه، التي كانت بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) تبدو بعيدة المنال. حتى عندما كان طالبا لم يكُن بإمكانه قبول أهداف أقل من المستوى. في ذلك الحين، في محاولة لتأمين منصب مرموق أستاذا مساعدا، أعاد تقديم امتحان في الاقتصاد القياسي بعد الحصول على معدل 18 من 20". يقول أحد الزملاء السابقين "لم يفشل أنطونيو في تحقيق أي هدف من قبل".
الإعلان عن غيبة هورتا-أوسوريو المفاجئة أثار قلق المستثمرين. يقول ريتشارد بوكستون، الرئيس التنفيذي لشركة أولد ميوتشوال جلوبال إنفسترز، والمالك طويل الأجل لأسهم "لويدز"، "بالطبع كنت قلقاً. "لم يستغرقه الأمر" سوى بضعة أسابيع لوضع استراتيجية، ثم ركّز الجميع على تنفيذها بأسلوب لا يرحم. غيابه جاء في وقت مبكر من هذا، بالتالي شعرت بالقلق من أن الأمور قد تتراجع".
اضطر "لويدز" إلى طمأنة المساهمين أن عبء العمل على الرئيس التنفيذي سيقل بمجرد أن يعود، من خلال تسليم مزيد من المسؤولية لكبار التنفيذيين الآخرين، لمساعدته على أن تكون العودة مستدامة.
تقول أنيتا فرو، نائبة رئيس مجلس الإدارة في "لويدز"، "كنت في مأدبة غداء مع رئيس مجلس الإدارة، وقال بعض الناس: الناس لا تشفى بسهولة "من شيء كهذا". وقلت: إذا كان أي شخص سيشفى فهو أنطونيو لأنني رأيت معدن شخصيته. "منذ ذلك الحين" رأيت أنطونيو، جزئياً بسبب أرقه وجزئياً بسبب أمور أخرى، يتشارك الكثير مع مجلس الإدارة حول الأشياء في ذهنه. لقد رأيته أكثر إنسانية خلال ذلك الوقت".
بعد ما يُقارب شهرين عاد هورتا-أوسوريو إلى العمل في كانون الثاني (يناير) 2012. هو وفريقه ركّزوا على بيع القروض الخطرة في دفاتر "لويدز" إلى مصارف ومستثمرين آخرين وجمع ودائع الزبائن من خلال كثير من علاماته التجارية لإصلاح المصرف.
دمج مصرف HBOS في أنظمة التكنولوجيا في "لويدز" كان مهمة شاقة. "لويدز" أيضاً اضطر إلى الشروع في بيع وحدة TSB التابعة له وسداد نحو 100 مليار جنيه من القروض الطارئة من بنك إنجلترا. علاوة على ذلك، واجه هورتا-أوسوريو تحقيقا من الحكومة فيما إذا كان على "لويدز" الانقسام لتعزيز المنافسة - الأمر الذي قاومه.
في حين استمر انتعاش المصرف، كان هناك عدد من العقبات. العقبة التي كانت لها أصداء هي فضيحة تأمين حماية المدفوعات. يقول إيان جوردون، المحلل في "إنفستيك" سكيوريتيز "لا أستطيع التفكير في أي فضيحة أخرى للغش في البيع في القطاع المصرفي يُمكن مقارنتها بها. كان لويدز البائع رقم واحد للقروض الشخصية وبالتالي باع تأمين حماية المدفوعات أكثر من أقرانه".
عملية الغش التي مارسها "لويدز" في بيع تأمين حماية المدفوعات - ممارسة اتبعها كثير من المصارف خلال العقود الأخيرة - كانت قبل وجود هورتا-أوسوريو هناك. من خلال حرصه على حل القضية بأسرع وقت ممكن بعد انضمامه إلى المصرف، انفصل عن خط المصارف البريطانية الأخرى وأعلن أنه سيدفع تعويضاً في مطلع عام 2011، مع تخصيص مبلغ 3.2 مليار جنيه. كان يُنظر إلى هذا بأنه تعويض ضخم في ذلك الحين، ما أدى إلى تعرّض "لويدز" لخسارة في الربع الأول من ذلك العام.

مذبحة الوظائف والفروع
كانت هناك قرارات صعبة أخرى. سيتم تذكّر هورتا-أوسوريو على أنه شخص مصمم على تقليص التكاليف لإصلاح الموارد المالية المتضررة في "لويدز"، لكنه شخص مُثير للجدل في المجال الأوسع المتعلق بالزبائن. حجم تخفيضات الوظائف، وعمليات إغلاق الفروع وغيرها من التخفيضات العامة منذ انضمامه، بلغت مدى واسعا إلى درجة أن "لويدز" الآن يُنفق بالنسبة إلى دخله أقل مبلغ بين جميع المصارف البريطانية الكبرى. مقابل كل جنيه من الإيرادات، يُنفق 47 بنسا فقط على النفقات التشغيلية.
في الأشهر القليلة الأولى، أعلن عن تسريح أكثر من 15 ألف موظف. وفي عام 2014 كشف عن خطط لتسريح تسعة آلاف موظف آخرين وإغلاق 200 فرع بحلول نهاية عام 2017. منذ ذلك الحين وسّع ذلك إلى 12 ألف موظف و400 فرع في المجموع. حجم تخفيضات الوظائف كان مُثيراً للجدل، خاصة في سياق رواتبه وتعويضاته الإجمالية، التي بلغ مجموعها 38 مليون جنيه "بما في ذلك العلاوات الخاضعة للشروط" منذ انضمامه.
إغلاق الفروع ترك بعض البلدات بدون مصرف. مثال على ذلك بلدة فوردينبريدج، على نهر آفون. آخر فرع فيها من المصارف اختفى عندما أغلق "لويدز" أبوابه في آذار (مارس). ديف تري، صاحب متجر محلي، قال "إن اختفاء المصرف مزّق قلب البلدة. السكان هنا كبار في السن. توجد نسبة عالية من مساكن التقاعد، ولن ينتقلوا إلى الخدمات المصرفية عبر الإنترنت. لذلك في حين إن هناك مشكلات كبيرة على مستوى الأعمال، إلا أنه على المستوى المحلي هناك مشكلات أكبر. الفرع المحلي التالي يقع على بُعد خمسة أميال".
يصر "لويدز" على أنه لا يزال يملك أكبر شبكة للفروع في المملكة المتحدة، لكنه يشهد تراجعا سريعا في عدد الناس الذين يزورونها، لأن الزبائن أكثر من أي وقت مضى يستخدمون الآن الهواتف الخلوية للتعامل مع الخدمات المصرفية.
هورتا-أوسوريو ليس مهتما بالحفاظ على المجتمعات الإنجليزية المتوسطة. لكنه يزور بالفعل أحد الفروع الإقليمية كل ستة أسابيع. في زيارة إلى كوفنتري في آذار (مارس) سأل أحد مديري الفروع عن الإقراض في المصرف وهنأ آخر على جائزة خدمة الزبائن. التحدث إلى الموظفين في الموقع أمر مهم، كما يُشير، من خلال الحرص على إظهار أنه لا يجلس في "برج عاجي". في الواقع، هورتا-أوسوريو لديه القليل من العلاقات الوثيقة مع الزملاء. لكنه اضطر إلى الانخراط معهم بعد أن انفتحت حياته الخاصة على العامة في الصيف الماضي، عندما ظهر في صورة على الصفحة الأولى من عدد من الصحف الشعبية البريطانية مع عشيقة في الأماكن العامة. وقد أرسل رسالة إلى موظفيه البالغ عددهم 75 ألفا بعد بضعة أسابيع، مُعرباً عن "الندم العميق" للأثر الذي ألحقته التغطية بسمعة "لويدز". تقول فرو "تناولت معه وجبة الغداء في أول يوم عودته بعد الصيف. قلت: كيف تشعر؟ هل تشعر بالغرابة؟‘ قال: لا، سأكون فقط منفتحاً جداً حول الأمر".
الأخبار عن العلاقة كانت فصل الختام لبضعة أشهر صعبة. تصويت "خروج بريطانيا" في حزيران (يونيو) 2016 كان مؤلماً بالنسبة إلى هورتا-أوسوريو، المتحمس للاتحاد الأوروبي، بعدة طرق. الأمر الأكثر إحراجاً، أنه كشف عن توتر مع رئيس مجلس إدارته، نورمان بلاكويل، الذي قدّم خطابا بصفة خاصة لمصلحة "خروج بريطانيا". هذا أيضاً بدا على أنه يتناقض مع مصالح المصرف. تضرر سعر السهم في "لويدز" من التصويت، بسبب خوف المستثمرين من تراجع الاقتصاد البريطاني. مع ذلك، ينتظر أن يصل ما يمتلكه من أسهم المصرف إلى 36 مليون سهم.
تصويت "خروج بريطانيا" ألحق الضرر أيضاً بتوقعاته الخاصة. يقول أحد الزملاء السابقين "إنه يعتقد أن المواطن البرتغالي حصل على الجنسية البريطانية جزئياً، لأنها ستُساعد على تمهيد الطريق لحصول محتمل على لقب "سير". لكن ذلك المسار ربما كان يعتمد على استمرار رعاية أوزبورن ورئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، وكلاهما أُخرِج بسرعة من السلطة.
بيع حصة الحكومة في "لويدز" يتناقض بشكل صارخ مع مصرف رويال بانك أوف اسكوتلند. ففي حين تمت إعادة خصخصة "لويدز" الآن، إلا أن الحكومة لم تبع سوى جزء صغير من الأسهم في مصرف رويال بانك أوف اسكوتلند، بخسارة، ولا تزال تملك حصة 72 في المائة من المصرف. حجم المهمة في "رويال بانك أوف اسكوتلند" أكبر بكثير - تفكيك المصرف العالمي الشاسع الذي تصوّره الرئيس السابق، فريد جودوين.
يقول جيم أونيل، التنفيذي في مصرف أمريكا ميريل لينش، الذي أشرف في السابق على مقتنيات الحكومة البريطانية في "لويدز" و"رويال بانك أوف اسكوتلند"، "في حين من السهل القول إن أنطونيو كان يملك مجموعة أوراق رابحة للتعامل معها أسهل من "رويال بانك أوف اسكوتلند"، إلا أن "لويدز" كان يعاني تحدّيات خاصة به. عندما وصل كان واحداً من عدد قليل من الأشخاص الذين اعتقدوا أن بإمكانه إعادة أموال دافعي الضرائب. دائماً ما كان يعتقد أنه يُمكن فعل ذلك".
إعادة الخصخصة تجلب المخاطر الخاصة بها. بدون حماية من الحكومة، قد يواجه "لويدز"، الذي يملك حصة تزيد على 20 في المائة من سوق الخدمات المصرفية للأفراد في بريطانيا، تهديدا أكبر بتفكيكه لأسباب تتعلق بالمنافسة - لكن هورتا-أوسوريو متشكك في الأمر. يقول "أعتقد أن هذا الخوف غير مُبرر نهائيا".
هناك ظل آخر يُلقيه إرث مصرف HBOS. "لويدز" واقع الآن تحت دائرة الضوء بسبب تعامله مع ادعاءات الاحتيال في أحد فروع HBOS في ريدينج خلال الأزمة المالية، التي تسببت في تعّرض زبائن الشركات إلى الإفلاس. من المُقرر أن يبدأ "لويدز" بسداد نحو 100 مليون جنيه تعويضا في وقت لاحق من هذا الشهر.
إلى جانب "خروج بريطانيا"، الخلافة هي "عامل الخطر" الآخر الذي يُثير قلق المستثمرين في المصرف. مع إزالة الصعوبات من الطريق، يعتقد البعض أن هورتا-أوسوريو قد يبحث قريباً عن تحدّ في أماكن أخرى. يقول أحد الزملاء السابقين "إنه يشعر بالملل". يقول أشخاص عرفوه جيداً "إنه يُحب منصب الرئيس التنفيذي في "إتش إس بي إس"، الذي من المُقرر أن يُصبح شاغراً في العام المُقبل".
هورتا أوسوريو نفسه لا يقبل الدخول في هذا النقاش. يقول "الأمر ليس أمرا مفروغا منه على الإطلاق. أحب أن أكون هناك، وهناك كثير من الأمور التي يجب عملها هنا". وقد تعلم أن يُدرِّج نفسه على مراحل، إذ يخصص بضع ساعات كل يوم للتخطيط الاستراتيجي، وهو إحدى الشعائر التي يجد صورة له في حماسته للشطرنج. يقول "الشطرنج هو أكثر لعبة تتطلب استخدام العقل، التي أعتقد أنها لعبة ذات أبعاد استراتيجية كثيرة للغاية، وتنطبق إلى حد كبير على الشركات".
وهو يقضي ساعتين كل يوم أربعاء في لعبة التنس. ويقول "أعتقد أن على الشخص أن يتمرن من أجل تعزيز قوته البدنية. هذه وظيفة صعبة ويتعين عليك أن تكون في وضع لائق من الناحية العقلية والجسمية".
مهما كان الأمر الذي سيُقدم عليه في المرحلة المقبلة، هناك شيء واحد معروف على وجه اليقين. من غير المرجح أن يذهب هذا المصرفي إلى البيت، على الأقل ليس الآن. ورغم أنه يمتلك منزلا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، يطل على نهر تاجوس في لشبونة، إلا أنه يبحث عن أول منزل يشتريه في بريطانيا. من أجل تسديد ثمنه، سيبيع أول حصة له من الأسهم في المصرف. وهو لا يتوقع أن يحتاج إلى قرض سكني من "لويدز".

الأكثر قراءة