بريطانيا .. مرحبا بكم في سوق الإسكان المختلة

بريطانيا .. مرحبا بكم في سوق الإسكان المختلة

أسعار الأصول، بإجماع الجميع، هي رهينة للطمع والخوف. لكن ليس في سوق الإسكان في المملكة المتحدة. نعم، هناك جشع، ولا سيما بين شركات بناء المنازل، مثل بيرسيمون، ثاني أكبر شركة لبناء المنازل في بريطانيا، التي من المتوقع أن يحصل رئيسها التنفيذي، جيف فيربيرن، على مبلغ يصل إلى 100 مليون جنيه استرليني من خطط الحوافز طويلة الأجل (التي يفترض) أنها ذات صلة بالأداء. ومع ذلك، أدى الارتفاع العنيد في أسعار المنازل إلى القضاء على الخوف إلى حد كبير، وفي الوقت نفسه إيجاد هوة واسعة بين الذين يملكون والذين لا يملكون.
أصحاب المنازل المحتملون يواجهون مشكلة مروعة من حيث القدرة على تحمل التكاليف. فمنذ عام 1998 ارتفع متوسط أسعار المنازل في المملكة المتحدة أكثر من الضعف مقارنة بالدخول. النسبة التي تبلغ تقريبا ثمانية أضعاف تجعل المضاعف الحالي أعلى رقم قياسي على الإطلاق. وفي حين أن أسعار المساكن ارتفعت إلى عنان السماء، حلقت عاليا أيضا الإيجارات على مساكن القطاع الخاص. الأمر ليس فقط أن سوق الإسكان تعاني اختلالا وظيفيا، بل هي في قلب واحدة من المشاكل الاقتصادية السياسية الأكثر حدة في بريطانيا - مشكلة مؤذية تماما لطموح تيريزا ماي، رئيسة الوزراء، لإصلاح "سوق الإسكان المعطوبة" في إطار خططها لبريطانيا أقوى وأكثر إنصافا.
لم يكن الأمر دائما على هذا النحو. من 1870 إلى 1945 لم يكن هناك نمو في متوسط أسعار المنازل الحقيقية على الإطلاق. في نهاية الحرب العالمية الثانية كانت نسبة المساكن التي يقطنها مالكوها نحو ثلث جميع المساكن. ثم في الخمسينيات اكتشف السياسيون العبارة السحرية "ديمقراطية ملكية العقارات". وانطلقت ملكية المساكن التي يقطنها مالكوها، لتبلغ ذروتها عند 71 في المائة في عام 2003، في حين أصبح البريطانيون يعتبرون المسكن أحد الأصول المالية بقدر ما هو مكان للسكن. وهم ينظرون بصورة متزايدة إلى السكن بوصفه شكلا أكثر جاذبية للادخار لمعاش تقاعدي أكثر من الأسهم والأوراق المالية. ومنذ ذلك الحين انخفضت نسبة إشغال المالكين لمساكنهم إلى 63 في المائة، وإن لم يكن ذلك بسبب فقدان الشهية لملكية المنازل. كل ما في الأمر هو أن الأسعار بعيدة عن متناول كثير من المشترين المحتملين.
على أحد الأصعدة، هذه قصة تتحدث عن نقص حاد في العرض. وعلى صعيد أعمق تدور القصة حول اتفاق ضمني بين السياسيين وشركات بناء المنازل. أصحاب المنازل هم مجموعة أكبر وأقدم من المشترين المحتملين لأول مرة. وهم أكثر عرضة للتصويت في الانتخابات، ولهم أيضا رأي في عملية التخطيط، التي لا يملكها أصحابها البيوت المحتملون.
لذلك عندما وعد السياسيون بجعل المساكن ميسورة أكثر من قبل، كانوا مخادعين تماما لأن الانخفاض المطلوب في أسعار المنازل ربما يؤدي إلى إخراجهم من السلطة على أيدي المجموعة الكبيرة من أصحاب المنازل التي ستكون قيمتها أقل. بالتالي، هم يفضلون بدلا من ذلك دعم الطلب من خلال تقديم الدعم المالي للمشترين لأول مرة عن طريق برامج مثل المبادرة المنحرفة المعروفة باسم "المساعدة على الشراء" التي كانت حتى وقت قريب تقدم ضمانات للقروض العقارية التي تتطلب إيداعا بنسبة 5 في المائة فقط. كما أنها تتفادى الإصلاح الجذري لعملية التخطيط المضنية في بريطانيا، ما يحد من العرض.
وقد سهل ذلك أنموذج الأعمال التجارية في بناء المنازل الذي يعتمد بشكل كبير على ارتفاع قيم الأراضي باستمرار. ليس لدى شركات البناء حافز كبير لزيادة العرض، وهو أحد الأسباب التي تجعل عدد المساكن الجديدة دائما متأخرا عن منح الموافقات التخطيطية. وقد عملت كثير من شركات البناء، في الواقع، وكأنها أشخاص مضاربون للأراضي مع عملية البناء على الهامش.
عمليات البناء من قبل شركات بناء المنازل أصبحت أكثر راحة تماما مما كانت عليه، بسبب المساهمين المؤسسيين الذين لا يفعلون شيئا يذكر سوى محاسبة المديرين.
يرجع الفضل في الأداء الاستثنائي المرتبط بالتعويضات التي يحصل عليها فيربيرن إلى برنامج الحكومة للمساعدة في الشراء، والندرة المصطنعة الناشئة عن قيود التخطيط، وتدخلات الإنعاش من بنك إنجلترا في أسواق رأس المال – المعروفة باسم التسهيل الكمي – وليس إلى جهوده الشخصية. ومع ذلك، فإن أكثر من 90 في المائة من مساهمي "بيرسيمون"، مثل المالكين الغائبين، "بصموا" بالموافقة على هذه الحزمة الفظيعة.
نتيجة الميثاق الضمني هي نقص مزمن في التشخيص الذي قدمته الليدي كيت باركر في مراجعتها التي ترعاها الحكومة حول إمدادات المساكن في عام 2004. هذا يؤدي إلى عدم استقرار الاقتصاد الكلي وسوق عمل غير مرنة. كما أن المعاملة الضريبية السخية للعقارات، التي تفشل في الاستفادة من مكاسب التخطيط للمجتمع الأوسع، تكفل أيضا عدم الكفاءة القصوى في استخدام الأراضي. وفقا لأرقام الحكومة، نصف المخزون من المساكن التي يشغلها المالكون هي غير مشغولة.
الورقة البيضاء الأخيرة التي أصدرتها الحكومة حول سوق الإسكان تعتمد التشخيص نفسه وتقدم عددا من الحلول الجديرة بالاهتمام.
ومع ذلك، مبادرات المساعدة على الشراء مستمرة، ولا توجد خطط لإجراء إصلاح شامل للضرائب على العقارات، وسؤال كبير عما إذا كان التخفيف التدريجي لنظام التخطيط سيكون على مستوى مشكلة القدرة على تحمل التكاليف.
الخبير الاقتصادي ديفيد مايلز، الذي كان يعمل سابقا في لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، يتكهن بأن تصبح المساكن مستأجرة بشكل متزايد. سوف تصبح المنازل مثل الطائرات النفاثة - مكلفة فوق الحد بالنسبة لمعظم الناس على نحو يحول دون امتلاكهم لها، باستثناء امتلاكهم لها بشكل غير مباشر من خلال شراء أسهم شركات الطيران، أو في هذه الحالة، أسهم شركات العقارات. مرحبا بكم في ديمقراطية الملكية الخاصة غير المباشرة، حيث التباين في المستويات الاقتصادية منتشر مثل الوباء.
وهذا أمر ليس في مصلحة الأسر المكافحة التي ليست لديها إمكانية الاستفادة من مال الأهل في الدعم المالي.

الأكثر قراءة